توطئة
في العام (2019) صدر قانون (مناهضة العنف الأسري) متضمنا (27) مادة بدأت بتعريف العنف بأنه (كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بأي منهما،يرتكب داخل الاسرة،يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي)..
وحدد هدفه بـ(حماية الاسرة،وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات من كافة اشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي،والحد من انتشاره والوقاية منه،ومعاقبة مرتكبيه،والتعويض عن الضرر الناتج عنه، وتوفير الحماية للضحايا،وتقديم الرعاية اللازمة لهم وتأهيلهم، وتحقيق المصالحة الاسرية). وختمها بتحديد الأسباب الموجبة في:(الحد من مظاهر العنف الأسري،والقضاء على أسبابه،وحماية للأسرة وأفرادها،وتحمل الدولة لمسؤولياتها،ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة، مما يستوجب السعي الحثيث لتجريم تلك الأفعال وملاحقة مرتكبيها،وتوفير الخدمات اللازمة،ونظراً لكون العنف ضد المرأة يعدّ شكلا من اشكال التمييز،وانتهاكاً لحقوق الانسان،والتزاما بالصكوك والمعاهدات والمواثيق الدولية،التي صادق عليها العراق،وانسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأممية،وسيرا على خطى مبادئ المجتمع الدولي،وتنفيذاً لأحكام المادة 29 من الدستور).
ما الذي حصل للقانون؟
حصل ان القانون لم يقر،ولقد استطلعت الرأي بخصوص الأسباب،فحددت بثلاثة:
1.الاسلاميون رفضوا تمريره والغريب ان النائبات في البرلمان عارضنه بشدة.
2.الاحزاب الشيعية تحديدا كانت الاشد معارضة لأنها اعتبرته مخالفا للشريعة الاسلامية.
3.مشروع قانون العنف ضد المرأة كان قد قدم الى العراق بعد التغيير،وفيه مادة تخص حرية المثليين،وكانت ممثلة الامم المتحدة جنين بلاسخارت قد رفعت علم المثليين في وسط بغداد.
تضاعف حالات العنف في الزمن الديمقراطي!
لدينا من الأدلة ما يؤكد تضاغف حالات العنف الأسري في العراق بعد 2003 نكتفي بثلاثة،
الأول:
افاد تقرير (مركز المعلومة للبحث والتطوير) بأن (46%)من النساء العراقيات يتعرضن للعنف،مستندا الى دراسات ميدانية،قدمت نتائجها بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف في الخامس والعشرين من تشرين/ نوفمبر من كل عام.واللافت فيه ان تعاطي الزوج للمواد المخدرة جاء بنسبة(64%) محتلا المرتبة الثانية في اسباب العنف بعد المشكلات الاقتصادية،يليه بالمرتبة الثالثة وبنسبة(56%)استخدام الزوج للعنف كحق من حقوقه التي ينص عليها الدين!
والتساؤل هنا:ان العملية السياسية تقودها احزاب دينية لها جماهيرها،فكيف فهموا الدين على انه يبيح للزوج استخدام العنف ضد زوجته؟.
الثاني:في تقرير اخباري لفضائية الحرة-عراق أفاد ان حالات الطلاق بالعراق في تزايد،تتصدرها بغداد الكرخ فالناصرية،ثم النجف، مسجلة ارقاما قياسية وصلت الى (50%) من عدد المتزوجين.
ووفقا لمجلس القضاء الأعلى،بلغ عدد دعاوى الطلاق في 2004 (28689) حالة ارتفعت في 2005 الى(33348)،ووصلت في 2006 الى(36627) لتقفزفي 2012 الى ما يشبه الكارثة هو (50)حالة طلاق مقابل (100)حالة زواج..اي ان كل مليوني حالة زواج تقابلها مليون حالة طلاق!. وفي (آب 2022) بثت فضائيات عربية عنوانا لافتا(يحدث في العراق..سبع حالات طلاق في الساعة الواحدة!)..ما جعل القضاة يصفون ظاهرة الطلاق بأنها صارت توازي ظاهرة الارهاب!.
الثالث : افادت دراسة لوزارة التخطيط(2012) الى ان 36%من النساء المتزوجات يتعرضن للعنف الجسدي والنفسي والجنسي من الأزواج.
ونضيف رابعا: اسهام فيروس كورونا بتصاعد العنف في الأسرة العراقية وصل حد ارتكاب جرائم ضد أفرادها بما فيها تعذيب او حرق او قتل الأطفال،بسبب توالي الخيبات عبر 19 سنة والحجر (غير الصحي)والتوتر والعصبية وعدم القدرة على التحكم بالغضب.
تـــقويم
مع ان العراق كان قد صادق في (1986) على (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة – سيداو)،ورغم ان لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة دعت الدول كافة الى اصدار تشريعات لمكافحة العنف ضد النساء،فان العراق استجاب بأن اصدر قانونا ولكن لم يأخذ طريقه للتطبيق باستثناء اقليم كوردستان الذي اعتمد قانونا متطورا لمناهضة العنف الاسري خاصا به.
ولدى قراءتنا للقانون وجدنا انه ما كان دقيقا في تعريفه للعنف ضد المرأة،اذ هو يعني في مفهومنا نحن السيكولوجيين المعنيين بهذا الموضوع:(اي سلوك یصدر من الرجل بطابع فردي أو جماعي، وبصورة فعلیة أو رمزیة أو على شكل محاولة أو تهدید أو تخویف أو استغلال أو التأثیر في الإرادة، في المجالات الأسریة أو المجتمعیة أو المؤسسیة، سواء أكان هذا الرجل أب، أخ، عم، خال، زوج، إبن، زمیل، أو أي رجل آخر قریب أو غریب بقصد إیذائها جسدیا أًو جنسیا أًو نفسیا أًو لفظیاً،أو بقصد التحقیر والحط من شأنها أو الانتقاص منها،أو انتهاك حقوقها الإنسانیة أو القانونیة أو كلیهما، مما یتسبب في إحداث أضرار مادیة أو معنویة أو كلیهما بغیة تحقیق غرض شخصي لدى المعنَفِ ضد المرأة الضحیة).
فضلا عن ان دليل الأمم المتحدة يوصي بأن تشمل التعريفات القانونية للعنف الأسري عناصر العنف المتمثلة بـ(الجسدي والجنسي والنفسي والأقتصادي)..ولم يوضح القانون العراقي العنف الأقتصادي الذي يتضمن سيطرة الزوج او الزوجة على المصدر المالي للأسرة،او منع احدهما للآخر بتحصيل سلع او ممتلكات،او استفراد احدهما بالقرار الأقتصادي الخاص بالأسرة.
ولقد غفل القانون تأكيده على اخطر واكثر انواع العنف شيوعا في المجتمع العراقي..(العنف النفسي) الذي يستهدف محاربة الضحیة معنویا،وإذلالها نفسیا بًإیجاد المعنف لنفسه الأعذاركأن تكون تحت مسمى الدین أو السلطة فيعمد الى الحبس وتقیید الحریة، فرض الحجاب، الطرد، الهجر، الجفاء، التحقیر..وإذلالها وإشعارها بالدونیة أو الشتم،واتهامها بالجنون أو التهدید التي تؤدي الى قتل الطاقات العقلية والاصابة بامراض نفسية مثل الاكتئاب والانكفاء على الذات.
ولا يشير مشروع القانون إلى أنواع الأدلة التي يمكن قبولها في قضايا العنف الأسري،التي حددها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بـ (أدلة الطب الشرعي، أقوال الضحايا،صور فوتوغرافية،شهادات خبراء،ملابس ممزقة، ممتلكات مُتلفة،تسجيلات هواتف خلوية،وسجلات مكالمات طواريء..).
ونوجز البقية بوجود اشكاليات تخص مواد الصلح،والحماية،والواجبات الخاصة بالشرطة والأدعاء والهيئات الرسمية المسؤولة عن تنفيذ القانون،شخّصها المعنيون بالقانون.
توصية
في ضوء ذلك، نوصي حكومة السيد محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة يكون بين اعضائها علماء نفس واجتماع وخبراء مستقلين سياسيا لمراجعة القانون وتعديله بصيغة تتفق وجوهر الدين الأسلامي الذي اولى المرأة اهتماما كبيرا ونظر اليها نظرة تكريم واعتزاز وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم، واستوصى بها النبي محمد خيرا في خطبة حجة الوداع " استوصوا بالنساء خيرا،فانكم اخذتموهن بأمانة الله"، وأن يساير القيم الحضارية في البلدان الديمقراطية، فهوية تقدم وديمقراطية اي بلد تكون بتطبيقه مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة..وهذا ما نأمله وان جاء متأخرا عشرين سنة!.