الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لماذا الانسحاب ومقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة قرار صائب

أولا وقبل كل شيء أنا أحترم الرأي الآخر المدافع عن ضرورة المشاركة في الانتخابات المبكرة لكني أجد أن تبريراتهم تفندها الوقائع الملموسة والتي تبرهن كل يوم من أن هذه الانتخابات التي فرضتها قوى تشرين كانت الكتل الفاسدة تقف ضدها لحين استكمال مخطط تطويقها في البرلمان والحكومة عبر سلسلة من التشريعات والإجراءات التي حولت إرادة المنتفضين من أن تكون هذه الانتخابات بوابة للتغيير المنشود إلى عبور مريح للقوى الفاسدة وقتلة المتظاهرين إلى الضفة الآمنة التي ستعيد إنتاج نظام المحاصصة الفاسد والقوى التي تعتاش به وعليه. وعندما تغض الطرف السلطات الثلاث عن الإنتهاكات المتكررة للدستور وخاصة فيما يتعلق بقوانين العملية الانتخابية من القانون الإنتخابي المفصل على مقاس الكتل الفاسدة اللادستوري إلى مفوضية الانتخابات الملغومة بالفاسدين والمحاصصة, واستخدام المال العام والسياسي الفاسد في شراء الذمم وأصوات الناخبين وحتى  حجز محطات إقتراع كاملة, ولا ننسى عدم تطبيق قانون الأحزاب  الذي لا يسمح للأحزاب التي تمتلك أذرعا عسكرية من المشاركة, ففي ظل كل هذه الانتهاكات, أين إذن هو مبدأ تكافؤ الفرص للمنافسة في هذه الانتخابات الذي كفله الدستور؟

أما القضية المهمة الأخرى التي يتوجب الوقوف عندها هي المطالب الأساسية التي طرحها المنتفضون من أجل إجراء الإنتخابات المبكرة وهي خلق بيئة آمنة التي تمر عبر مجموعة من الإجراءات منها كشف وتقديم قتلة المتظاهرين والجهات التي تقف وراءهم وحيتان الفساد للعدالة، وحصر السلاح بيد الدولة وضمان سلامة المرشحين. فمنذ عام ٢٠٠٥ ولحد الآن شارك الشيوعيون والقوى الديمقراطية والمدنية في الانتخابات التشريعية رغم أنهم لم يحصلوا على أصوات كافية تؤهلهم لإجراء تغييرات جدية في الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية لصالح الطبقات المسحوقة والمهمشة، لكنهم واصلوا الدخول في معترك الانتخابات وعبر النشاط الجماهيري الواسع والعمل في ظروف صعبة وغير متكافئة في سبيل تحسين الأوضاع وإنضاج الظروف الذاتية والموضوعية ولخلق بيئة جديدة للتغيير وعبر سلسلة من النشاطات الجماهيرية والتظاهرات. ومارست السلطات حينها أشد الأساليب قساوة من قتل الناشطين وإجبارهم التوقيع على اعترافات مفبركة من خلال التعذيب الوحشي. وتكرر هذا السيناريو القبيح عدة مرات وفي ظل سكوت مطبق من السلطات الثلاث الفاسدة. بعدها جاءت انتفاضة تشرين ٢٠١٨ محملة بذخيرة غضب لا ينضب جراء تراكم التجارب السابقة وظروف حياتية قاسية وبطالة وجفاف في الخدمات العامة وتجاوز على الحريات وانعدام الأمن وتغوّل الميليشيات والسلاح المنفلت. وبدل أن تستجيب حكومة عادل عبد المهدي حينها والبرلمان والقضاء إلى أصوات ومطالب المنتفضين الملحة، إلا أنها أطلقت العنان لقوى الردة الفاسدة من قوى أمنية مرتبطة بالكتل المتنفذة والميليشيات الموالية لإيران لقمع المنتفضين البواسل واستشهد المئات وأصابت الآلاف منهم، كما تم اغتيال عدد من الناشطين المعروفين أمام سمع وأنظار السلطات الثلاث دون اتخاذ أي إجراء ضد الفاعلين الحقيقيين.. وتنفس المنتفضون الصعداء بعد إجبار عادل عبد المهدي على الإستقالة وتوزير السيد مصطفى الكاظمي حيث تعهد الأخير على تلبية مطالب المتظاهرين حالما استلم مقاليد السلطة التنفيذية، لكن الأيام والأحداث كشفت أن الكاظمي وهو قد خرج من عباءة نظام المحاصصة، هو أضعف من أن يستطيع تنفيذ تعهداته للشعب، حيث فشل في العديد من الإختبارات والمواقف السياسية والأمنية المهمة، وبان ضعفه وقوة الدولة العميقة المرتبطة بالأجنبي. وبالإضافة لهذا الفشل في الأداء، قام الكاظمي بتفكيك وشراء عدد من الناشطين عبر تقديم حوافز ووظائف لهم حيث شكلوا وبإسناد ودعم من الأحزاب المتنفذة الفاسدة منصات انتخابية وأحزاب دخلت الانتخابات عبر بوابات تلك القوى، وانسلخت عمليا عن التزاماتها تجاه مطالب المنتفضين. كما أنقذ تفشي وباء كورونا حكومة الكاظمي والكتل الفاسدة من الانهيار حيث استغلت هذه الزمر الفاسدة الفرصة وتم اتخاذ إجراءات مشددة ومنع تجوال في ظاهره محاربة الوباء لكن هدفه الجلي هو سحق الانتفاضة.

 

وفي ظل هذه الصورة القاتمة عن أي انتخابات مبكرة نزيهة وآمنة يتحدث هؤلاء؟ وكيف سيتم فتح بوابة التغيير المنشود في ظل هذه المعطيات لو أضفنا إليها احتمالات التزوير الواسع؟ وعن أي تكافؤ للفرص سيكون متاحا للشيوعيين والمدنيين الديمقراطيين ولشباب الانتفاضة البواسل؟ فالانتخابات التشريعية المبكرة ليست نهاية المطاف، هناك أزمة بنوية تعصف بالنظام الحالي جراء تراكم الأزمات وترحيلها من برلمان إلى آخر وإعادة إنتاج نظام المحاصصة الفاسد، ولا يمكن التخلص من هذه الأزمة البنيوية المستفحلة إلا عبر بوابة التغيير واتخاذ إجراءات جريئة سياسية واقتصادية وأمنية. وهذا بالطبع لا يمكن تحقيقه من خلال السلطات الثلاث الفاسدة الحامية لنهج المحاصصة والتشريعات الصادرة عنها، كما ستكون الانتخابات القادمة نتاج هذا النهج وتدويره.      

  كتب بتأريخ :  السبت 07-08-2021     عدد القراء :  2442       عدد التعليقات : 0