إسمها وارينه جرجيس شيخ اصفر أصلها من الطائفة ألأيزيدية، اقترن والدها
بفتاة اسمها استر يوسف حنينا من بلدة القوش وعاشوا حياتهم في الموصل، في
فترة الحرب العالمية الاولى سيق جرجيس الى العسكرة الاجبارية وبعد مدة تمرض
ثم توفي، كانت إمراته حامل فولدت الطفلة وارينه عام 1917، وقبل ذلك كانت
والدتها مربية لاطفال عائلة مسلمة تسكن في منطقة الفيصلية قرب الجامع.
عندما كانت ترضع ابنتها كانت كذلك ترضع ابن تلك العائلة التي تعمل عندهم،
وهي عائلة عبد النافع الذين اصبحوا مثل اهلها.
بعد
سنين انتقلت الام مع ابنتها وسكنوا في بيت بمحلة سينا، ثم تزوجت وارينه بعد
ان بلغت سن الزواج من المرحوم اوراها ياقونا وعاشوا فترة في بغداد ثم
انفصلوا، وعادت الى بيت امها لتعش حياة دينية وتـأمل في قراءة الكتب وتعلم
اللغة السريانية، لتصبح بارزة في هذا الشأن وترأست لعشرات السنين الأخوية
المريمية، وفي داخل الكنيسة كانت اية حركة من الصغيرات تصفعهن بشدة.
كانت وارينه تتمتع بصحة جيدة، وقوام حسن، ووجه جميل، ايضاً مهيبة
الجانب فكان الكل يحترمها ولها كاريزما خاصة، اضافة الى قلب ينبض بالمحبة
لمساعدة الفقراء. كان لها اخ اكبر منها توفي في الموصل دون ان يكون له
ذرية. لذلك اصبحت وحدها وفي اوائل الخمسينات تبنت طفل اسمه انداوس هرمز
زلفا وعاش معها طويلاً، ثم ارتبطت بمرور الزمن عائلته معها وكأنهم بيت
واحد، وقبل وفاتها تبرعت بالبيت الى الكنيسة وبعد وفاتها اشتروا البيت الذي
لازال قائما كما ذكرنا في محلة سينا غرب البلدة.
في عام 1963
اصبحت القوش بفعل حوادث الشمال تحت وطأة الحصار، فذهبت الى بيت عبد النافع
تطلب مساعدتهم والسماح بأيصال الارزاق الى القوش فتم لها ما ارادت، وفي كل
زياراتها لذلك البيت كانت تستقبل بحفاوة واحترام بالغين وكل مطالبها كانت
تلبى وزيادة.
وعندما هاجرت عائلة سولاقا كوركيس الى القوش في
اوائل الستينات من قرية بيدا المزورية، كان ابنهم واسمه جميل في الصف
الرابع الابتدائي ولم يقبل في المدرسة بالقوش لانه لم يمتلك الاوراق
والوثائق اللازمة، فذهبت وارينه الى بيت عبد النافع وطلبت حل مشكلة الطالب
اللاجئ فكان ان استحصلوا كل ما هو مطلوب ومهيأ لقبوله من مديرية تربية
الموصل، وهكذا غدا جميل في النهاية مدرساً لمادة الكيمياء بعد تخرجه من
جامعة السليمانية، اضافة الى مساعدتها لعائلته كثيراً وخصوصاً عندما أصيب
ابنهم ججو بحادث خطير، فأخذته الخالة وارينه الى الموصل ليتعالج في
مستشفياتها بالتعاون الوثيق مع بيت عبد النافع، وتعافى كاملاً.
حدثني عمي كامل دمان قائلاً: كنا في احد الايام مجموعة من الصبية نلعب
في خرابة العم جبو على طريق كنيسة مار كوركيس وسط محلة اودو، عندما مر القس
المرحوم ابلحد عوديش فصاح بنا هكذا " امشوا يا كْليب قدّامي" فإمتثلنا حتى
دخلنا الكنيسة، كان معي كل من: بطرس حنوش، جمال اودو، بندق يوحانا، حكمت
دمان، ايشا سولاقا، وبعد دخولنا حوش الكنيسة، قادنا الى سرداب بعدة درجات
تحت سطح الارض، هناك كانت مطروحة كمية من العنب المخمر فقال: اجلسوا واعصرو
فيه، شرعنا نعصر ونرمي التلف على جانب بعد عمل مضني عثرنا على دن مليئ
بالخمر فصرنا نشرب منه ونواصل العمل، شعرنا بانفسنا قد سكرنا، فاخذنا نعربد
تارة برمي كرات تلف العنب ببعضنا حتى اصطبغت ملابسنا، ولم نتوقف عند هذا
الحد بل صرنا نضحك باصوات عالية ونلفظ بكلمات نابية لبعضنا كحال السكارى في
كل زمان ومكان. في هيكل الكنيسة الجنوبي كانت وارينه شاتو تقرأ التراتيل
لمجموعة من النسوة وهم يرددون معها باندفاع ولهفة، وعندما تناهت الى
اسماعها الضوضاء من القبو المجاور، تركت صلاتها وتوجهت الى السرداب لترانا
في وضع مزري وصراخنا المتعالي، فرفعت صوتها بحزم : توقفوا، فساد صمت رهيب
بيننا لمعرفتنا بتلك المراة التي كانت عندما تمر في زقاقنا نختفي خوفا منها
فلا تتوانى عن ارشادنا واحيانا اذا تمسك احدنا يلفظ مسبّات فتفرك آذانه
جيداً، واصلت كلامها: ما هذا الذي تفعلونه ومن اوعز لكم بأن تعصروا العنب،
ونزلت درجات القبو باتجاهنا ولم تستطع الامساك باحدنا بل خرجنا متدافعين
الى حوش الكنيسة ومنها الى خارجها والخوف والوجل يأخذنا مأخذاً، وحمدنا
الله انها لم تمسك بأحد منا ولم تتعرف علينا ايضاً.
في
العشرين سنة الاخيرة قبل وفاتها رجع زوجها اوراها اليها وصار يقيم معها في
بيتها، وعندما اتعبته السنين وامراض الشيخوخة، فكانت خير من وقف بجانبه
وساعدته كثيراً حتى حانت ساعة موته. اما باقي حياتها المتعلقة بعلاقتها
بنساء القوش والجيران فكانت قوية ومتينة وتعتبر مرشدة نسوية بارزة يشار لها
بالبنان، كان بيتها على الدوام مفتوحاً لنساء المحلة لأداء الصلوات
الجماعية، وظلت امينة لواجبها حتى ادركتها الشيخوخة فتوفيت ودفنت في القوش
بتاريخ 22- 11- 1998. رحمة الله تغشاها.
nabeeldamman@hotmail.com
كتب بتأريخ : الأربعاء 09-03-2022
عدد القراء : 1839
عدد التعليقات : 0