الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
ثقافة الصورة والمسلسلات الدرامية
الأحد 10-05-2015
 
سلام حربة

لكل زمن اسلوب تلقيه وتربيته لذائقة المواطن ، فقد عاشت البشرية قرونا طويلة وهي تعتمد على الكلمة المكتوبة ، ضمن كتاب او جريدة او مجلة ،وسيلة مهمة في التوجيه الثقافي والمعرفي للمواطن وتنمية ذائقته الفنية والفكرية.

وتعتبر الكلمة انجح السبل في توجيه مجسات التلقي لدى المجتمع صوب العلم والتحضر..لقد كانت القراءة ،في مجتمع يتجه نحو بناء دولة المؤسسات المدنية ، الوسيلة الاهم في تشكل الوعي لدى المواطن ، هذا البحث في بطون الكتب هو الذي وسع مدارك المواطن وجعلة يقف عن قرب من المدارس الفلسفية والافكار والعقائد والايديولوجيات المتباينة ، فكان الفرد وهو في مطلع شبابه يضطر كي يعرف ما يدور حوله الى مطالعة الكتب الفكرية والقصص والروايات ويتابع الفن البصري سواء كان هذا الفن مسرحيا ام تشكيليا او فيلما سينمائيا او مسلسلا دراميا تلفزيونيا او اذاعيا من اجل الامساك بالحقيقة الذي يدعي الاخر ،المنافس الفكري ، على انه ممسك بها..حتى ان اجيالا كاملة كانت على اطلاع ما كتبه الفلاسفة القدماء والمحدثين وما تركته البشرية من ارث وما جاءت به عقائد الاحزاب ،ماركسية كانت ام قومية او حتى دينية .

في زمننا الجديد ، زمن الراسمالية ،زمن الثورة العلمية التكنولوجية ، اختلف اسلوب التلقي بسبب تطور وسائل الاتصال بين البشر، من موبايل وانترنيت ووسائل التخاطب الاجتماعي وتحدثت المجتمعات ومضت نحو التجديد وما بعد الحداثة ،هذه التقنية اصبحت الان بوسع أي مواطن ،مهما كانت ثقافته ،القدرة على امتلاكها ..هذا الواقع الجديد فرض اسلوبا للتلقي مختلف تماما وتراجع الكتاب والقراءة الى الظلال واصبحا ثانويين ،واستعان المواطن العادي بالصورة ، بدرجة كبيرة ،اسلوبا للمعرفة والثقافة ..ان ثقافة الصورة ثقافة حسية لا تحتاج الى جهد كبير لمتابعتها ولا تدعو المواطن الى التأمل والتفكير العميق ، كما ان هذا الزمن الراسمالي زمن بلا فلسفات وبلا افكار جدلية عميقة وكل شيء في حياة المواطن استهلاكي ومن ضمنها الثقافة ، كما ان انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية ولد قناعات لدى المواطن بان كل العقائد مصيرها الفشل وعليه ان لا يرهق نفسه بالمواضيع التي تتعب عقله وكل ما يحتاجه يحصل عليه ببساطة من خلال الشاشة الفضية او شاشة السينما وبعض ما يحصل عليه من مواضيع في مواقع الشبكة العنكبوتية وبعض الكتب الخاصة وهي تكفيه وتمده بما يحتاج من معلومة وفكر وحجة تنفعه في ترميم ذاته وحتى تصويب قناعاته الحياتية وتمتد الى عوالمه الروحيه وارائه الدينية..لقد تنافست المؤسسات الفنية المرتبطة بالاقتصاد العالمي ، من اجل التحكم بعقل المواطن ، في ابتكار البرامج الثقافية والفنية والصحفية المتنوعة وانتاج الافلام السينمائية والمسلسلات الدرامية وانفاق عشرات المليارات من الدولارات كل عام من اجل ايصال افكارها ورسائلها السياسية والاستحواذ على عقل المواطن وتوجيه ذائقته الحسية والتحكم بميوله السياسية والتدخل بكل صغيرة وكبيرة في حياته وفي اختياراته الاجتماعية والتغلغل في منظوماته الاخلاقية والحدسية والنفسية.

لقد كانت الدراما التلفزيونية واحدة من السبل في التحكم بثقافة المواطن وتوجيه وعيه الاجتماعي وحتى السياسي لما لهذه الدراما من اثر مهم في حياة المواطن لان معظمها يناقش المشاكل التي يعاني منها المجتمع وما يتعرض له المواطن من امور ذاتية وموضوعية ، ولذا فان رسالة هذه الاعمال الدرامية مهمة وخطيرة ويجب دراسة تاثيرها في حياة الشعوب من قبل المختصين : مفكرين وعلماء نفس واجتماع ونقاد وادباء ومثقفين وبالتالي توجيه المؤسسات الفنية في اختياراتها للمواضيع التي تنمي من ذائقة المشاهد وترمم وعيه الاجتماعي والسياسي والكل يتذكر في السبعينات والثمانينات كيف ان مسلسلا تلفزيونيا عراقيا ناجحا كان يعمل اشبه بمنع التجول في العراق كله ، حيث عيون الشعب مشدودة الى الشاشة الفضية من اجل متابعة احداثه الشيقة وافكاره المبثوثة في حوارات الممثلين والتي تنسجم وتوجهات المواطنين. لقد انتبهت المؤسسات الفنية في كل العالم الى دور الفن وثقافة الصورة في حياة المجتمعات وفي ترسيخ المشاعر الوطنية وتمتين الهوية الاجتماعية وتاصيل ارث البلد التاريخي والفخر بحاضره وانجازاته ليس في حدود جغرافيته بل يتعداه الى كل البلدان التي تتابع هذه الاعمال الدرامية ..لقد كان تاثير الفن وسحر الشاشة الفضية احد الاسباب المهمة في شيوع الفكر الراسمالي في العالم اجمع وسببا لان تكون الارض كلها سوقا تجارية واحدة . لقد هيمنت اميركا بفنها على المواطن الاوربي ناهيك عن بلدان العالم الثالث وتسرب نمط الحياة الاميركية وتفاصيلها المدهشة في كل بقاع الارض حتى ان استعمار البلدان لم يعد عسكريا بل فكريا وهو اخطر انواع الاستعمار لانه يستحوذ على عقول الشعوب ويسهل قيادتها وتوجيهها وتسخيرها لمصالحه الخاص وسرقة خيرات ابداع ابنائها وامكانيات المجتمع المادية..اليوم هناك حرب نظيفة بلا دماء اسمها الافلام والمسلسلات التلفزيونية في الكرة الارضية ومن ضمنها منطقتنا العربية ، الكل يرى بام عينيه حمى انتاج الاعمال الدرامية من اجل الاستحواذ على اسواق البضاعة الفنية وعلى ذائقة المشاهد العربي .. لقد كان التنافس كبيرا بين المسلسلات المصرية والسورية وفي الفترة الاخيرة وجدت الدراما الخليجية موطئ قدم لها بين المسلسلات العربية كما دخلت المسلسلات التركية المدبلجة ضمن اهتمام المشاهد العربي لما فيها من تطور وبذخ انتاجي تفتقر له حتى المسلسلات العربية في حين ان المسلسلات العراقية قد تراجعت كثيرا علما بان الانتاج الدرامي قد مضى عليه اكثر من خمسين عاما . ولكن هذا التراجع له اسبابه السياسية ، فما تعرض له البلد من احداث دراماتيكية واهتزازات سياسية ومن حروب واحتلالات تسببت في شلل الحياة الفنية واهمال كل ما يمت الى ترميم الذائقة البصرية والحفاظ عليها.

ان البيت العراقي حاليا محتل من قبل الاعمال الدرامية العربية والتركية والاجنبية وهذا ادى وسيؤدي في المستقبل القريب الى ظهور سلكويات اجتماعية واخلاقية غريبة على المجتمع ، كما سيعمل على اضعاف الهوية الوطنية وقطع الجذور التي تربط المواطن بتربه ارضه والانتساب ، اللاواعي ، لهويات البلدان الاخرى ومحاكاة لغاتها ولهجاتها والتقرب سلوكيا قدر الامكان مع بيئات المسلسلات المهيمنة على شاشة بيته الصغيرة..ان تراجع المسلسلات العراقية يعني تراجعا في الحياة الاجتماعية العراقية وترك ساحة المواطن الحسية والفكرية والشعورية فارغة من اجل احتلالها من قبل الاخرين عربا كانوا ام اجانب ، ان الظرف القاسي الذي تمر به سوريا منذ عدة اعوام لم يوقف الماكنة الفنية والاعمال الدرامية ما تزال في اوج تالقها رغم الخراب الذي يعانيه هذا البلد الشقيق ،ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل ان نجوم الدراما السورية هم ابطال المسلسلات العربية مصرية كانت ام خليجية وهذا ما سيكون سببا لانتصار سوريا في النهاية لان الجمال حتما سينتصر على القبح..انها مسؤولية شبكة الاعلام العراقي وقناة العراقية الفضائية وكل القنوات الفضائية الاخرى والمؤسسات الانتاجية الخاصة في ادامة الاعمال الدرامية العراقية والمتوقفة حاليا لانها سلاح نواجه به قوى الظلام التي حاولت منذ 2003 وحتى يومنا هذا على ارجاع العراق الى عصور الانحطاط والتخلف ، ولكن هل يجد الفن وتفعيل الشاشة الفضية اذانا صاغية عند سياسي الصدفة المتحكمين برقاب العراقيين ام مازال ينظرون الى الفن على انه رجس وضلال ومن عمل الشيطان..؟

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
صحيفة أميركية: إغلاق معبر رفح "حكم بالإعدام"
أميركا تفرض عقوبات على جماعة إسرائيلية
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
"المساواة بين الجنسين".. لماذا تتذيل الدول العربية المؤشرات العالمية؟
ترامب يحتفل بعيد ميلاده الـ78 وعلامات تقدم السن بادية عليه
"طريق التنمية".. فرص وتحديات واختبار لـ"تحالف ثلاثي" يضم اربيل
العنف الأسري في العراق.. "مشكلة خطيرة" وسط غياب القوانين الرادعة
85 % من صابئة العراق المندائيين غادروا البلد، و حوالي 12 - 15 الف يعيشون في أمريكا
مجلس الأمن يتبنى "مشروع بايدن" لوقف إطلاق النار في غزة، و"حماس" ترحب بالقرار وروسيا تمتنع عن التصويت
بلينكن من القاهرة: الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين والفلسطينيين ترغب بالسلام
تقرير فرنسي: المياه أصبحت سلعة نادرة في العراق
الرّمُلُ الباردُ في فالنسيا
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة