(الحلقة الأولى)
تشكل واردات النفط نسبة 93% من اقتصاد العراق الريعي، الذي تهيمن عليه الدولة بشكلٍ كامل، وهو رابع أكبر احتياطات نفطية مؤكدة في العالم، وثاني أكبر بلد منتج في منظمة أوبك، ولم يستفد هذا البلد من التقلبات العالمية لارتفاع السعار، بل استفحل الفساد المالي والإداري في دوائر الدولة، وبعد انهيار اسعار النفط عامي 2014م و2020م نجده يتلكأ في تسديد رواتب الموظفين وإكمال انجاز المشاريع المحالة على الشركات والمقاولين. فضلاً عن امتلاك هذا البلد خمس مؤسسات لمكافحة الفساد (المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، لجنة النزاهة في البرلمان، مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات)، بيد أنه يحتل المراتب الأخيرة في مؤشر مدركات الفساد (162 من اصل 180 بلداً) الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، كل هذه المكاتب اعتبرها حلقة زائدة في الحرب على الفساد، فضلاً عن التلكؤ في تقديم اغلب الوزارات للحسابات الختامية أو انعدامها في بعض السنوات المالية.
والفساد في العراق هو منظومة حكم، ولم يكن أمراً طارئاً، فأحزاب السلطة بعد عام 2003م شرعت الفساد من خلال (الهيئات الاقتصادية)، فضلاً عن اتخاذ نظام اقتصاد السوق مذهباً اقتصادياً لإدارة البلاد، وجعل الاحزاب تحصر بيدها جميع السلطات وهيمنتها على مشاريع الدولة عبر شركات تعود غالبيتها لسياسيين، واتخاذ مبدأ من يحظ بالمنصب فعليه تنفيذ اجندات تخدم مصالح البلدان المجاورة، كون هذه الاحزاب المتأسلمة تبعيتها وميولها لتلك البلدان، إضافة إلى ذلك دور عناصر وقيادات هذه الأحزاب في تعطيل المشاريع الانتاجية والسيطرة على أموال النفط، لذلك أصبح البلد مستورد من دول الجوار (تركيا، إيران) لا مصدر.
أما هدف (الهيئات الاقتصادية) لأحزاب السلطة الحاكمة هو نهب البلاد بكل الطرق المشروعة وغيرها، وهذه الهيئات عبارة عن شبكة اشخاص واسعة يشرف على إدارتها قيادات تلك الأحزاب، وخير دليل على ذلك توزيع المناصب الوزارية والإدارية في مؤسسات الدولة بالاعتماد على نظام المحاصصة الطائفية، ليصبح الوزير موظفاً لدى رئيس الحزب الذي رشحه.
ولدى (الهيئات الاقتصادية) لهذه الاحزاب نظاماً للتربح من مشاريع الاعمار والاستثمار، فيتم بيع المشروع لأحد اقرباء الوزير أو المستثمر وتتداول عمليات بيع المشروع والمتاجرة بها لغاية عدم قابلية المستثمر الأخير من انجازه بسبب ما دفع من نسبة 10% إلى 20% من تكلفة المشروع فيعلن افلاسه، لذلك تجد هذه الوزارات تضع تلك الشركات والمقاولين أو المستثمرين في القائمة السوداء، أما المشاريع فتوضع ضمن المشاريع المتلكئة أو المنفذة بشكل سيء، أما إذا تم اكمال المشروع فتجده دون المستوى المطلوب من خلال الغش في التنفيذ. واليوم نجد أغلب المحافظين في المحافظات اصبحت لهُ اليد الطولى في بيع هذه المشاريع أو أن يتقاسم تنفيذها مع المستثمر، والشواهد كثيرة دون ذكر الاسماء