الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كيف يمكن للعراق ان يستفيد من الانظمة الانتخابية العالمية؟
بقلم : د. شاكر رحيم حنيش
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

اعداد: د. شاكر رحيم حنيش، أستاذ العلوم السياسية، الجامعة الوطنية، الولايات المتحدة

مقدمة

سأشرح في هذا المقال كيفية تنظيم الانتخابات البرلمانية في البلدان الاوربية والولايات المتحدة والنظم الانتخابية المستخدمة. وقد يفاجأ الكثيرون بأن هناك دولة واحدة فقط هي المملكة المتحدة التي تستخدم  نظام (الفائز ياخذ كل شيء) في اقتراع واحد فقط كما هو الحال في انتخابات الكونغرس في الولايات المتحدة.  وتستخدم البلدان الأخرى لنظام (الفائز ياخذ كل شيء ) مع اثنين من بطاقات الاقتراع وليس واحدة. اما النظام الثاني الاكثر شيوعا فهو نظام التمثيل النسبي( او التناسب او النسبية). اما النظام الثالث فهو مزيج من (الفائز يأخذ كل شيء) والتمثيل النسبي.

ويعني نظام التمثيل النسبي ببساطة أن النسبة المئوية للمقاعد البرلمانية التي يحصل عليها الحزب او الكتلة او المجموعة تقابل النسبة المئوية للدعم الذي يحصل عليه الحزب من الناخبين. وهنا سأسلط الضوء على الاختلافات الكبيرة التي يتم فيها تقسيم الدوائر الإنتخابية في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأوروبية.

معظم الناس يعتقدون أن الديمقراطية تعني انتخابات حرة ونزيهة. ولكن هناك نظم مختلفة جداً في هذا الصدد تحدد بشكل كبير كيفية تحويل إرادة الشعب إلى نتائج سياسية فعلية. هذه الأنظمة الانتخابية وصفت بأنها "الأداة الأكثر تلاعباً في السياسة" (1). ان نظم الانتخابات البرلمانية هي القواعد الرسمية التي يتم وفقا لها تنظيم انتخابات مجلس النواب او البرلمان. وتختلف هذه القواعد من بلد إلى آخر وتؤثر على نجاح الأحزاب السياسية، إيجابياً اوسلبياً. ان قواعد وانظمة الانتخابات هي مثل أي قواعد اخرى ليست محايدة أبداً بل منحازة للطرف او الاطراف التي تضعها خدمة لمصالحها.

لقد اعتاد الأميركيون على القواعد البسيطة للانتخابات البرلمانية. فبالنسبة لمجلس الشيوخ الأميركي، يتم انتخاب كل من يحصل على أكبر عدد من الأصوات في ولايته. وتنطبق نفس القاعدة على مجلس النواب الأميركي: فمن يفوز بأكثر عدد من الأصوات في دائرته الانتخابية يتم انتخابه. وبالنسبة لمجلسي الشيوخ والنواب هناك اقتراع واحد فقط. لكن في أوروبا لا يستخدم نظام (الفائز يأخذ كل شيء) في اقتراع واحد إلا في بريطانيا العظمى، حيث يطلق عليه اسم "الفائز الأول". ويمكن أيضاً أن يطلق على هذا النظام اكثرية الدائرة ذات العضو الواحد. مما يعني أن عضواً واحداً فقط ينتخب لكل دائرة الى البرلمان وأنه يكفي للوصول له باكثرية الأصوات (وليس الأغلبية بمعنى 50 في المائة + 1) من أجل الفوز بالمقعد.

وتستخدم البلدان الأوروبية الأخرى مجموعة واسعة من القواعد لانتخاب برلماناتها، ولكن معظمها يستخدم شكلاً من أشكال التمثيل النسبي الذي يخصص المقاعد البرلمانية بما يتناسب مع اصوات الشعب. ان نتيجة الانتخابات تؤثر بالطريقة التي تمارس بها اللعبة السياسية (2). وقد لا ينجح السياسي أو الحزب السياسي الذي ينجح في ظل مجموعة من القواعد في إطار مجموعة أخرى مختلفة. وبشكل عام يعتمد الساسة الأوروبيون في نجاحهم الانتخابي في البرلمان على أحزابهم السياسية أكثر بكثير من زملائهم الأميركيين. وبالنسبة لانتخابات الكونغرس الأميركي، يتعين على كل مرشح أن يقاتل من أجل نفسه أو نفسها لكي يُنتخب. وهذا يعني تنظيم حملة انتخابية شخصية للغاية وجمع الأموال اللازمة. لذلك المال هو أكثر أهمية بكثير لنجاح الانتخابات في الولايات المتحدة من أوروبا. كما أن الانتخابات البرلمانية في أوروبا أقل تكلفة، حيث توجد قيود أكبر على نفقات الحملات الانتخابية.

في بريطانيا العظمى: الفائز يأخذ كل شيء في اقتراع واحد

بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس العموم البريطاني، تنقسم بريطانيا العظمى إلى عدد من الدوائر الانتخابية مساو لعدد المقاعد البرلمانية التي هي حاليا 650 مقعدا. وفي كل دائرة يفوز المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات بالمقعد. الفائز يحصل على كل شيء والخاسر لا شيء. وكما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد شرط أن يصل الفائز إلى الأغلبية المطلقة, اي ال 50 في المائة + 1 بل مجرد اكثرية الأصوات تكفي للفوز. وهكذا، فمثلا مع وجود ثلاثة مرشحين في دائرة ما، قد يحصل الفائز على 40 في المائة فقط من الأصوات على المقعد، وربما يحصل كل من المرشحين الآخرين على 30 في المائة لكن دون اي مقعد برلماني. وومكن افتراض وجود خمسة مرشحين يحصلون باالتوالي على الاصوات المئوية التالية: 30% ,25%, 20%, 15%, و10%. فيكون الفائز هنا الذي حصل على 30% رغم ان اغلبية النلس لم يصوتا له في ظل عدم وجود جولة ثانية بين اعلى الاصوات مئوية.

إن نظام (الفائز يأخذ كل شيء) منحاز بقوة لصالح أكبر حزبين في بلد ما. ففي الكونغرس الأميركي لم يتم تمثيل أي طرف ثالث إلى أي حد كبير في القرون الأخيرة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النظام الانتخابي. وفي ظل نظام انتخابي مختلف عن الحالي، ستحظى الأطراف الثالثة في الولايات المتحدة بفرصة أفضل للتمثيل في الكونغرس. ويتجلى التمييز ضد الأحزاب الثالثة في العديد من الانتخابات العامة التي حصلت فيها الأحزاب الثالثة على تأييد كبير من الناخبين بشكل خاص ولكن تمثيلها البرلماني ضئيل، في حين فاز حزب رئيسي باكثرية الأصوات فقط لكن بأغلبية ساحقة في المائة من المقاعد البرلمانية.

ولفهم نظام (الفائز يأخذ كل شيء) فهماً كاملاً، يجب علينا أيضاً أن ننظر في الآثار الاستباقية.  حيث لا يحب العديد من الناخبين "إهدار" تصويتهم على حزب من المتوقع ألا تكون لديه فرصة للفوز بسسب هذا النظام الانتخابي غير العادل.

في هولندة: قائمة الاحزاب في التمثيل  النسبي

المبدأ الأساسي لقائمة الأحزاب في التمثيل النسبي بسيط. يحصل الحزب على مقاعد برلمانية بما يتناسب مع حصته من مجموع الأصوات. وإذا كان البرلمان يتكون من 100 مقعد وحصل حزب او مجموعة على 10 في المائة من مجموع الأصوات، فإن ذلك الحزب سيحصل على عشرة مقاعد برلمانية. وإذا فاز الحزب بنسبة 1 في المائة من الأصوات، فإنه يحصل على مقعد واحد. وإذا فاز حزب ما بنسبة 1.5 في المائة من الأصوات، فإن مقاعده ستعتمد على كسور المقاعد التي تحصل عليها الأحزاب الأخرى (3).

وتستخدم هولندا القائمة الحزبية للتمثيل النسبي في أبسط صورها. يضم البرلمان الهولندي 150 عضواً ينتخبون من دائرة انتخابية واحدة على الصعيد الوطني. وتقدم الأحزاب السياسية قوائم بأسماء مرشحيها، ويختار الناخبون ببساطة واحدة من هذه القوائم.

والخطوة الثانية هي النظر في كيفية تحديد الأحزاب لمرشحيها الذين سيتم انتخابهم. ويدرج كل حزب مرشحيه بالترتيب الذي سيمنحون به المقاعد التي سيفوز بها الحزب. على سبيل المثال، فاذا فاز حزب ب 30 مرشحاً فانهم سيكونون ال 30 اسما في مقدمة اسماء قائمة الحزب. وعادة ما تقوم مجموعة صغيرة، مثل اللجنة التنفيذية للحزب، بإعداد قائمة الحزب. ثم يوافق مؤتمر الحزب على القائمة وعادة دون إجراء تغييرات كبيرة. ومن خلال العمل الجاد من أجل الحزب، يتوقع المرشح أن يكون له ترتيب جيد في القائمة.للحصول على مقعد برلماني. ويعزز هذا النظام الأحزاب من خلال منحهم الفرصة لمكافأة أعضاء الحزب المخلصين والنشطين. وقد بدأت بعض الأحزاب الآن في إجراء انتخابات داخلية بين أعضاء الحزب لتحديد الترتيب التسلسلي في قائمة الحزب.

وفي هولندا، تتمتع الأحزاب الصغيرة بفرصة الفوز بتمثيل برلماني. ومع تطبيق نظام انتخابي للتمثيل النسبي الخالص على الولايات المتحدة، فإن أي مجموعة تحصل على نسبة ضئيلة من الأصوات مثل 0.25 في المائة من الأصوات المدلى بها ستفوز بمقعد في مجلس النواب الأميركي (مقعد واحد من أصل 435 مقعداً لمجلس النواب الامريكي). إن إدخال قائمة التمثيل النسبي لكونغرس الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تعكس بشكل أوثق تنوع السكان الأميركيين وافكارهم، وسوف يجد العديد من الناخبين حزباً أقرب إلى ما يفضلوه مما موجود اليوم في النظام الحالي القائم على سيطرة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

في جمهورية سلوفاكيا: التمثيل  النسبي

سلوفاكيا، مثل هولندا، البلد كله هو منطقة انتخابية واحدة. معظم الناخبين يصوتون للأحزاب السياسية وليس للمرشحين. فيصوت الناخبون على الاختلافات الفلسفية بين الأحزاب بدلاً مما يحدث في منطقتهم. إذاً يمثل سياسي الحزب المصالح الفلسفية لجميع مؤيديه في جميع أنحاء البلاد، بدلاً من المصالح المحددة جغرافياً.

سويسرا وأيرلندا وألمانيا: التمثيل النسبي الشخصي

سويسرا

بالنسبة لانتخاب مجلس النواب في البرلمان، فإن سويسرا تعدل التمثيل النسبي في قائمة الأحزاب بطريقتين مهمتين.  فبدلا من أن تكون دائرة انتخابية وطنية واحدة، يوجد 26 دائرة انتخابية تقابل الكانتونات السويسرية البالغ عددها 26 مقاطعة. وتقسم المقاعد بين الكانتونات حسب عدد السكان. وينتخب أكبر كانتون،الذي هو زيوريخ 34 ممثلاً وأصغر كانتون ينتخب ممثلا واحدا فقط. فوجود 26 دائرة انتخابية بدلاً من دائرة وطنية واحدة يعمل ضد الأحزاب الصغيرة.

أما التعديل السويسري الثاني فهو أن الناخبين، وليس الأحزاب، يصنفون ترتيب المرشحين. وتقدم الاحزاب قائمة بأسماء بدون ترتيب تسلسلي اوتفضيل. الناخبون يقررون فقط لكل مرشح ما إذا كان  يُترك المرشح دون تغيير أو إسقاط المرشح من القائمة. وينبغي ألا يكون العدد الإجمالي للأسماء في قائمة كل ناخب أكبر من عدد المقاعد التي سيتم انتخابها من الكانتون. وقد يقرر الناخب أيضًا عدم إجراء أي تغييرات على القائمة على الإطلاق. في هذه الحالة لا يتم إعطاء أي تفضيل لأي من المرشحين، ولكن يتم عد الأصوات لعدد المقاعد المنسوبة إلى الحزب. وقد يزيد الناخبون من تعقيد قائمتهم من خلال كتابة مرشحين من أحزاب أخرى.

أيرلندا

ويمكن أيضاً تحقيق التمثيل النسبي الشخصي من خلال نظام التصويت الواحد القابل للتحويل، حيث يبلغ مجموع المقاعد 166 مقعداً، وينتخب من 43 دائرة. ويتراوح عدد المقاعد لكل دائرة بين ثلاثة وخمسة مقاعد. وفي كل دائرة، يصنف الناخبون المرشحين حسب الأفضلية بالنسبة لهم.

فمثلا اذا هناك أربعة مقاعد في دائرة ال 100،000 من الأصوات الصحيحة، فالحصة المطلوبة هي 100،000 مقسومة على 5 + 1 = 20001 صوت . إذا بلغ الحصة لمرشح ما اكثر فيعلن بالفعل انه منتخب او فائز. وفي استمرار العد من الواضح أنه لم يعد بحاجة إلى اصوات اخرى وبالتالي يتم نقلها إلى المرشحين الاخرين في قائمته. وإذا كان للمقاطعة أربعة مقاعد لتخصيصها، فلا يمكن تخصيص المقعد الرابع بهذه الطريقة. ويُلغى المرشح الذي حصل على أقل عدد من الأصوات وتنقل اصواته إلى المرشح الأعلى في الاقتراع ذي الصلة بطرية متفق عليها في نظامهم الانتخابي.

ألمانيا

ألمانيا تستخدم نظام آخر للتمثيل النسبي الشخصي.  وتتمثل ميزته الرئيسية في أن كل ناخب ألماني يحصل على صوتين في اقتراعه وهو ما يسمى بالتصويت الأول والثاني. التصويت الأول هو وفقا ل (الفائز ياخذ كل شيء) في دائرة واحدة.  والثاني هو تناسبيا وفق التمثيل النسبي لقائمة الأحزاب. في عام 1949 حثت القوى الغربية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة المانيا على اعتماد نظام (الفائز يأخذ كل شيء). ومع ذلك جادل العديد من القادة الألمان بأن نظام (الفائز ياخذ كل شيء) لا يمكن أن يمثل على نحو كاف التنوع السياسي في البلاد.  لذلك هُزم نظام الفائز (يأخذ كل شيء) (4).

وكان الحل الذي تم سنه هو انتخاب نصف البوندستاغ (البرلمان الالماني) بنظام (الفائز يأخذ كل شيء) والنصف الآخر بالتمثيل النسبي. ويُدلي الناخب كلا الصوتين في نفس اليوم وفي نفس ورقة الاقتراع. وبالنسبة للتصويت الأول تقسم البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة تتوافق في عددها مع نصف المقاعد البرلمانية. في كل دائرة يتم انتخاب المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات. بالنسبة للجزء النسبي من الانتخابات، يستخدم الألمان التمثيل النسبي لقائمة الحزب، مع ترتيب المرشحين الذي قامت به الأحزاب.

ويسمح للناخبين بتقسيم صوتهم. ففي انتخابات (الفائز ياخذ كل شيء) يجوز لهم التصويت لصالح شخص يمثل حزبا واحدا، وفي انتخابات التمثيل النسبي يمكنهم اختيار حزب مختلف. فمثلا قد يدلي أنصار الحزب الديمقراطي الحر الصغير بأصواتهم الأولى لمرشح احد الحزبين الكبيرين، مع العلم أن مرشحهم الخاص ليس لديه أي فرصة تقريباً للفوز في انتخابات (الفائز ياخذ كل شيء)، ولكن لا يزال بإمكانهم الإدلاء بأصواتهم الثانية لصالح قائمة أحزابهم. ويحصل كل حزب على نفس نسبة المقاعد التي يحصل عليها على مستوى البلاد من الأصوات الثانية، مما يجعل النظام الألماني نسبيًا للغاية.

كما يتضمن النظام الألماني حكماً ينص على عتبة انتخابية ضد الأحزاب الصغيرة جدا. وتحرم هذه العتبة من التمثيل البرلماني للأحزاب التي تفوز بأقل من 5 في المائة من الأصوات الثانية في جميع أنحاء البلاد اذا كانت غير قادرة على الفوز بثلاث دوائر انتخابية من الأصوات الأولى. ففي انتخابات عام 2013، حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي على 4.7 في المائة من الأصوات الثانية ولم يتمكن من الفوز بأي دائرة انتخابية واحدة. ولذلك لم يتلق أي تمثيل برلماني. وفي انتخابات عام 2005، لم يحصل حزب الاشتراكية الديمقراطية الذي حصل على دعمه في شرق ألمانيا على 5 في المائة على مستوى البلاد، لكنه تأهل للتمثيل البرلماني لأنه فاز بثلاثة مقاعد مباشرة.

ترسيم حدود الدائرة في منطقة أحادية العضو وانظمة التمثيل النسبي

في أنظمة الدائرة الانتخابية التي تختار عضوا واحدا ، يعتمد نجاح أو فشل السياسي إلى حد كبير على كيفية رسم حدود الدائرة الانتخابية. في الولايات المتحدة الأمريكية، في السنة الأولى بعد إجراء التعداد السكاني العام الذي يجرى مرة كل عشر سنوات، يتم إعادة رسم الدوائر الانتخابية لمراعاة التغيرات في عدد الأشخاص الذين يعيشون في الدوائر. وهنا يتم تعيين الدوائر الانتخابية من قبل ممثلين المجالس التشريعية للولايات. وهذا أمر مفتوح للتلاعب الكبير. ومن الممكن أن يكون هناك أفضلية لحزب سياسي على آخر. وفي بعض الأحيان تتخذ أشكال الدوائر الانتخابية أشكالاً غريبة، ثم أدت هذه العملية إلى نكتة مفادها أنه في الولايات المتحدة الأمريكية ان الناخبين لا يختارون السياسيين، ولكن السياسيين يختارون الناخبين.

وفي بلدان مثل المملكة المتحدة أو كندا أو أستراليا، تتم رسم الدوائر النتخابية من قبل هيئات غير حزبية ووكالات مستقلة تتكون من قضاة أو مؤرخين أو جغرافيين تستند قراراتهم إلى عوامل مثل ضمان أن تكون كل منطقة متشابهة جداً في عدد السكان ويجب ألا تتفكك المجتمعات المحلية فيها، من بين اعتبارات أخرى.

تغيير النظم الانتخابية في فرنسا وإيطاليا

لقد غيرت بعض البلدان الاوربية نظمها الانتخابية. وفي أوائل التسعينات أدخلت بولندا عتبة 5 في المائة في نظامها الانتخابي للتناسب؛ ونتيجة لهذا التغيير في قواعد الانتخابات، تم تخفيض عدد الأحزاب في برلمانها من 29 إلى ستة أحزاب.

فرنسا

مارست فرنسا التمثيل النسبي في ظل جمهوريتها الرابعة (1946-1958). في عام 1958 أدخل الجنرال شارل ديغول وأنصاره نظاماً أبرز ما يميزه أن هناك انتخابين منفصلين للجمعية الوطنية. الانتخاب الثاني ياتي بعد الاول باسبوع. ولهذا يطلق عليه نظام الاقتراعين. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية، تنقسم فرنسا إلى نفس عدد الدوائر الانتخابية التي توجد بها مقاعد في الجمعية الوطنية. ولكي يتم انتخاب المرشح في الاقتراع الأول، يجب أن يحصل على الأغلبية المطلقة (50 في المائة + 1) من الأصوات المدلى بها في دائرته.  واذا لا يحصل اي مرشح على الاغلبية المطلقة تجري جولة ثانية للانتخاب. وفيها لا يجوز إدراج أسماء سوى المرشحين الذين شاركوا في الاقتراع الأول ، ويتم استبعاد جميع المرشحين الذين يحصلون على أقل من 12.5 في المائة من الاقتراع الأول. لكن تم تغيير هذا النظام مباشرة بعد انتخابات عام 1986، حيث قام البرلمان المنتخب حديثاً بتغيير القواعد الانتخابية إلى نظام الاقتراع المزدوج السابق.

إيطاليا

غيرت ايطاليا نظامها الانتخابى فى عام 1993 من النظام النسبي لقائمة الاحزاب الى نظام مختلط حيث تم انتخاب 75 فى المائة من اعضاء البرلمان في نظام (الفائز يأخذ كل شيء) فى الدوائر الانتخابية و 25 فى المائة حسب النظام النسبي حسب الدوائر الانتخابية في الاقاليم. وفي عام 2005 تم تغيير النظام الانتخابي إلى النظام النسبي مرة اخرى. ومنذ ذلك الحين، بقيت إيطاليا مع التمثيل النسبي.

تبرّز القضية الإيطالية قضية مهمة هي أعداد الأحزاب، رغم أن النظام الانتخابي غالباً ما يحركها، ولكن ليس دائما. هذا يعتمد على عدد الانقسامات في المجتمع. فقد يكون للمجتمع الذي لديه العديد من الانقسامات العديد من الأحزاب في البرلمان، على الرغم من أن النظام الانتخابي هو (الفائز يأخذ كل شيء). وعلى العكس من ذلك من الممكن أن يقسم بلد ذو تمثيل نسبي على بعد واحد فقط. ونتيجة لذلك قد لا يكون هناك سوى حزبين أو ثلاثة ممثلين في البرلمان. ومن الأمثلة الرئيسية على هذا المجتمع النمساوي بعد الحرب العالمية الثانية وطوال منتصف الثمانينات. لكن في خريف عام 2005، تم تخصيص 100 في المائة من المقاعد على أساس التمثيل النسبي.

أصول النظم الانتخابية

وكما رأينا، فإن نوع النظام الانتخابي أمر حاسم في فهم اختلاف النتائج السياسية. فهل يزيد التمثيل النسبي من إقبال الناخبين على الاقتراع؟ هل هو "أكثر عدلاً" بمعنى أنه يسمح للجماعات والأقليات الصغيرة بالوصول إلى التمثيل السياسي؟ هل سيجعل النظام السياسي أكثر ديمقراطية بسبب عدم "إضاعة" الاصوات كما هو الحال في أنظمة الدوائر التي تختار عضواً واحداً فقط؟

ان النظم الانتخابية ترتبط ارتباطا مباشرا بعملية التحول الديمقراطي في بلدان العالم. ويؤدي التمثيل النسبي إلى إنشاء سياسات إعادة توزيع أكثر للدخل. ففي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، التين لم ترغبا في رؤية المزيد من إعادة التوزيع، دعما الدائرة ذات العضو الواحد باختيارهما نظاما انتخابياً ينمّي مصالحهما في المقام الأول. في حين أن اغلبية الدول الأوروبية التي فضلت إنشاء دولة الرفاه الاجتماعي اختارت التمثيل النسبي لتحقيق أهدافها (5). لذلك ينظر معظم علماء السياسة إلى التمثيل النسبي باعتباره النظام الانتخابي الافضل والانسب.

إقبال الناخبين للاقتراع

إقبال الناخبين للانتخاب في أوروبا عموما أعلى بكثير مما هو في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو في اوربا عادة في نطاق 70 أو 80 أو حتى 90 في المائة, في حين في الولايات المتحدة الامريكية هو بين 40 الى 60 بالمائة. فالنسبة المئوية الاولى هي حين تكون الانتخابات للكونغرس لوحدها والثانية حين تكون الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس في نفس اليوم (6). وبشكل عام فإن القواعد الانتخابية كما هي مستخدمة في أوروبا تعطي الناخب نفوذاً أكبر على نتائج الانتخابات البرلمانية مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي العديد من دوائر الكونغرس الأميركي، أصبح عضو الكونغرس الحالي ثابتاً إلى الحد الذي جعل المنافس لا يملك سوى فرصة ضئيلة للفوز سواء كان المنافس ديمقراطيا أو جمهوريا. فإذا كان الناخب يفضل الخضر، على سبيل المثال، فان المواطن لا يشعر بأنه ممثل من أي من المرشحين وقد يعزف عن الاقتراع ليبقى في المنزل.

فلماذا يتمتع البريطانيون بإقبال أعلى بكثير من الأميركيين على على التصويت على الرغم من أن كلا منهما يمارس نظام (الفائز يأخذ كل شيء) في دوائر فردية؟ على النقيض من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا لديها نظام برلماني، وليس نظام رئاسي لاختيار السلطة التنفيذية. إن الانضباط الحزبي في البرلمان البريطاني أكثر أهمية بكثير، ويساعد بدوره على تعبئة الناخبين في يوم الانتخابات. وهناك أدلة علمية على أن نظم التمثيل النسبي تشير الى زيادة في إقبال الناخبين على التصويت الانتخابي.  ووجد الباحثون "أدلة دامغة" على أن التناسب (التمثيل النسبي) يساعد على إقبال الناخبين على الانتخاب. ويؤدي التناسب إلى زيادة عدد الأحزاب، مما يساعد بدوره على إقبال الناخبين لاختيار من يمثلهم فعلا. وعلى النقيض من ذلك فإن المقاعد الآمنة في أنظمة (الفائز يأخذ كل شيء) تعطي حوافز قليلة للناخبين للإقبال على التصويت (7).

ان المؤسسات هي من صنع الإنسان. وبمجرد أن يتم وضعها فإنها تؤدي إلى نتائج يمكن التنبؤ بها نسبيا. ولكن دائماً ما تكون عرضة لتعديلات كبيرة إذا تغير توزيع السلطة السياسية او موازيين القوى. الأسئلة المطروحة هي: من يجب أن يكون لديه سلطة تغيير القواعد الانتخابية: البرلمان اوالناخبين او المحاكم أو مزيج من الثلاثة؟ ومتى من الممكن ان تدخل حيز التنفيذ؟ هل عندما يترك السياسيون الذين يصنعون القواعد الجديدة مناصبهم؟ أو هل ينبغي أن تكون هناك فترة انتظار لسنوات حتى تصبح القواعد الجديدة سارية المفعول؟

تقييم النظام الانتخابي العراقي المقترح ذو الدوائر المتعددة

لكل نظام انتخابي محاسن ومساوئ، وايجابيات وسلبيات. ومن خلال دراستي لهذه الانظمة الانتخابية المطبقة في العالم ومن خلاف معرفتي بتاريخ وثقافة وتنوع العراق, فان النظام النسبي له ايجابيات اكثر بكثير من سلبياته سواء باتخاذ العراق كدائرة انتخابية وطنية واحدة وهو المفضل الاكثر او جعل كل محافظة عراقية دائرة انتخابية واحدة. ان استخدام نظام الدوائر الانتخابية المقترح في مجلس النواب له الكثير من السلبيات اذا طبق مقارنة بايجابياته. فاذا طبق النظام المناقش في مجلس النواب العراقي والمطروح للتعديلات لكي يصادق عليه رئيس الجمهورية بهذه الصيغة فهذه باختصار اهم سلبيات النظام المطروح في مجلس النواب :

1. صعوبه تحديد الدوائر الانتخابيه حيث هناك اقضية ونواحي كبيرة او صغيرة العدد نسبيا ويكون من الصعب تحديد حدودها الجغرافية بصوره حيادية او معرفة عدد سكانها الحقيقيين لان ليس هناك احصاء سكاني منذ عقود في العراق. فعدم وجود احصاء سكاني يجعل من الصعوبة معرفة عدد سكان كل قضاء او دائرة او محافظة .واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة يحل هذا الاشكال.

2. ان الدوائر الصغيره هي اكثر عرضه لتاثير رؤساء العشائر والافخاذ ورجال الدين واصحاب المال واصحاب السلاح والنفوذ والجاه وخصوصا في المناطق الريفية او المناطق اقل تمدنا.

3. العراق بطبيعته مجتمع متعدد القوميات والاديان والطوائف والمشارب, حيث الصغيرة منها موزعة على مناطق جغرافية مختلفة مما يضيع صوتهماالانتخابي. او بعض الكبيرة لها وجود في مناطق مجموعات اخرى مختلفة. ان تحديد الدوائر الانتخابيه سيخلق مشاكل كثيره بين السكان والمجموعات والقوى في هذه المناطق نحن في غنى عنها الان خصوصا في المناطق المتنازع  اوالمختلف عليها بين القوميات العراقيه المتنوعة.

4. كذلك ليس من المنصف استخدام دوره انتخابية واحده فقط اذا لم يحصل احد المرشحين على اغلبية 50+1 بالمائة من الاصوات.  فذا كان هناك 20 مرشحا في دائرة ما فممكن احدهم يحصل فقط على 20 بالملئة من الاصوات ويعتبر فائزا عندما 80 بالمائة  لم يصوتوا له. فكيف يمكن ان يقال عنه انه ممثلا شرعيا للدائره الانتخابيه و 80 بالمائة من السكان لم يصوتوا له. يجب ان يكون هناك جوله ثانيه للتنافس بين اعلى الحاصلين على الاصوات في الجولة الاولى لكي فعلا يكون الرابح هو ممثلا للدائرة الانتخابية. و بدلا من صرف الكثير من المال للجولة الثانية لتكون معبرة عن راي السكان يمكن تلافي ذلك باعتماد النظام النسبي.

5. ستكون فرص المستقلين والكفآت العلمية ضعيفة في المناطق العشائريه والريفية اذا جرى اعتماد الدوائر المتعددة لكن فرص نجاحهم ستكون اكبر في المدن والاماكن كثيفة السكان والمتحضرة.

6. صعوبه تحديد الدوائر الانتخابية لابناء الشعب من  النازحين والمهجرين.

7. كذلك من الممكن ان يخالف اقرار قانون الدوائر المتعددة جدا الدستور العراقي نفسه الذي يقر بان اعضاء مجلس النواب يمثلون الشعب العراقي كله وليس قضاء او ناحية معينه.

8. ان اقرار نظام كهذا يمكن ان يفتح المجال للاعتراضات في المحاكم والتي يمكن هذا ان يؤدي الى تاخير اجراء الانتخابات المزمع اجرائها قبل موعدها بسبب الانتفاضة الجماهيرية في موعدها المحدد.

وباختصار ومن خلال دراسة التجارب العالمية وبالاخص الاوربية راينا كيف ان العديد من الدول الاوربية التي غيرت نظامها الانتخابي من التمثيل النسبي الى (الفائز ياخذ كل شيء) تراجعت عن موقفها بعد ان ادركت ايها افضل لها بعد ان جربت النظامين الرئيسيين.

هوامش ومصادر اجنبية

1. Sartori, Giovanni. Parties and Party Systems (Cambridge, MA: Cambridge University Press, 1976).

2. Duverger, Maurice. Political Parties. Their Organization and Activities in the Modern State (London: Wiley, 1965).

3. Dow, Jay K. Party-System Extremism in Majoritarian and Proportional Election Systems. British Journal of Political Science 41 (2011): 3441–3461.

4. Bawn, Kathleen. The Logic of Institutional Preferences: German Electoral Law as a Social Choice Outcome. American Journal of Political Science 37 (November 1993): Ibid., 987–988.

5. Alesina, Alberto and Glaeser, Edward L.  Fighting Poverty in the US and Europe (New York: Oxford University Press, 2004).

6. McCarthy, Niall (2006, November). U.S. Trails Most Other Developed Nations In Voter Turnout. Forbes.

7. Crepaz, M.M.L. (2017). European Democracies (9th Ed.). Routledge.

اعداد: د. شاكر رحيم حنيش، أستاذ العلوم السياسية، الجامعة الوطنية، الولايات المتحدة

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-07-2020     عدد القراء :  1974       عدد التعليقات : 1

 
   
 

محمد حسين النجفيGuest

شكرا د شاكر على هذه الدراسة المقارنة بين النظم الانتخابية. كنت على وشك الاستعداد لدراستها لاتمام ثلاثية "البديل". دراستك سهلت امري كثيراً. اود لو توفر لكم الوقت لعرض نظم الانتخابات في تركيا وايران واسرائيل بأعتبارها دول شرق اوسطية. كذلك النظام الانتخابي في العهد الملكي.
شكرا د شاكر ونطمع بالمزيد