تواجه ذكرى انتفاضة تشرين البطولية تحدياتها الداخلية قبل الخارجية. فالتجاذبات بين الاتجاهات المختلفة يمكنها أن تشتت قوى الانتفاضة بالاشتراك مع الضغوط الخارجية والقمع .
والحال ثمة آراء تحظى ببعض الجاذبية تدعو للحفاظ على طبيعة الانتفاضة التعددية غير المنضبطة، فهي تجمع كبير تلقائي، وقيمتها العاطفية تأتي من هذه التلقائية. هذا الرأي ينسى أن الانتفاضة لم تظل على حالها، بل تطورت ، وقد وصلت إلى مفاصل تستدعي التنظيم والتحول إلى قوة سياسية مع شعاراتها المطلبية ، وأن القمع الذي ووجهت به يشير إلى القيمة السياسية المؤكدة لها، وأن هذا القمع لم يتوقف.
وضمن هذا السياق قد يعتقد البعض ، وهو يواجه بممانعة تشكيل حزب أو تجمع مُجتَزأ من الكتلة الشاملة للانتفاضة، أن المطلوب الإبقاء على الحال كما هو عليه: كتل معزولة بعضها عن البعض، لا قيادة لها، ولا برنامج يجمعها، ولا شعارات تجسد تطلعاتها وأمانيها. لكن الأمر على خلاف ذلك تماماً. فزخم الانتفاضة وإستنهاضها الجماهيري، وإستعصاؤها على الانقسام يستلزم بالضرورة تأطيرها بما يؤمن لها النمو والمرونة وإعادة صقل ناشطيها والقدرة على التحشيد وتنوع المبادرات. من المهم، كما نرى، تكريس التنسيقيات وتوحيد شعاراتها العامة في إطار "إرادة الوطن" و "نريد وطن" والربط المحكم بالأهداف الثلاثة المتلازمة لإنجاح الانتخابات المبكرة وهي:
- سحب سلاح الميليشيات وتجميعها في إطار الدولة والقوات المسلحة.
- إنجاز قانون الانتخابات ، وتشكيل مفوضيتها بإشراف الأمم المتحدة.
إزاء ما نشهده من التجاذبات وصراعات الكتل والأحزاب المهيمنة لتدوير مصالحها في قانوني الانتخابات والمفوضية، والإبقاء على سلاح الميليشيات، فإن الإطار الوحيد الذي تتطلبه اللحظة الفارقة، هو الاتفاق على قائمة انتخابية واحدة على نطاق الوطن مع مراعاة التنوع والتعدد والخصوصية لكل منطقة انتخابية. ولتدارك الاختلاف على أولوية الأسماء في القوائم المناطقية والمحلية، نقترح اعتماد الأبجدية، أو الاقتراع السري أو الجمع بينهما.
لكن قبل هذا الخيار، بل قبل صياغته، يتطلب وضع برنامج عمل من شأنه كسر صمت الأكثرية المستكينة، واستنهاض قواها الحية وزجها في نشاط متنوع مستديم يبدأ من الآن للمشاركة الفعالة في الانتخابات وإقناع القوى السلبية بالتخلي عن أية نزعة للمقاطعة أو اللامبالاة. هذا البرنامج يستلزم بالضرورة الشروع منذ الآن في تشكيل فرقٍ دعائية وتعبوية تجوب المدن والقرى وتتوزع على المحلات وقطاعات العمل والتعليم، وشمول كل الفئات والمكونات والأطياف الوطنية في هذا النشاط وأهدافه. إن الجمع بين التنوع والتعدد والخصوصية يمر عبر استيعاب المطالب الملحة الموحدة سواء كانت خدمية أو سياسية. ودون هذا الربط يتيح للقوى الحاكمة إمرار شعاراتها الديماغوجية والطائفية.
إن الأهداف السياسية التي تتجسد في شعار "نريد وطن" و "دولة وطنية ديمقراطية" و "لا للمحاصصة الطائفية والميليشيات" تتسع لكل الجزئيات الخاصة بما هو مناطقي ومحلي ووطني. كلما كان البرنامج محدداً بنقاط موجزة ومفهومة أصبح أكثر جاذبية وأقدر على التعبئة.
إن أوسع البرامج القادرة على مخاطبة ضمائر المواطنين وأفئدتهم ووجدانهم تكتفي بقصاصة ورق بحجم كف لا أكثر!
لنحول ذكرى تشرين إلى مناسبة لتعزيز وحدة قوانا، وتوضيح مسارنا وتجسيد إرادتنا ..
فالانتضافة تصاعدت بكلمتين : تريد وطن ..
فإلى العمل ..