في سلسلة مقالاتي حول الحرب الدائرة في أوكرانيا بين روسبا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، رغبت أن أوجه أنظار اليسار العراقي والعالمي على المخاطر الجدية التي تقود إليه هذه الحرب.. وقبل يومين فقط صوت حزب اليسار السويدي إلى جانب دخول السويد في حلف الناتو وسبقه في ذلك أحزاب محسوبة على اليسار في فنلندة على الانضمام إلى هذا الحلف العدواني. وبدأت أفتش عن البوصلة الفكرية التي أضاعها هذا اليسار في خضم التفتيش بين المقاعد في برلمانات هذه الدول والمنافع الشخصية والمصالح الضيقة وأضعها امامهم لكي يصححوا مسار أحزابهم ويتوقفوا عن إيجاد التبريرات التي لا تستند إلى المنطق وتفتقر إلى التحليل التاريخي الجدلي لمسببات هذه الحرب وأهداف دول حلف الناتو من إطالتها وانخراطهم فيها لحد تهديد جدي لاندلاع حرب نووية بدل دعم جهود السلام والجلوس على طاولة المفاوضات لحل المشاكل العالقة وتأمين المصالح الأمنية للجميع وحل حلف الناتو الذي لا مبرر له سوى التهديد والعدوان. ويأتي نشر الصحفي، سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر في فبراير مقالا استقصائيا حول انفجارات خطوط أنابيب "السيل الشمالي". قال فيه إن التخريب نفذته الولايات المتحدة بمساعدة حلفاء "الناتو". ليؤكد إلى أي مدى يمكن أن يتهور هذا الحلف بارتكاب أعمالا تهدد السلم العالمي خاصة وقد صرحت رسميا نائبة وزير الدفاع البريطاني أنابيل غولدي تزويد حكام كييف بشتى أنواع الأسلحة والخطيرة ومنها على سبيل المثال قذائف اليورانيوم المنضب والتي استخدمت في حروب الناتو في يوغسلافيا والعراق حيث استخدمت الولايات المتحدة ٣٠٠ طن من هذه المقذوفات في مدن عراقية عدة منها البصرة والفلوجه والتي سميت بتشرنوبل الثانية والعمارة وكربلاء وبغداد والتي سببت في تصاعد مخيف بالأورام السرطانية وتشوهات جينية خطيرة وتسميم البيئة.
وفي الخامس من شباط عام ٢٠٠٣ ظهر كولن بأول في مجلس الأمن الدولي رافعا أنبوبة طبية محشوة بمسحوق غسيل كما ذكر توني بلير (نادما) بعد سنين، في حين ادعى بأول إنها تحتوي على الجمرة الخبيثة! وحشد الغرب جميع وسائل الاعلام لكي ينشروا هذه الكذبة وعلى نطاق واسع كما يحدث اليوم في أوكرانيا.. في ذلك العام شنت حرب شعواء على العراق استنادا إلى تلك الحجة الكاذبة المفبركة وادعى الغرب الهدف هو التخلص من أسلحة النظام الشامل واسقاط دكتاتورية البعث وبناء الديمقراطية وجعل العراق نموذجا يحتذى به في المنطقة. كان اليسار الأوربي ودعاة السلام أقوى وأنضج مما هم عليه اليوم، وخرجوا بالملايين الى الشوارع من أجل فضح نوايا الناتو وإيقاف شبح الحرب القادمة. ورغم فشل محاولاتهم لوقفها إلا انهم فضحوا نوايا الناتو وجرائمه البشعة التي ارتكبها طيلة فترة احتلاله العراق حيث انتشر الخراب في كل مكان مع ملايين القتلى والجرحى والمهجرين. وبدل أن يكون العراق نموذجا ديمقراطيا يحتذى به كما ادعى بوش الابن، أصبح العراق نموذجا للفوضى والحرب الأهلية وظهور المنظمات الإرهابية من أمثال القاعدة وداعش واحتلالها ثلث الأراضي العراقية في فترة حكومة السيد المالكي، كما استولت الأحزاب الطائفية الإسلامية والقومية الكوردية وعبر تنسيق غير معلن بين المحتل وبين ايران ظهرت بوادره حينما فازت كتلة السيد أياد علاوي بالانتخابات وبأعلى الأصوات لكن سُلمت الوزارة إلى التكتل الشيعي بعد إعادة تفسير فقرة الكتلة الأكبر الدستورية حيث شرعت الحكومات المتعاقبة الشيعية التابعة لإيران بتثبيت أقدامها ومن خلال تزوير الانتخابات وتشريع قوانين لها مفصلة على مقاسها وبالتنسيق مع المحتل والأمم المتحدة التي فقدت مصداقيتها حين شرعنت نتائج الانتخابات المزورة تلك وقوانينها رغم تعارضها مع الشرعية وحقوق الانسان والعدالة. وبعد كل هذا التدهور وفي جميع الميادين الذي سببه الاحتلال والحرب لم نسمع أو نلمس كعراقيين ومراقبين مدنيين من لدن المحكمة الجنائية الدولية ان تقدمت بإدانة هذا الغزو الهمجي والغير شرعي والجرائم البشعة التي ارتكبها المحتل في العراق أو إصدار مذكرة اعتقال بحق قادة الدولتين الرئيسيتين إنكلترا والولايات المتحدة اللذين خدعا العالم وكذبا عليه وارتكبا الموبقات في بلدنا. وهكذا تثبت هذه المحكمة بأنها مسيسة وتابعة لحلف الناتو رغم أن الولايات المتحدة ودول أخرى كروسيا والهند مثلا لا تعترف بها وبقراراتها، كما أثبتت أنها غير معنية بحقوق شعوب دول العالم الثالث.
٢٤ آذار ٢٠٢٣