الذي يقرأ مساهمة الدكتور ميشائيل بري رئيس المجلس الاستشاري العلمي لمؤسسة روزا لوكسمبرغ بعنوان ( كيف نطور سياسة ماركسية اشتراكية معللة) والتي جرت منتصف كانون الأول ٢٠٢٢ بمشاركة عدد من مفكري اليسار الألماني ، الذي يقرأها يستطيع التكهن أن اليسار الأوربي بشكل عام قد أخطأ في تقييمه للحرب الروسية- الأطلسية في اوكرانيا حيث افتقر الى التحليل الماركسي الناقد للإمبريالية ومخاطر تدخلاتها العسكرية وتغذيتها لكراهية الشعوب التي تختلف معها، واتباع سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع العلاقات الدولية والمشاكل التي تطرأ بين الدول، الى جانب تأريخها الطويل في شن الحروب العدوانية المدمرة بعد التهيئة لها عبر تحشيد إعلامها وتغذيته بالأكاذيب والخداع لتبرير تدخلاتها كما فعلت في حربها ضد العراق عام ١٩٩١و٢٠٠٣ وسوريا وليبيا دون تفويض من الأمم المتحدة وقتلت ملايين البشر ودمرت البنى التحتية للبلدان الضعيفة ودعمت الدكتاتوريات وخططت للانقلابات العسكرية في دول تتعارض سياستها معها تحت يافطات مزيفة كالدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية, وتهديد مصالحها الحيوية بينما تبعد هذه الدول آلاف الأميال عن حدودها،
إن الحقيقة التي تجاوزها تحليل اليسار الأوربي هي إن الحرب التي بدأتها روسيا كانت نتيجة لتجاوز الناتو والولايات المتحدة خطوط روسيا الأمنية الحمراء وذلك عبر تخطيط الناتو المحكم ولسنوات طويلة مستغلين ضعف روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعبر سلسلة من الأكاذيب والخداع وكسب الوقت والتنصل من الاتفاقات الأمنية في ١٩٩٩و ٢٠١٠ بين روسيا وبينهم لحين ان يكتمل تطويق روسيا بدول الناتو وفرض عليها الأمر الواقع والاستسلام والخضوع لسياستهم، الذي تغير هو صعود قادة جدد في سلم حكم روسيا من الأوغارشية الوطنية والتي اضطرت للدفاع عن مصالح روسيا وسلامة أراضيها وأمن شعبها وثقافته وتراثه التي أصبحت جميعها في خطر محدق، حينها شعر الناتو والولايات المتحدة عليهم الإسراع في تطبيق خطتهم حيث دعمت عام ٢٠١٤ الانقلاب ضد حكومة أوكرانيا الشرعية واستيلاء القوميون المتطرفون والنازيون على السلطة بعد تصفية المعارضة ومنع استخدام اللغة الروسية في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة والتهيئة لدخول أوكرانيا في حلف الناتو، هذه السياسة والإجراءات التعسفية أدت إلى انسلاخ المقاطعات الشرقية في دونباس والتي يتحدث معظم سكانها اللغة الروسية وتحملوا وطيلة ثمان سنوات القصف اليومي من حكومة كييف لمناطقهم، شعرت روسيا بالخطر وفي خطوة جريئة ومباغتة احتلت مقاطعة القرم الاستراتيجية للحفاظ على موانئها على البحر الأسود وآزوف، ومن اجل إضفاء شرعية لضم القرم ودونيتسك ولوغانسك إليها أقدمت على إجراء انتخابات فيها وبحضور مراقبين من خارج روسيا (لم يعترف الغرب بنتائجها) وصوت السكان بأغلبية كبيرة للإنضمام الى روسيا،
لقد غض اليسار الأوربي الطرف في تحليلاته عن جذور الأزمة ولم تكن له الشجاعة لإدانة حلف الناتو والولايات المتحدة وتحميلهم مسؤولية هذه الحرب لأسباب انتخابية وفقدان بوصلته الفكرية حيث إن إشعال حرائق التوترات هي من خصائص الدول الامبريالية من أجل تصريف أزماتها وإدامة هيمنتها على مصائر الشعوب، لكنها اليوم اصطدمت بدولة نووية قادرة على الردع والدفاع عن مصالحها ومصيرها رغم فارق القوة العسكرية بينهما، ومن أجل خلخلة وإضعاف التحالف الروسي-الصيني عكف الغرب العدواني بقيادة الولايات المتحدة على فتح جبهة تايوان لإشغال الصين فيها وعبر تشويه سمعة الصين والتدخل بشؤونها الداخلية من خلال دعم حكومة تايوان سياسيا ( زيارة بيلوسي ) وعسكريا ( تزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة ) وتشجيع صيحات الاستقلال التي تصدر من حكومتها, رغم اعتراف الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي باعتبار تايوان جزءا من الصين،
إن الحرب الدموية الدائرة بين روسيا وحلف الناتو على الأراضي الاوكرانية تهدد السلم العالمي وتضع مستقبل البشرية على كف عفريت كما يقولون،، فإلى متى يبقى اليسار وقوى السلام في العالم يحدقون في الخطر الداهم لكنهم لا يفعلون الا القليل لإيقاف المجزرة لذا ينبغي عليهم الضغط على حكوماتهم للكف عن ضخ الأسلحة والأموال الى الحكومة الفاسدة في اوكرانيا والتراجع عن فرض العقوبات الاقتصادية الأحادية المفروضة على روسيا والتي أثرت كثيرا على شعوب العالم كله، ودعوة الأطراف المتحاربة الى طاولة المفاوضات وايجاد حلول للمسائل الأمنية والإنسانية العالقة والرجوع الى الاتفاقات المبرمة،، فالمستفيد الوحيد من هذه الحرب هم المجمعين العسكريين في اوربا والولايات المتحدة والشركات الكبرى التي تضاعفت ارباحها منذ بداية الحرب وبالمقابل خسرت دول أوربا برمتها استقلالية قراراتها وأصبحت أداة طيعة بيد الولايات المتحدة ورهنت اقتصاد بلدانها بها،،