الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الصراع الدولي على خطوط الاتصال

تهتم دول العالم بشكل لا لبس فيه بمنطقة الشرق الاوسط. ونعني بها تلك المنطقة العربية المحصورة بين تركيا شمالا والسعودية جنوبا. وهي المنطقة المسماة في بعض الادبيات باقليم الشرق الاوسط. في هذه المقالة سنقوم بتوضيح اسباب هذا الاهتمام الشديد بهذا الاقليم وعلاقته بخطوط الاتصال البحرية.

   نقوم اولا بتوضيح الاهتمام الاوروبي بالممرات المائية الواصلة بين خطوط الاتصال البحرية. هذا الاهتمام الذي يرتبط بتطور التجارة على مر العصور. وعلى الرغم من ان امر الاهتمام بهذه الطرق قديم قدم البشرية إلا اننا مع ذلك سنبدأ مع صعود الدول الصناعية. فهذه الدول المتواجدة بشكل رئيسي في اوروبا كانت قد انتبهت مبكرا الى ضرورة تأمين طرق التواصل مع اسواقها الواقعة خارج حدود قارتها، وذلك بتأمين الممرات البحرية بطريق السيطرة على المناطق البرية المطلة على هذه الممرات. هكذا ظهر بين الدول الاوروبية تسابقا للسيطرة على هذه الممرات كانت الغلبة فيها كلها تقريبا لبريطانيا. فانتزعت في وقت ما من اسبانيا منطقة جبل طارق وهي مرتفع يطل على مضيق نفس الاسم وذلك لتأمين طرق تجارتها الى الهند وآسيا. ونظرا لاطلال قوى اخرى منافسة لبريطانيا على البحر المتوسط كايطاليا وفرنسا واسبانيا فقد اضافت بريطانيا الى خط تامين تجارتها السيطرة على جزيرة مالطا الواقعة بالضبط وسط المسافة بين شرق البحر المتوسط وغربه وبين جنوب ايطاليا وشمال افريقيا. ثم استولت لاحقا على اليمن المطل على مضيق باب المندب حيث توجد مدينة عدن منتزعة اياه من الدولة العثمانية. وهذا بينما استحوذت فرنسا المنافس الدولي الآخر على الجزء المقابل لليمن المسمى بجيبوتي. لاحقا من الجهة الاخرى للهند كانت قد استحوذت بريطانيا على النتوء الجنوبي لشبه الجزيرة الماليزية سمته سنغافورة. وكانت بريطانيا قد انشأت في كل هذه المناطق المذكورة موانيء وقواعدا بحرية.

   نأتي بعد العرض اعلاه الذي اردناه مختصرا الى اقليم الشرق الاوسط الذي هو احد هذه المناطق المطلة على احد اهم خطوط الاتصال. وهو يتمتع ليس فقط بميزة الاطلالة على طرق الاتصال البحرية، وإنما ايضا توفيره لخطوط اتصال برية اخرى قريبة من قناة السويس يمكن ان تشكل طرق اتصال وتجارة بديلة. فعند طرفه الغربي حفر الفرنسيون قناة السويس. ثم تسنى لبريطانيا بعدهم من الاستحواذ على هذه القناة واحتلال مصر باكملها. ولإبطال اي اقتراب من هذه القناة للقوى الاخرى المنافسة ولاجل تأمين احتكارها الكامل لممر التجارة هذا قامت بريطانيا بتوسيع مناطق احتلالها حول القناة. فتوجهت لمسافة كبيرة غربا نحو ليبيا حيث احتلتها مناصفة مع فرنسا وايطاليا. ثم توجهت جنوبا حيث احتلت كل المناطق الافريقية بمحاذاة نهر النيل وصولا حتى مستعمرتها في جنوب افريقيا، لتؤمن بذلك عمليا ابعاد شواطيء افريقيا الشرقية عن كل منافسيها الآخرين. اما اقليم الشرق الاوسط نفسه فقد تحقق لها عمليا خلال الحرب العالمية الاولى احتلاله هو وباقي المناطق العربية لاغلاق خط التجارة الآنف البديل الذي يربط البحر المتوسط بالخليج العربي المتصل بالهند. إذ ان وصول اي من منافسي بريطانيا على هذا الطريق يمكن ان يبطل او يقلل من فائدة احتكار ممر قناة السويس.

   كل هذا العرض السريع هو لتوضيح اهمية خطوط الاتصال التجارية هذه. فازدهار التجارة كان يعني لمن يمارسها اموالا وفيرة ونفوذا سياسيا في العالم بالتالي اوسع واكبر.

   في نفس الاقليم حيث يوجد عراقنا بالتحديد كانت محاولات التغلغل فيه لوضع اليد عليه لاحقا قد بدأت مبكرا في العصر الحديث منذ القرن السابع عشر. وهو ما نعرفه من خلال كتبنا المدرسية. وبسبب موقع هذا الاقليم الاستراتيجي بين الشرق والغرب يكون ربما المنطقة التي شهدت اكثر الحروب ضراوة لاجل الاستحواذ عليها. كلها بلا استثناء لاجل تأمين طرق التجارة مع الواجهات البحرية التي يطل عليها من جهتيه. وهو ما نراه مع محاولات الدول الاقليمية المحيطة مثل ايران وتركيا الاستيلاء عليه. ايضا لاجل هذا قد صارت تحاول كل الدول الصناعية المتنافسة احتلاله والبقاء فيه لاطول فترة ممكنة بالضبط لابعاد منافسيها الآخرين ولمنعهم من الحصول ولو على موطيء قدم صغير فيه.

   وبسبب قرب اقليمنا عقدة الاتصال هذا من روسيا التي هي احد المنافسين الآخرين، فقد حاول الروس هم ايضا التمدد نحوه لاحتلاله. وهو ما تحقق فعلا خلال الحرب العالمية الاولى حين نجحوا من خلال تركيا من الوصول الى شمال العراق حتى جبل هندرين. ثم عاودوا الكرة في الحرب اللاحقة من خلال ايران حين حاولوا الدخول واحتلاله من عند خانقين. وهم لم يتوقفوا من محاولات ايجاد موطيء قدم لهم في المنطقة. فها هم وقد نجحوا مرة اخرى عندما قاموا بتمويل الانفصال الكردي قبل سنوات محققين بالطريق اختراقا آخر عندما اشتروا اسهما في انبوب النفط الكردي الى جيهان. وهذا غير تواجدهم اصلا في سوريا بحجة مقاومة الارهاب.

   ولا يمكن عدم الاستنتاج على ضوء هذه الحقائق من ان ايجاد الكيان الصهيوني في فلسطين يندرج ضمن المحاولات الغربية لتأمين تواجد لهم في الاقليم عقدة الاتصال هذه. فاختيار فلسطين لم يكن اعتباطا حيث من الواضح بان الامر له علاقة بقربها من قناة السويس. ونعتقد بانه كان ثمة مخطط غربي آخر مكمل مع احتلال فلسطين يقضي باحتلال كامل منطقة الساحل السوري حتى تركيا شمالا ومع قناة السويس غربا لتأمين المصالح الغربية البريطانية خصوصا. وذلك لضمان قطع طريق التجارة البديل هذا بشكل تام.

   ونرى هذه الايام كالجميع وجود محاولات اجنبية مستميتة لتأمين التواجد في العراق لابقائه تحت الاحتلال هو ودول اقليمه العربية المحيطة لتأمين السيطرة على طريق الاتصال هذا وذلك بعد فشل تطبيق خطة احتلال الساحل. وذلك سواء بابقاء قوات عسكرية تحت اية حجة كانت او بالاستحواذ على الاراضي. وهو ما يتوجب الانتباه له والتحسب له. من هنا قد رأينا استحواذ الامريكيين على قطعة ارض وسط بغداد واخرى في اربيل بحجة بناء مجمع سفارتهم عليها. إذ استغلوا ثغرة في التشريع والدستور. وغياب الاعتراض الحكومي على هذا يمكن ان يشجع دولا اخرى للمطالبة بمنحها هي الاخرى اراض داخل البلد لحجج مشابهة. وتوجد للامريكيين ولغيرهم قواتا عسكرية محتلة في اقليمنا تحت حجج وذرائع مختلفة لضمان مصالحهم فيه وتأمينه من منافسيهم هم.

  كتب بتأريخ :  السبت 01-07-2023     عدد القراء :  1389       عدد التعليقات : 0