الحلقة الثانية
حقائق وارقام
توطئة
تحدثنا في الحلقة الأولى عن اسباب الفساد في العراق منطلقين من حقيقة علمية تؤكد انه لا يمكن معالجة اية ظاهرة دون البدء اولا بتشخيص اسباب ظهورها،
وقد استوفت تلك الحلقة الخطوة الاولى من هذا المشروع، لتنقلنا الى خطوة تتضمن توثيقا لحجم الفساد في العراق من مصادر موثوقة توصلنا الى حقيقة اعلنتها وزارة التخطيط في (نيسان 2023) ان (22%) من العراقيين تحت مستوى خط الفقر، وان نسبة البطالة بلغت (16%)، ومع ان النسبتين لا تعكسان الحقيقة، فأن عدد الفقراء والعاطلين، وفقا للنسبتين، يبلغ (17) مليونا في بلد يعدّ الأغنى في المنطقة و أحد أغنى عشرة بلدان في العالم.
كنا تابعنا هذه الظاهرة من بداياتها واصدرنا عنها كتابا بعنوان (الفساد في العراق – تحليل سيكوبولتك لأقبح ظاهرة في تاريخه) وصفه استاذ علم الأجتماع المقيم في لندن الدكتور فجر جودة بأن ما فيه " يوجع مثل وخز على اطراف الاصابع، يوجع مثل سياط جلاد فقد الاحساس بوخز الضمير، ويوجع مثل آلام المسيح ومثل حجم مأساة الحسين"..اليكم اهم ما وثقه من حقائق وأرقام:
* صرح كبير المفتشين الأمريكيين في العراق، ستيوارت بوين بأن حجم الفساد في الحكومة العراقية يبلغ أكثر من أربعة مليارات دولار.وأشار في تقريره الذي نشرته هيئة الإذاعة البريطانية في 9/11/2006 إلى أن حجم الفساد في العراق يتجاوز أكثر من 10 بالمائة من إجمالي الناتج الوطني العراقي.
* قالت منظمة الشفافية العالمية المعنية بالكشف عن الفساد حول العالم في تقريرها السنوي الأخير لعام 2008 أن العراق يحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.
* أعلنت هيئة النزاهة في العراق أنها تمكنت في18/5/2009 من تنفيذ أوامر إلقاء قبض بحق 33 متهما بقضايا فساد،في إطار سعي الهيئة لتنفيذ أوامر إلقاء قبض على 997 متهما بقضايا فساد لم تنفذ.
* جاء في تقرير لهيأة النزاهة أن 317 مرشحا قدموا خلال انتخابات المحافظات الأخيرة شهادات مزورة في طلباتهم،وأن مسئولا في وزارة الدفاع العراقية جمع عشرات الآلاف من الدولارات من خلال فرض مبلغ 500 دولار يدفعه كل مجند في الجيش العراقي.
* قال أعضاء في لجنة النزاهة التابعة لمجلس النواب العراقي، إن مستويات الفساد المالي والإداري العالية في العراق، سببها تدخل رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في عملهم، ومنعه إحالة أي وزير سابق أو حالي للتحقيق في قضايا الفساد إلا بعد موافقته.
* كشف القاضي راضي الراضي الرئيس الأسبق لمفوضية النزاهة،أن 31 من أعضاء المفوضية قتلوا إضافة إلى 12 من اسر موظفي المفوضية،بينهم مساعده محمد عبدو سالف الذي أطلق عليه الرصاص هو وزوجته الحامل في شهرها السابع.
* رئيسان سابقان متقاعدان تناوبا على ترأس دروة واحدة للبرلمان، رئيسان اسلاميان، يوعظان الناس بالزهد وبتطبيق الشريعة ويقولان بان الاسلام هو الحل، رئيسان محالان على التقاعد هما محمود المشهداني وأياد السامرائي يتقاضى الواحد منهما 57,000,000 مليون دينار، وهو ما لا يتقاضاه اي رئيس لدولة عظمى في العالم.
* كشف النائب جواد الشويلي عن رواتب فلكية لمسؤولين:
- رئيس الجمهورية 000،000،82 مليون دينار
- نائبا الرئيس يستلم الواحد منهما 000،000،62 مليون دينار
- رئيس الوزراء (000،000،56)مليون دينار
- رئيس البرلمان(000،000،33)مليون دينار
* من عام 2003 الى عام 2018 تسبب الفساد السياسي والمالي والاداري بسوء صرف أكثر من ترليون دولار أميركي، منها مدخولات جناها العراق قرابة ٨٠٠ مليار دولار.
.نعم، جميعنا فاسدون بمن فيهم أنا. لقد عرض عليّ أحدهم خمسة ملايين دولار لوقف التحقيق معه، أخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته..أغلب الأسماء الكبيرة في البلاد مسؤولة عن سرقة كل ثروة العراق تقريبا، أشخاص في قمة هرم السلطة، سيقتلونني إذا لاحقتهم./مشعان الجبوري لمراسل صحيفة الغارديان مارتن شولوف.
• مشكلتنا الأكبر هي الجنود الوهميين؛ فهناك ما بين خمسمئة وستمئة مليون دولار تُدفع مرتبات شهرية لجنود لا وجود لهم"./هوشيار زيباري وزير المالية الأسبق - الغارديان.
• الفساد في العراق يقاس بالمليارات وليس بالمفرد..وهو من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب./موسى فرج – نائب رئيس لجنة النزاهة سابقا.
• قال المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار إن "المجلس قرر نقل دعوى رئيس مجلس محافظة البصرة المتهم صباح البزوني والمتعلقة بتهمة تقاضي الرشوة إلى محكمة جنايات الرصافة المختصة بقضايا هيئة النزاهة للنظر فيها وفق القانون بعد أن كانت أمام محكمة جنايات البصرة". / JAMC.
• مدير شركة التجهيزات الزراعية السابق (عصام جعفر عليوي) المحسوب على احدى القوى الاسلامية الشيعية المشاركة في الحكومة والبرلمان،اعترف للجنة النزاهة بأنه دفع مليار ونصف المليار دينار لنائب سابق لغرض تهريبه،وكشف عن فساد مسؤولين ورجال اعمال./(الشرقية 5 ايلول 2017).
• لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها. / تصريح موثق لرئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي.
• حاول بعض كبار المسؤولين العراقيين بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وبتشجيع من رجل الدين آية الله علي السيستاني شن حملة ضد الفساد، لكنهم فشلوا.واعلنت المرجعية (لقد تحدثنا كثيرا حتى بُحت أصواتنا، ورغم ذلك لم يستمع إلينا أحد).
* وفقا لتصريح رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي في البصرة بتاريخ (22 شباط 2018)،فانه تم صرف سبعة ترليونات دينار على مشاريع لم ينجز منها شيئا.
* وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية (شباط 2018)فأنه تم سرقة مئة مليار دولار(الترليون يساوي واحد وامامه 12 صفرا،والمليار يساوي واحد وامامه تسعة اصفار).
*في (4/3/20239 اعلنت هيئة النزاهة في العراق ان القضاء امر باعتقال اربعة مسؤولين في حكومة مصطفى الكاظمي بتهمة (تسهيل الاستيلاء) على 2.5 مليار دولارا (بي بي سي و الجزيرة).ولا تزال المفاجآت تتكشف حول تفاصيل "سرقة القرن" التي هزت العراق اثر نهب المليارات من العائدات الضريبية في البلاد "العربية".
هذه ألأرقام والحقائق تكشف لنا حقيقة خطيرة يواجهها السيد محمد شياع السوداني هي ان الفاسدين اسسوا دولة عميقة لها اذرع في كل مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان الذي يفترض فيه ان يكون ممثلا للشعب!
كل محاولات الاصلاح كانت..فاشلة
أبرز تلك المحاولات هي أن الكتل السياسية المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية اصدرت في عام 2014 (وثيقة الأتفاق السياسي) تضمنت بندا صريحا ينص على (محاربة الفساد المالي والاداري ومحاسبة المفسدين واجراء الاصلاحات اللازمة في الجهاز الاداري للدولة، واعتماد اسس وستراتيجيات جديدة بما في ذلك مراجعة واقعية لمنظومة مكافحة الفساد وتجاوز الثغرات القائمة)..فضلا عن ان البرنامج الحكومي تضمن في (خامسا: الاصلاح الاداري والمالي للمؤسسات الحكومية) فقرة خاصة بمكافحة الفساد تضمنت اربع نقاط بينها: (انجاز الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2014 ـ 2017) بالاشتراك مع الاجهزة المعنية، ودعم استقلالية ومهنية الاجهزة المعنية بمكافحة الفساد واجهزة انفاذ القوانين)..ما يعني ان على اصحاب وجهة النظر هذه ان يراقبوا اداء الحكومة في تنفيذ برنامجها الخاص بمكافحة الفساد بانواعه الثلاثة:المالي والاداري والسياسي،ثم يقرروا ويحكموا.
وما حصل ان هذه الوثيقة التي وصفت حينها بأنها (وثيقة شرف) قد فشلت.. هي والتي قبلها والتي بعدها، لسبب حدده بالصريح رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حيدر العبادي يوم وعد بضرب الفاسدين بيد من حديد (حتى لو يقتلوني) واضطر الى ان يعلن بخطاب له بجامعة بغداد في 27 /11/ 2017 الى القول بأن" الفساد.. مافيا، يملكون القوة والمال والفضائيات.." ما يعني ان الحال نفسه يواجهه الآن السيد محمد شياع السوداني، وأن أية محاولة ستفشل في مواجهة اشرس المعارك واعقدها ما لم تتضمن استراتيجية علمية يعدها اختصاصيون ليس فقط خبراء في مكافحة الفساد بل واكاديميون ايضا في القانون وعلم النفس والاجتماع السياسي.