كنت في العام 2005 اعمل مستشارا اول لدى المنظمة الدولية للهجرة بكندا، التي اشرفت على اول انتخابات برلمانية عراقية في الخارج بعد سقوط نظام صدام حسين والتي اجريت في 30 كانون الاول (ديسمبر). وانا اتابع قائمة المرشحين للانتخابات في العراق، انتابتني الدهشة بعد ان وقع نظري على اسم "هيثم الحسني". وبسرعة تيقنت، ان "هيثم توفيق فياض النجار" قد انتحل لقب "الحسني" ليضيفه الى اسمه الرباعي، ليدشن حملته الانتخابية.
بعد التقصي عن كيفية إقحام اسم هيثم توفيق فياض النجار(الحسني) ضمن المرشحين، وصلتني الاخبار من داخل العراق: ان المدعو اشاع بين الناس، انه كان معارضا لنظام صدام حسين طيلة السنوات الماضية ولهذا قام النظام بسجنه. والانكى من ذلك، انه اشاع: ان الامام مهدي المنتظر قد جاءه ليلا وبارك له دوره في الحياة السياسية وشجعه على خوض الانتخابات القادمة، وطمأنه على فوزه فيها وانه سيصبح رئيسا لجمهورية العراق.
لم يستدع الامر كثيرا من البحث اوالعناء لمعرفة من هو "هيثم توفيق فياض النجار...الحسني". فالمدعو معروف لدى الجالية العراقية في كندا. فهو القائم بأعمال السفارة العراقية في العاصمة الكندية اوتاوا قبل سقوط نظام صدام حسين. هذا الدبلوماسي "الفطحل" الذي كان قد نشر رسالة موجهة الى رئيس تحرير (مجلة الفلسطيني) أحمد عيد مراد (تصدر في أوتاوا)، ردا على مقالة نشرتها المجلة بتاريخ 22 آذار (مارس) 1996 حملت عنوان "حسين وصدام كامل .. رحلة الى الجحيم" وتناولت حقائق دامغة عن انتهاكات حقوق الانسان في العراق.
جاء في رسالته: "لى المرتزقة الجبناء المجرمين رئيس واعضاء تحرير مجلة الفلسطيني. أيها المرتزقة، الجبناء، المجرمين، الاعداء، الاوباش، الاذناب، الدجالين، عبيد الدولار، زبانية الاستعمار والامبريالية، الفاسقون، الانذال، السفهاء، الخنازير.... ألا تعلمون بأنكم عندما تتهجمون على ألقائد صدام حسين – حفظه الله ورعاه- انما تتهجمون على أرض العراق وعلى شعب العراق كله، فقلب صدام يحتضن عشرين مليون عراقي، وقلوب ألعراقيين كلها تحتضن صدام؟".
واضاف: "إن ذرة تراب من حذاء القائد المجاهد صدام حسين – حفظه الله ورعاه- تشرفكم جميعاً لأنه حقا من سلالة الرسول. ولأنه القائد الوحيد الذي دكت صواريخه تل ابيب ولم يتردد في مجابهة اكثر من 32 دولة ظالمة". واسترسل قائلا: "ونرد ان نقول لكم: ايها الخونة المأجورين يامن بعتم الارض والشرف....... فالقائد صدام حسين – حفظه الله ورعاه، هو الذي فجر ثورة 17 تموز 1968 المجيدة وهو القائد الفعلي لمسيرة التقدم في العراق منذ ذلك التأريخ حتى يومنا هذا. حيث قاد سيادته الشعب العراقي الصابر المجاهد الى اعلى درجات الرقي التي تجسدت بالانجازات الثورية والعسكرية والعلمية، مما دفع الدوائر الصهيونية والامبريالية الى استهداف العراق وشعبه وثورته وقائده، فوقعت عدة مؤامرات ومنها مؤامرة 1979 ثم الحرب العراقية- الايرانية عام 1980- 1988 التي شكلت جزءا كبيرا من المخطط المعادي. وخلال تلك الحرب وبعد انتصار العراق فيها تآمر حكام الكويت على العراق اقتصاديا بدعم من أسيادهم الاميركان دفعنا مضطرين ( وبعدما فشلت كل المحاولات الدبلوماسية معهم) الى دخول الكويت في آب 1990.. وبعد ان وقع علينا العدوان الثلاثيني الغاشم في 16- 17/ 1 /1991 تحول الى ملحمة أم المعارك الخالدة التي قاتل فيها الجيش العراقي وقائد العراق المجاهد لوحدهم كل قوى الشر والظلم في العالم وعلى ارض العراق".
واختتم رسالته بالقول: " وان النصر الاكيد للشعب العراقي ولقائده المنصور بالله صدام حسين- حفظه الله ورعاه- الذي بايعه الشعب وانتخبه بالاجماع في الاستفتاء الشعبي الديمقراطي الذي جرى يوم 15/10/1995 وحضره اكثر من ألف صحفي وسياسي وبرلماني عربي واجنبي وبضمنهم خمسة من كندا التي تعيشون فيها".
ولم يكتف بهذا القدر من الالفاظ البذيئة والنابية، فبعث رسالة ثانية عجت بالشتائم، يصعب على أي دبلوماسي استخدامها. وإن كانت، في الحقيقة، تشكل جزءاً من لغة العاملين في أجهزة نظام صدام الأمنية وتعبرعن ثقافتهم. جاء فيها:
"الى/ أحمد عيد مراد - رئيس تحرير مجلة "عدو الفلسطيني. قرأنا ما نشرته في عدد نيسان 1996 وهو العدد الآخر المسموم من أعداد مجلتك البائسة الخاسئة التي لا تستحق أن يلصق اسمها باسم فلسطين المغتصبة. نود ان نقول لك ولغيرك، من الذين ينهجون نهجك الغوغائي بأن الاف الاطنان من الصواريخ والقنابل التي القتها الطائرات الاميركية وطائرات الحلفاء على ارض العراق الطاهرة ابان ام المعارك الخالدة (تلك القذائف التي دمرت الملاجئ وقتلت الابرياء في ملجأ العامرية) كانت لاتميز بين القائد صدام حسين- حفظه الله ورعاه- وبين اي مواطن بسيط من ابناء الشعب. لانها كانت موجهة ضد العراقيين عموما " شعبا وقيادة"، وخاصة ضد شخص القائد ( الذي لم يكن في مركبة فضائية بل كان يعيش مع العراقيين) القائد الذي قال في بدايات عام 1990: " سنحرق نصف إسرائيل إذا ما اعتدت على اية دولة عربية". وكانت اولى القذائف الخائبة قد سقطت على مكتب سيادته في مبنى القصر الجمهوري. وخابت وخاب الاعداء وانت معهم..... واندحروا وستندحر راية الشر ويبقى القائد صدام حسين يقود العراق باتجاه الحرية والعبور الناجز، وما النصر الا من عند الله".
واضاف: "أما فيما يتعلق بسياسات صدام حسين، فهي سياسات يكمن فيها شرف العرب وكرامتهم ووحدتهم وسيادتهم طالما ان فلسطين كانت ولا زالت تمثل حجر الزاوية فيها..... وسيبقى هذا القائد شامخا مرفوع ألرأس لانه لم يمد يده لمصافحة الصهاينة رغم الحصار الظالم والظروف الصعبة التي يعانيها العراق بفعل ارادة الامبريالية والصهيونية".
ولم يكتف بذلك، بل تغني بسيده صدام، قائلا: "ولابد ان نقول هنا وبكلمات من الشاعر بدر شاكر السياب مركبة على كلمات منا: عراق صدام- الشمس اجمل في بلادي- من سواها والظلام،- يصبح نورا عندما يشرق وجه صدام. آه متى أنام !- فأحس ان على الوسادة ندى من ليلك الصيفي- اي عطرك ياعراق..... عطر صدام- عطر شعبي عطر الرفاق...".
ثم اختتم رسالته بالقول: "يجب عليك أن تدرك بأن عقارب الساعة لو دارت عكس اتجاهها، واشرقت الشمس من مغربها وتطابقت الشمس والقمر في شروقهما لما تجردت عن حبي لوطني وشعبي وقائدي الفذ...... واذا كان بعض السفراء قد خانوا تربتهم الغالية وسقطوا امام الرياح المعادية مثلما سقطت انت وبعت ذمتك، فهيهات ان نسقط نحن ونصطف في خانة العار والرذيلة التي يتجمع فيها الخونة والانتهازيون... واننا عندما ندافع عن عراقنا العظيم وقائدنا المجاهد صدام حسين- حفظه الله ورعاه- اما نريد اعلاء كلمة الحق وازهاق كلمة الباطل، ولا نريد التمديد والبقاء في أرض الغربة التي تعيش عليها القوى الامبريالية والصهيونية المعادية للأمة العربية".
ولم تنته حكاية الدبلوماسي العراقي بعد... إذ زادتها صحيفة (اوتاوا ستيزن) نكهة وإثارة عندما نشرت، في عددها الصادر في 18 تشرين الثاني ( نوفمبر) 1998، وفي صدرصفحتها الاولى خبرا عنوانه ( دبلوماسي مفلس يدفع لعاملة تنظيف سكائر وكحول). فحوى الخبر، الذي احتل مساحة غير قليلة من الصحيفة، ان السفارة العراقية في اوتاوا قامت بتوظيف السيدة أناهيت جيوجيزجيان ( 46) عاما روسية ألاصل، كعاملة تنظيف في السفارة اوائل عام 1997. إلا أن المذكورة وبعد مرور شهرين على عملها، فوجئت برفض السفارة صرف اجورها الشهرية نقدا وتعويضها بكمية من السكائر وقناني من المشروبات الكحولية لقاء عملها. وعندما قبلت العاملة بالامر الواقع مرغمة واستلمت "البضاعة" اوقفتها الشرطة الكندية وهي خارجة من السفارة العراقية، واودعتها في السجن لاكثر من عام واحد بتهمة حيازتها على سكائر غير مرخصة – حسب قانون الضريبة الكندي، اذ ان السلع الخاصة باعضاء السلك الدبلوماسي مستثناة من الضرائب الحكومية في كندا).
بعد مضي فترة زمنية، نشرت بعض صحف المعارضة العراقية، خبرإستدعاء القائم بالاعمال العراقي في اوتاوا الى بغداد وايداعه السجن بتهمة الاختلاس. و ليس بسبب "معارضته" لنظام صدام حسين، كما اشاع وادعي وتباهى بذلك في حملته الانتخابية.
هكذا اختلط الحابل بالنابل في عراق ما بعد صدام حسين. ومثلما تسلل المذكور، البعثي "المغوار" الى قوائم المرشحين لخوض الانتخابات، كذلك استطاع العديد من رفاقه تغييرجلودهم واسمائهم وتزوير وثائقهم وشهاداتهم والتغلغل الى داخل بعض الاحزاب السياسية والانضواء في صفوفها. وقد تسلق العديد منهم وتبوأ مناصب مهمة وحساسة في مفاصل الدولة ومؤسساتها. ولم يبق في العراق، مكانا يستحقه الشرفاء من المناضلين الحقيقيين وحملة الشهادات الرفيعة والاختصاصيين والاكاديميين والمثقفين والتكنوقراط، أو اي نافذة مفتوحة لهم يولجون من خلالها الى ميادين العمل لخدمة بلدهم.
وكما قال المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.