الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
منزلة الموسيقى في العراق القديم
الجمعة 10-04-2015
 
الجيران/ وكالات

كثيرة هي العقود القانونية التي وصلتنا من حضارة بلاد ما بين النهرين. فالمسلات المتعددة المكتشفة في ارض العراق التي حوت قوانين وأنظمة صارمة تنظم حياة العراقيين في ذلك الزمان ومنها مثلا المسلة المعروفة بمسلة حمو رابي، ذلك الملك الشهير الذي دام حكمه ثلاث عشرة سنة (1830ـ1817 ق م ).

هذه المسلة معروفة نصوصها للجميع، فهي قوانين لتنظيم المجتمع، وقد ألزمت أبنائه احترام بنودها. خاصة فيما يعرف بالعقود. بمعنى : ـ أذا ما اتفقوا على شيء محدد بالمكان والزمان؛ عليهم ان يسجلوا هذا التعاقد “ الاتفاق” عند مسجل العقود. وهناك كم هائل من هذه العقود التي وصلتنا والمسجلة في سجلات “الحكومة” في عصر حمو رابي ومنها هذا العقد الذي يجاب الدهشة والغرابة معا. فهو عقد مسجل يجمع بين والد لفتاة ومعلم للموسيقى، ينص بان يقوم الطرف الأول “معلم الموسيقى”، وبين الطرف الثاني والد الفتاة الراغبة بتعلم الموسيقى بتعليمها الموسيقى عزفا وغناءً. على آن تكون مدة الدراسة ثلاث سنوات لقاء اجر مسمى بينهما. ومما يزيد الدهشة والغرابة إن هذه الفتاة عمياء أولا، وثانيا، إن هذا العقد يرجع إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. ويتضح لنا من هذا العقد الآتي :ـ

أولا، أهمية الموسيقى والغناء وعلو منزلتهما عند العائلة والمجتمع البابلي وشدة إقبال الناس على تعلم الموسيقى والغناء. وثانيا، إن هذه الفنون كانت من الأمور المهمة جدا، لذلك ألزمت المتعاقدين بان يكون لهما عقدا رسميا مسجلا لدى الدولة. وثالثا، نكتشف إن هنالك وظيفة تسمى مدرس الموسيقى ما دام هناك اجر يتقاضاه المدرس. ورابعا وجود أماكن :مدارس “لتعليم هذه الفنون. وأخيرا توفر منهج طويل يملأ فترة السنوات الثلاث وهي المدة التي يلتزم بها الطرفان. وتخبرنا البحوث والدراسات المتعلقة بموسيقى العراق القديم إن الأماكن التي كان الطلاب يتلقون دروسهم الموسيقية فيها هي المعابد ذاتها، وتماما في صحن المعبد، والذي يسمى (كيسال) وهو مكان مقدس ولك أن تتخيل كم هي منزلة الموسيقى والغناء عند العراقيين القدماء ورفعتها. وكان رجال الدين القدماء”الكهان “ في تلك العصور يحترمون الموسيقى والغناء ويقدسوها على اعتبارها الأداة المهمة لأداء الفرائض المختلفة في عباداتهم ولهذا تجد عندهم المعرفة الكافية بالأنغام والسلالم والعزف على مختلف الآلات. (كما يحصل عند المسحيين في الكنائس لحد اليوم وعند غيرهم من الأديان كذلك) ومن المعروف إن أهم المناسبات التي كانت تقام كجزء من العبادات هو الاحتفال بعيد رأس السنة حيث الزواج المقدس وبين الملك بوصفه تموز ، والكاهنة بوصفها وعشتار. كذلك الاحتفال ببناء معبد وتجديد آخر. ودفن الموتى على حسب مكانتهم المجتمعية. وهذه الأمور تحتاج إلى ما يناسبها من الإجلال والاحترام والتقدير فكانت الموسيقى والغناء أول هذه الأشياء التي يقدمون بواسطتها ادعيتهم وتراتيلهم المناسبة لهذه الممارسات التعبدية. ويجمل الراحل الدكتور صبحي أنور رشيد في كتابه الموسيقى في العراق القديم ص44 الدروس التي يجب إن يتعلمها الطالب وهي أن يتقن حفظ ما يلي :ـ

1”ـ نصوص التراتيل والأغاني المختلفة الداخلة في الطقوس والشعائر الدينية التي يقومون بالمشاركة في أدائها ومصاحبتها موسيقيا وغنائيا. وعدد آخر من الآلات الوترية والدف.

2ـ الحان هذه التراتيل والأغاني لعدم وجود نوته موسيقية آنذاك.

3ـالنص اللغوي (الإشعار،س،ن) واللحن الغنائي لكل نوع من الشعائر والطقوس الدينية مثل الاحتفال بوضع الحجر الأساس لبناء معبد جديد، الاحتفال بالانتصار على الأعداء، الاحتفال بعيد رأس السنة، تقديم القرابين ودفن الموتى وغير ذلك من المناسبات.

4 ـ إجادة العزف على أكثر من آلة موسيقية واحدة لان أداء الإشعار الدينية يتطلب ذلك كما يتضح من احد النصوص المسمارية التي أوردت إن المغني من صنف :نار: هو المتخصص بالإلحان المفرحة، كان يجيد العزف على القيثارة وعدد آخر من الآلات الوترية كالدف. “

ولا يقل هذا الاحترام والإجلال في المجتمع العراقي لمسألة الموسيقى والغناء غير الديني إي غناء الفرح والسرور، بل بالعكس فكانت هذه الأغاني تدرس في قصور الملوك تلك القصور ذات الهيبة والسلطان.

ــ انفصلت الأغاني المدنية عن ألاغاني الدينية بعد توزع السلطة بين الكاهن الأعظم الذي امسك بالسلطة الدينية، والملك الذي امسك بالسلطة المدنية ( موجز تاريخ الموسيقى والغناء لنفس الكاتب ) ـــ فقد كان لهم جناح خاص لتعليم ذلك النوع من الغناء والموسيقى الذي يجلب الفرح والبهجة للملك وجلاسه في استراحتهم أو انتصاراتهم على الادعاء. بالإضافة إلى الرعاية الصحية التي كانت تقدم للموسيقيين والمغنين (و كما تخبرنا الكتابات السومرية من إن الطبيبين “ايمكوروو وشوموليبشتي”كانا من أطباء قصر الملك في عقرقوف في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ويعالجان ويقدمان التقارير الطبية عن صحة الموسيقيات والموسيقيين لمدرسة الموسيقى في القصر (الموسيقى في العراق القديم ص45) هذا وان الآثار أعطت الكثير من المعلومات الأخرى التي تصف رفعة و منزلة الموسيقى والغناء في العراق القديم وأهميتها عند الحضارات التي شهدتّها الأرض العراقية.

وهي بالتأكيد ثمرة جهود جهيدة وطويلة قام بها الآثار يون المختصون بتاريخ الموسيقى. ففي العراق القديم لا يقتصر تعلم الموسيقى والغناء على طبقة معينة فهناك معلومات تفيد بان الملك السومري “شولكي “ يفتخر بأنه يجيد الغناء والعزف على مختلف الآلات الموسيقية. وكما إن الملك شسمش ادد الأول المعاصر للملك البابلي حمورابي قد أمر بإلحاق بنت ملك منطقة ماري المخلوع”يارليم”بمدرسة الموسيقى التابعة لقصره كما إن الكاهن من صنف “نار” أو من صنف “كالا”هما من المناصب المهمة في سياسة تنظيم المجتمع القديم.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
انخفاض ملحوظ.. رياح شمالية تكسر من حدة الموجة الحارة في العراق
لماذا يهاجرون؟".. كردستان تبكي ضحايا كارثة جديدة لـ "قوارب الأمل"
كم رهينة اسرائيلية على قيد الحياة؟ الإجابة صادمة!
الحر الشديد في بغداد..مقاومة بمياه النهر والمسابح وحلبة جليد
4 ملايين لاجئ عراقي في العالم
دليل البقاء على قيد الحياة في صيف بغداد.. توجيهات لمواجهة الحرارة المرتفعة
"الموت البطيء": سكان غزة يعيشون بجوار القمامة المُتعفنة والقوارض
على ماذا اتفق بوتين وكيم؟
صنفتها واشنطن إرهابية.. ما هي حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية؟
العراق يخسر 15% من الأراضي الزراعية
حرارة خمسينية وغبار في أجواء العراق غداً
تضامنا مع غزة.. مئات الطلاب يغادرون حفل تخرج بجامعة ستانفورد العريقة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة