الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الانكسار في زمن الانطفاء: تحولات سعدي يوسف والقطيعة مع ماضيه..

مقدمة لا بد منها

تداولت مواقع التواصل مقالا لرئيس تحرير جريدة (المدى) فخري كريم بعنوان "الانكسار في زمن الانطفاء: تحولات سعدي يوسف والقطيعة مع ماضيه.."، نشر في صحيفة (المدى) بتاريخ 14/ 7/ 2019

وقد اجتزأ البعض فقرات من المقال فيما ادعى آخرون ان المقال كتب بعد رحيل الشاعر سعدي يوسف، والمقال هو مكاشفة مع سعدي حول مواقفه الاخيرة والتي اساء فيها للكثيرين، وعندما تعرض سعدي يوسف لازمة صحية نقل على إثرها الى المستشفى في لندن، كتب فخري كريم على صفحته في تويتر تغريدة يطالب فيها بالاهتمام بالشاعر سعدي يوسف كونه قامة ادبية. وعند رحيله نشرت (المدى) تقريراً موسعاً تنعاه فيه، وتعرض منجزه الادبي. وتوضيحا للحقيقة ورفعاً للالتباس أو التأويل المخل نعيد نشر المقال كاملا .

كان "صديقي" سعدي يوسف نقطة ضعفي في الوسط الثقافي الحزبي والديمقراطي مثل آخرين اجتهدت في الاهتمام بهم واختيارهم لاعتباراتٍ ثقافية وسياسية .

وكانت تلك "مثلبة" عليَّ من بين الأسباب في الاستهدافات التي نالت مني، طوال سنوات نشاطي السياسي، الحزبي والإعلامي والثقافي.

وتعود علاقتي بسعدي إلى النصف الثاني من ستينيات القرن الفائت، وبشكل خاص في بداية السبعينيات، مروراً بسنوات عمله في القسم الثقافي لطريق الشعب، وبعد الهجرة إلى الخارج. لم أتردّد خلالها بالاستجابة لكل طلباته بما في ذلك إيواءه ورعايته وإحاطته بمناخ يكفل له نشاطه الإبداعي، محتفياً به كقامة إبداعية، وشخصية ديمقراطية، بغض النظر عما كان يعتقده البعض من سجايا، تعالٍ وذميمة واستهدافٍ لأصدقائه المقربين.

وأكاد أجزم أنني طوال سنوات رفقته لم أتعرض له بسوء أو أتناول سيرته أو أردّ على شتائمه واتهاماته حتى كتابة هذه السطور. وهذا ما عاهدت نفسي عليه في التعامل مع ما كنت وما أزال أتعرض إليه من أشباه "الأوادم" كما يحلو للعراقيين تسمية ناكري الجميل، والنهّازين، وذوي النفوس المريضة من العاملين في ميادين الإعلام والثقافة والسياسة، وبينهم شخوص لفرط دناءتهم تنأى الشتيمة بنفسها عن توجيهها لهم.

لقد أُمتُحِن العراق على امتداد التاريخ بطاقة شعبه ومبدعيه في الصبر على المكاره والويلات، وقدرته على الانبثاق في كل مرّة من تحت الرماد ليؤكد أنه يستعصي على الرضوخ لكسر ارادته وإطفاء جذوة تطلعه للنهوض في مواجهة كل تحدٍ وعسفٍ وإقصاءٍ. وليظل كما كان منذ فجر التاريخ رائداً سبّاقاً في إغناء الحضارة الإنسانية بقيمٍ وإبداعاتٍ وبناءٍ، وفك مجاهيل لم يسبقه أحد في مضامير العلوم والفلسفة والطب والفلك والبصريات والكيمياء والتاريخ والعمارة والقانون والتشريع الاجتماعي وسوى ذلك من فنون الحياة التي أبهرت العالم في زمن تحوّل بغداد إلى منارة يستضيء بها كل قاصدٍ يريد أن ينهل من كنوز الثقافة والعلوم والفلسفة. وفي عمق التاريخ أغنى العراقيون كنوز البشرية بإبداعات الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية. وأثروها ثقافياً باختراع الكتابة المسمارية، وتخطيط المدن، وتطور علم القانون.

ولم يغب المثقفون العراقيون في مراحل النكوص والعسف، إذ بلغت تحدياتهم حد التضحية بالنفس بوسائل تفوق أحياناً طاقة الإنسان على تحملها، لكنها استعصت على تطويعهم. وهذا ما تعرض له المثقفون العراقيون في زمن البعث الأول في ٨ شباط ١٩٦٣، وفي عهدهم الثاني بعد انقلاب ١٩٦٨ وحتى لحظة سقوط الصنم، رمز العسف والإرهاب واستباحة الحرمات وتدمير ما شُيّد من بنى تحتية ومنجزات. إثر انقلابه الدموي الأول في ٨ شباط، كانت رموز الحركة الثقافية والإبداعية في كل ميادينها، هدفاً مباشراً، للتصفية الجسدية والسياسية، كمحاولة لإفراغ المجتمع العراقي من نخبه الطليعية الخلاقة.

لم يسلم أبرز الكتّاب والشعراء والفنانين وسواهم من المثقفين من عسف الانقلابيين وبطشهم والإمعان في محاولة كسر إرادتهم وانتزاع مصادر إلهامهم، وإطفاء جذوتها، وإزاحتهم من الحياة السياسية والفعل الاجتماعي الريادي في نشر وإشاعة قيم الحرية والانعتاق من الاستبداد والتخلف.

كان سعدي يوسف من بين من استهدفهم الانقلابيون. كما سواه العشرات والمئات بل الآلاف ممن نال التعذيب الجسدي منهم في لحظة ضعف إنساني، لكن التعذيب والبطش لم يستطع استلاب روحهم وتوقهم للحياة والخلق. ظل سعدي يرمم مكامن ضعفه الإنساني في مواجهة التعذيب ويستعيد عافيته الإبداعية، وليؤكد أن التعذيب قد ينال من جسد الإنسان، لكنه يعجز عن انتزاع روحه ويكسر إرادة الحياة والخلق منه.

نهض سعدي يوسف من كبوة ضعفه الإنساني مستعيداً ما حاول المعذِبون انتزاعه، من عافية الحياة والخلق وهو في منفاه الأول الذي انتقل اليه بعد إطلاق سراحه من معتقلات البعث، ثم في سنوات انضمامه من جديد الى الحركة الثقافية بعد عودته الى البلاد في مرحلة الوهم السياسي الذي طال الحزب والقوى الوطنية، وانضمامه إلى أسرة تحرير جريدة الحزب "طريق الشعب" مساهماً فعالاً في قسمها الثقافي والفعاليات والأنشطة الديمقراطية، وأبدع قصائد ودواوين تؤكد ريادته الشعرية "تحت جدارية فائق حسن" وقصائد مُبهرة .

ولم يجد سوى الرحيل، خياراً لتجنب الانكسار ثانية بعد انهيار "كمين" البعث المخاتل ومصيدة الخديعة "الجبهة الوطنية التقدمية"، مهاجراً الى المنافي القسرية للمناضلين العراقيين، مواصلاً عطاءه الثقافي والإبداعي، مساهماً بقلمه وقصائده في معارضة النظام والنضال في إنهاء سطوته .

لم يتراجع سعدي عن إضاءاته الشعرية والكتابية حتى عام ٢٠٠٣ بل إلى ما بعد ذلك بسنوات .

ربما يكون سعدي يوسف قد تأثر بما تأثرنا به من سقوط مسلمات وتغيّر خيارات وإنهيار الدولة العراقية، وتفكك كل أجهزتها ومؤسساتها، وإن بترابطٍ بنيوي مع اختزالها وتجسيدها في سلطة الفرد الطاغية والعائلة المتسلطة، حتى قبل إسقاط النظام وتسيّد خيار الحرب وما أعقب ذلك من فرض الاحتلال الأميركي على العراقيين دون إرادتهم، بل ورغم معارضة أغلبية الأحزاب والقوى والشخصيات التي كانت في أساس العملية السياسية التي أسقطت نظام البعث، لاعتبارات وأهداف مختلفة .

في بيروت عقدنا المؤتمر الأول لرابطة الكتّاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين، تأخر عن حضورها سعدي، فاقترحت دون إعطاء سبب تأجيل انتخاب الرئيس، وتكليف الهيئة الادارية استثناءً بتسميته. وشوّش البعض مفسراً القصد من التأجيل، تمرير ترشيحي إلى مركز الرئيس من خلال الهيئة الإدارية!. والحال ان القصد من التأجيل كان لإتاحة الفرصة لحضور سعدي وانتخابه، دون مفاجأته وقد يرفض، معتبراً ذلك قراراً حزبياً .

وكان منطقياً، كما كنت أرى وأجتهد أيام ذاك، إنه الأجدر لرئاسة الرابطة، باعتباره القامة الإبداعية الشعرية الأبرز وهو ما لم تزكّه الوقائع اللاحقة، لتثبت جدارته كما قد يُقال الآن، ومع صدور العدد الأول من مجلة المدى الثقافية الفصلية، لم أجد سواه جديراً برئاسة تحريرها. وفي كل المحافل الثقافية كنا نحرص على أن يكون في صدارة المشهد .!

ظل سعدي حتى لحظة "غيبته الشعرية" وتحوله السياسي المفاجئ، محط اهتمام وتقدير الوسط الثقافي وحتى السياسي الشيوعي والديمقراطي، ولم يبدر من أي مثقف ما يسيء له، أو يتناوله بسوء. كان بيتي مقاماً له، ومكتبي، مكتباً له. وأينما كان يحل في بلدان الشتات، لنزوة أو لحظة إنزعاج ، كنت أسارع للسفر إليه وزيارته ومحاولة تأمين ما كان يرغب. وحال تبرّمه من مكان إقامته، وهي كثيرة، كان يتصل بي تلفونياً أو يبعث لي بضعة سطور، معبراً فيها عن الرغبة للقدوم الى حيث أكون، وما أن يصل حتى يجد شقته ومستلزمات معيشته كما ينتظر ويريد، لوحده أو برفقة زوجته ومن يكون بصحبته .

ولم يتخلف أحد من مثقفينا عن رعايته واحتضانه، وحتى تحمّل نزواته وتبّرمه..

ما الذي غيّر شاعرنا؟ وأي تفسير مقنع يبرّر ما وصل إليه، سياسياً، بل وشعرياً، بحيث صار يبدو كما لو أنه تلبّس شخصية أخرى، أو أنه شال عن سويته قناعاً كان يخفي حقيقته التي لم تكن مُدرَكة من قبلنا ومجايليه. ولم تؤخذ عليه كما اليوم، مواقف وتسلّكاتٍ كان التمعّن فيها قد يؤكد أن التغير الجذري الذي صار إليه مسلكه وتحوّله لم يكن مباغتاً كلياً …

وبات التساؤل ينمو بين أقرب أصدقائه ورفاقه وزملائه، حول ما آل إليه من تحوّل فاق كل تصور، والتبس على أكثر المعنيين بسبر أغواره.

بقدر تعلق الأمر بي، فأن لحظة استدارته نحو الضد مما كانت عليه علاقتنا الممتدة منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، بشكل خاص اختصرتها رسالة من سطر واحد: فخري هل أُشتم في جريدتي..؟ ولم أجد ما أرد به عليه، لأن (المدى) كانت قد نشرت في العمود الأسبوعي للراحل فوزي كريم، رده على سعدي الذي تعرض له بما لايليق بحوار ثقافي، ولم أجد فيه مسّاً أو تعريضاً أو سباباً وتجريحاً .

كنت أعتقد انه عتاب في صيغة تساؤل بلاغي من شاعر صديق، يبدو فيه رافضاً لأي جدلٍ معه أو جرأةٍ على مناقشته والرد عليه. لكنه تبيّن عما لم يكن يخطر ليّ على بال. إذ لم يعُد لسعدي من شاغل سوى الإمعان في شتمي والنيل مني حد التجريح والمس بعرضي وعائلتي وتاريخي في قصائد أو كتابات يتفنن فيها بتوظيف المفردات الشتائمية التي لا تليق بشاعر بوزنه وقامته.

ربما كان مفهوماً أن يُعرّض بي لأني انتقلت الى بغداد وأصدرت (المدى) مع نخبة من الصحفيين والمثقفين الشيوعيين والديمقراطيين وبينهم من لم يبرح البلاد الى المهاجر القسرية كما فعلنا نحن. وأن أقبل بممارسة نشاطي الإعلامي والثقافي والسياسي في ظل الاحتلال، حتى وإن كان هذا النشاط على الضد مما كانت عليه سياسات بريمر وفريقه، وهو ما عبّرت عنه الجريدة وأسرة تحريرها والعاملين فيها، والمقالات الافتتاحية التي كنت أكتبها يومياً، وتضمن بعضها معارضة جوهرية لقرار حل الجيش الذي سميته حكم إعدامٍ على ميت. ونقد قرار "اجتثاث البعث" ليس من منطلق الدفاع عن البعث وتزكية الحكم الصدامي، بل لأن التدابير الإدارية والأمنية لا تجتث فكراً مهما كانت طبيعته الفاشية أو النازية، وإنما ببناء بديل ديمقراطي علماني في إطار دولة المواطنة الحرة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، دولة القانون وحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، دولة لا مكان فيها للطائفية والارهاب والتعصب والمحاصصة.

وبطبيعة الحال كانت (المدى) الجريدة والمؤسسة بكل تفرعاتها وأوجه نشاطاتها، تعتبر ما سمي بـ "المقاومة" ضداً إرهابياً، قوامه أزلام وبقايا أجهزة ومؤسسات النظام، وخليطاً من قاعدة بن لادن ومن هبّ هبّهم من المتضررين من التغيير الذي أسقط بزعمهم دولة طائفتهم، والعصابات السائبة من المجرمين الذين أطلق سراحهم الطاغية. وكان الخيار إما الاصطفاف مع هؤلاء بزعم طرد المحتل الأميركي، مع انهم كانوا على استعداد للتواطؤ معه ضد العملية السياسية "الديمقراطية المختلة"، أو الاصطفاف مع القوى الوطنية بكل مكوناتها وتياراتها لتهيئة متطلبات إنهاء الاحتلال والشروع بإعادة بناء الدولة الديمقراطية. وفي كل الأحوال لم تكن (المدى) الجريدة والمؤسسة على غفلة من إمكانية إجهاض العملية السياسية وإعاقة تطورها صوب تكريس أسس النظام الديمقراطي والدولة المدنية، والحيلولة دون هيمنة القوى الطائفية ونظام محاصصتها وفسادها وما تفرز من شرور، وهو ما لم تتخل (المدى) عنه واعتبارها أهدافاً مباشرة لها منذ تأسيسها، ومواصلتها نهج مواجهة نظام المحاصصة ونشر الظلامية والفساد واستلاب إرادة العراقيين في بناء الدولة العلمانية الديمقراطية، ونشرها الوعي المدني بكل أوجهه ..

لقد تبين للأسف أن شاعرنا الكبير وهو "الشيوعي الأخير" كما يحلو له أن يطلق على نفسه، "وكان فخراً لنا" لو كان كذلك، ربما دون وعي منه انتقل الى أقصى التعصب والتطرّف الذي صار كل من يتابعه، يجد فيه انزلاقاً مُنفّراً الى الضفة الأخرى من التلبّس الطائفي، إذ لم يتورع عن اعتبار كل "شيعة العراق عجم" والعراقيين "كاولية"، والكرد "قرود". وينشر قصيدة يعتبر فيها داعش منقذ العراقيين، والإرهابي الأفّاق أبو بكر البغدادي محرر العراق ..!

وإذا كان يرى في كل هذا مواقف سياسية يحق له أن يدلي بآرائه فيها، فما الذي فعله هادي العلوي وكامل شياع وفائق بطي وفوزي كريم، وهم في رقدتهم الأبدية ليكرس لهم سعدي يوسف شتائمه وسبابه وينال منهم بلا تورع أو تحفظٍ يليق بمثقفٍ أبدع لغة شعرية وأنجز جدارية موازية بديوانه "جدارية فائق حسن"؟.

وأي ضغينة تدفعه، لينال من فناننا فيصل لعيبي الذي كان يعتبره ظاهرة تشكيلية عراقية تؤكد حضورها خارج حدود وطنه سوى كونه رساماً فطرياً و"فراشاً" في سفارة اليمن الديمقراطية بباريس!

وما الذي يستفز الشاعر سعدي يوسف ليمعن في التعريض بكل المثقفين والمبدعين، من زملاء ورفاق وأصدقاء الأمس :

عبدالكريم كاصد، فالح عبد الجبار، زهيرالجزائري، عواد ناصر، هاشم شفيق، شاكر لعيبي، فاضل السلطاني، الفريد سمعان، نبيل ياسين، فاضل ثامر، ياسين النصير، مفيد الجزائري، حميد مجيد موسى، رائد فهمي، عبد الوهاب البياتي، عريان السيد خلف وسعاد الجزائري، إلى ما لا نهاية .....

لم يترك سعدي مثقفاً عراقياً في بلدان اللجوء، دون أن يتهمه بالجاسوسية..! مع انه الوحيد الذي اختزل فترة لجوئه ليصبح مواطناً بريطانياً كامل الحقوق، وينظم قصيدة يفخر فيها بتوني بلير ويعتبر جنسيته الجديدة منحته الحرية والجرأة ليقول ما لم يستطع قوله قبل ذلك ..

ولم يترفع سعدي عن شتم صديقه أدونيس الذي لم يترك باباً لم يطرقه في فرنسا وإيطاليا لتبني ضيافته وتأمين لجوئه. كذلك تنكر لصديقه محمد الحارثي العماني...

لست في وارد استعراض ما استهدفني فيه من تهم بالعمالة للسي آي أي والكي جي بي، والمخابرات الألمانية الى جانب المخابرات السورية والعراقية، وليتجنب نسيان جهاز مخابراتي تجندت فيه، اختزلها الى عمالتي "لكل مخابرات العالم"! في ذات الوقت في آخر مقال له عن دوري في إجهاض جبهة ثقافية ديمقراطية وقبلها باعتباري مسؤولاً مباشرةً عن انقلاب 1986 في عدن وتشريد مئات الآلاف من مواطني عدن وجمهورية اليمن الديمقراطية، بأمر من دوائر الجاسوسية الروسية وبالتعاون مع أجهزة سوريّة ..!

وفي احتفائه بتحرير الموصل من عصابات داعش، لم يجد سعدي ما يقوله سوى العبارات الآتية، "سأتصرف بحذف الكلمات النابية منها":

" مرتزقة "الحشد"وصبيانه أحرقوا، بقيادة "عار السواعد [المقصود عبد الوهاب الساعدي] وبالتعاون مع الطيران البريطاني والكندي، الموصل"!.

وهكذا لم يسلم الأحياء من شتائمه وتقوّلاته النابية، بل ولا الأموات من القامات الثقافية التي تركت ذخائر إبداعية أغنت المكتبة العربية وأثْرَت الحركة الثقافية وكرست حضورها في النشاط الوطني الديمقراطي ووجدان العراقيين التوّاقين للحرية والحياة الكريمة، ولم تتطأطأ قاماتهم أمام عسف الأنظمة الاستبدادية، وينال منهم التعذيب في معتقلات البعث .

سألني الصديق جوزيف عيساوي في برنامج الحرة "قريب جداً" في التاسع من سبتمبر/أيلول عام ٢٠١١، بماذا ترد على سعدي يوسف الذي يتهمك باعتبارك قوميسيون الاحتلال الاميركي، والارهابي الدولي والجاسوس؟

قلت لا رد لي، فمن حقه أن يقول ما يشاء.

عاد يتساءل بنبرة استغراب، كيف لا ترد وهو يشكك بوطنيتك؟

قلت: لست معنيّاً بتقييمه لي، وهو حرٌ فيما يقول، ولن أتسامح مع نفسي في التعامل بالمثل حينما يتعلق الأمر بكيل الشتائم والتخوين ..

لم يقتنع الصديق جوزيف وهو يقول يا فخري إنه يتعرض لك بصفات وشتائم تتطلب الرد.

قلت هذه المرّة:

نحن نتعرض حتى اليوم لحملة اتهام من القومجية وحلفاء البعث. بمسؤوليتنا عن السقوط السياسي للسياب ومحنته الشخصية المحزنة، رغم تجنبنا الرد عليه حين تحوّل سياسياً من موقعه الشيوعي الى العداء السافر للشيوعية ونشره سلسلة مقالات في صحيفة صفراء صدرت بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، ولم نتوقف عن الاحتفاء به كمجددٍ وكرمز وقامة إبداعية خلاقة، و كان هذا هو الأهم في موقفنا من العملية الإبداعية الخلاقة ومبدعيها، وليس خياراتهم السياسية وسلوكهم الشخصي وضعفهم الإنساني، مع انه كان ضحية خياره ومواقفه السياسية، ومن وجهة نظري سيظل سعدي يوسف الشاعر الذي تغنّى بمآثر شعبنا وحزبه، وأظل أتطلع الى أن يعود من "اغترابه" الموحش..!

وينهض من جديد.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 22-06-2021     عدد القراء :  2268       عدد التعليقات : 0