الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العلاقات الدولية ما بعد تفشي وباء كورونا المستجد

يبدو أن تفشي فايروس كورونا المستجد قد كشف بجلاء ما كان يتحدث عنه ماكرون قبل أشهر من أن حلف الناتو أصبح عاجزا وهو في طريقه نحو الاحتضار، مما دفع بعدد من أعضائه الدفاع عن الحلف ومن بين هؤلاء الزعماء كان السيد اردوغان.. ومن الدلائل التي تشير إلى حقيقة ما كان يجري ويقال خلف كواليس الحلف هي استنجاد إيطاليا بأعضائه من أجل مساعدتها في التصدي لوباء كورونا المستجد الذي مزق أحشائها، إلا أن الحلف صمً أذنه عن النداءات المكررة مما دفع الإيطاليين التوجه الى الصين وروسيا وكوبا وحتى فنزويلا الذين قدموا معونات طبية ولوجستية سخية دون مقابل. والسؤال المطروح الآن هو: هل يستطيع حلف الناتو وبعد صدمة كورونا وتوجه أعضائه الكبار الاهتمام بدولهم فرادا ودون تقديم المساعدات الى حلفائهم حين احتاجوا إليها، الى جانب ظهور قصور واضح في قدرة هذه الدول إن كان إقتصاديا أو تقنيا وطبيا من مواجهة وباء كورونا المستجد بينما استطاعت الصين منفردة التصدي له رغم استخدامها أساليب قاسية لكنها مؤثرة في هزيمته في المقاطعة التي ظهر فيها وتقليل الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية الناجمة عنه، إضافة لمد يد المساعدة إلى العديد من الدول بتجهيزهم باجهزة الفحص والمعدات الطبية الضرورية والأدوية مع كوادر طبية، هذا السؤال الكبير والمهم يحمل الكثير من الإجابات ذات مضامين فكرية واقتصادية، إذ أن الانهيار الاقتصادي العالمي الذي رافق تفشي هذا الوباء أرغم أنظمة ودول الاتحاد الأوربي على ضخ تريليونات من الأموال للتخفيف من آثار الانصهار الاقتصادي الذي شل الحياة الحياة الإقتصادية مما أدى إلى غلق معظم المصانع الإنتاجية المهمة وزيادة غير مسبوقة بالعاطلين عن العمل فيها، بينما صمد الاقتصاد الصيني رغم الخسائر التي أصابت شركاته العالمية، كما أن الاقتصاد الروسي هو الآخر مني بخسائر كبيرة وخاصة في المجال النفطي، هذا القطاع العالمي المهم بفعل التنافس بين الدول المنتجة ، إلى جانب تفشي وباء كورونا الذي أدى إلى شلل في القطاع الإنتاجي والتسويقي، ولكن ورغم  خسائره فقد قدمت روسيا مساعدات فورية إلى ايطاليا ودول اخرى.

يسود الإعتقاد حاليا أن الصين ستبرز القوة الاقتصادية المنتصرة من معركة عالمية إقتصادية وإنسانية لم يضع أحد قوانينها سوى ظهور هذا الفايروس الرهيب وتهرب دول حلف الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة من إلتزاماتهم الجماعية بسبب تناقضاتهم ومشاكلهم الداخلية والتنصل عن مساعدة أعضاء في هذا الحلف الذين تأثروا كثيرا من تبعات هذا الوباء. إن حلف الناتو والاتحاد الأوربي ومنذ مدة يتجهان نحو الانقسام حيث طفت على السطح دعوات للخروج منه، ويأتي الدليل الأول من بريطانيا حيث نجحت بالخروج منه ضمن صفقة مريرة للطرفين والدليل الثاني من انتقادات ماكرون المستمرة لأداءه الذي لا يرقى إلى مستوى طموح بعض الدول، يضاف إلى كل ذلك ثقل تبعات تفشي الوباء الكارثي وكيفية التعامل معه من قبل هذه الدول.

أما السؤال المهم الآخر فهو هل ستبرز في العالم قوى جديدة أو تحالفات جدية جديدة تنافس هيمنة الناتو والاتحاد الأوربي على الساحة الدولية؟ من المؤكد أن العامل الاقتصادي سيكون هو الحاسم في تبدل مواقع قطع شطرنج العلاقات الدولية، وستكون الغلبة للدول التي صمد إقتصادها بوجه الكارثة الإقتصادية التي يواجهها العالم جراء هذا الوباء، والتي قدمت وتقدم النموذج الإنساني بالتعامل مع مثل هذه الأزمات ومنح المساعدات إلى الدول تحتاجها دون ضغوط وشروط وتبني علاقات متكافئة ومثمرة للطرفين. ولكن الصراع سيستمر بين القديم والجديد ولن يختفي هذا الصراع بين (العالم ما قبل كورونا) وعالم اليوم وستبقى لغة الغطرسة العسكرية الوسيلة الوحيدة للعالم القديم من أجل الحصول على (جزء) وليس (كل) كعكة المنافع والأرباح الخيالية والتي كان العالم القديم يبتلعها بحرية وحده دون النظر إلى مصالح الدول النامية والغنية بالموارد الطبيعية.. لذلك فإن العالم سيبقى مهدداً عسكريًا نتيجة لعدم وجود ضوابط حاليًا للحد من استخدام القوة العسكرية لحل المشاكل الدولية، والتهديد بسباق التسلح النووي الذي يهدد السلم العالمي. والى حين ظهور مثل هذه الضوابط والاتفاقيات التي تقي العالم من المواجهات العسكرية الخطيرة، فسيبقى الناتو محافظا على أنيابه النووية العدوانية رغم تفشي التسوّس والنخر فيها.

اليوم وبعد وضوح الصورة حيث برز على الصعيد العالمي دور الصين وروسيا بالتعامل مع الأزمات التي تحيط بكوكبنا رغم أنهما قد تحركا لسد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وسياستها الإنعزالية والتي يجسدها السيد ترامب ، وانكماش دول الإتحاد الأوربي وتخليهما عن حلفائهما في وقت الشدة والضيق، وهذا سيساعد الصين وروسيا لتوحيد جهودهما وتمتين تحالفهما لمواجهة المشاكل السياسية والإقتصادية والصحية التي تواجه البشرية ، ومن أجل خلق ارضية جديدة من العلاقات الدولية بعيدا عن العسكرة وفرض العقوبات القاسية على الشعوب والدول ومن أجل السلم العالمي.

 أما في العالم العربي وخاصة الخليجي منه، فإنه ما زال ورغم وضوح دوافع الولايات المتحدة وحلف الناتو بالدفاع عن مصالحهما فقط منحازاً تمامًا للدعاية الأمريكية نتيجة تواجد القواعد الأمريكية على أراضيها وتهديدها الضمني لاستقراره واستقرار المنطقة حيث لا يمكنها التخلص من هذه الأغلال بسهولة.. أما الدول العربية الأخرى الأكثر استقلالية فقد تجد طريقها إن استخدم حكامها وشعوبها بوصلة واضحة للوصول الى بر الاستقلال الاقتصادي والسياسي عبر بوابة التحالف مع التنين الصيني والدب الروسي، وبناء علاقات متكافئة معهما واللتان اثبتتا نوعا ما من الصدقية بالتعامل الإنساني مع دول العالم الثالث.

ما سيظهر جليًا في المستقبل وما بعد فايروس كورونا المستجد، هو عالم مختلف في علاقاته الاقتصادية والسياسية، عالم لم تعد الولايات المتحدة القطب الوحيد له، عالم متعدد الأقطاب فعلا ومتعدد المصالح، عالم ينظر بجدية وتعاون إنساني مع ما يهدد كوكبنا ويجد الحلول المشتركة لدرء الخطر عنه.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 25-03-2020     عدد القراء :  2811       عدد التعليقات : 1

 
   
 

Jamal Bachoua Guest

Good report thanks