لقد تكررت المقاطعة الشعبية للانتخابات في السابق مرتين ولا من ضمان من عدم تكرارها مرة اخرى مستقبلا. وسبب المقاطعتين هو قوانين انتخابية جائرة غير عادلة فضلا عن تواطؤ حكومي مع الفاسدين والمزورين منذ بدء تطبيق النظام الديمقراطي الحالي. كل هذه العوامل قد ادت الى عدم ثقة شعبية بالانتخابات. لكن ما نراه السبب الاهم لعدم حصول تحسن هو التقاعس وعدم الاكتراث الشعبي في القيام بواجب المساءلة.
يطالب الجميع بان تجري الانتخابات بشكل صحيح بدون تزوير ولا افتعال معرقلات تقنية ومن دون مال انتخابي، وبلا تلاعب بصناديق الاقتراع ولا بالنتائج بطريق الاطالة في اعلانها. وعلى ضوء الاحداث التي جرت في فترة سنوات ما بعد انتفاضة تشرين نرى بانه كان يتوجب على المعارضة المدنية من احزاب ومنظمات القيام بتحرك على مفوضية الانتخابات استنادا الى تفويض شعبي لمطالبتها بنشر نسب المشاركة في الانتخابات والتي وصلت ولمرتين متتاليتين حسب كلام غير مؤكد الى مديات غير مقبولة في تدنيها، مما لم تنفه او تؤكده تلك المفوضية. ومع هذه النسب المتدنية استهتار من اعتبروا انفسهم بالفائزين الذين لم تحددهم المفوضية بالاسم مما كان يجب ان يحدث وقيامهم باعتبار انفسهم الكتلة الكبرى الفائزة في مجالس النواب المنبثقة ومن ثم حكم البلد لاحقا بشكل غير مشروع ! إذ لا يجوز للمفوضية الحفاظ على ارقام الاقتراع سرا بعد انتهاء الانتخابات. فهو حق الناس في معرفة الكيفية التي اجريت وفقها الانتخابات ومقدار نجاحها من عدمه. وذلك ليكونوا على بينة من انه لم يجر التلاعب بها ولا باصواتهم. لذلك لم يجب إهمال مساءلة هذه المفوضية كما جرى في المرتين الاخيرتين. بل كان يتوجب مطالبتها بنشر هذه النسب في المرتين كما اسلفنا فهو واجبها. وترك هذا الامر معلقا يشير الى تقاعس وعدم اكتراث شعبي بالامر. هذا التقاعس هو الذي شجع مزوري الانتخابات في كل مرة في الاستمرار في فسادهم.
لعلم الجميع فإن انتخابات نظيفة وديمقراطية عادلة وصحيحة لا تأتي من تلقاء نفسها. بل بالرقابة الشعبية القاسية عليها والتقويم المستمر لها وللجهة المكلفة باجرائها، وهو ما جرى ويجري في كل بلدان العالم. وهو امر كنا قد رددناه سابقا. ونشدد بان الانتخابات هي ليست لعبة او تسلية او قضاء للوقت، بل هي ممارسة سياسية بامتياز وحق مثبت بالدستور لافراد الشعب يتمثل بايصال ممثلين عنه الى مجلس النواب بعملية صحيحة وعادلة وشفافة لمراقبة عمل الحكومة. فإن لم تجر هذه الانتخابات وفقا لهذه المباديء فيكون في الامر خرقا فاضحا لها. إن إخفاء نسب المشاركة في الانتخابات التي هي مقياس الثقة الممنوحة ليس فقط للاخيرة وإنما لكل السياسة المتبعة في البلد يعني ان ثمة خللا هائلا في الاخير، وإن ثمة من يريد التغطية على فشله في ادارته. لذلك نكرر بوجوب مساءلة المفوضية عن نسب المشاركة الحقيقية زائدا كل ما تسترت عليه من حقائق متعلقة بالانتخابات. فإن رفضت فتجبر عن طريق القضاء. وإن تملص القضاء فيكون الاعلان العام للملأ بان ليس فقط ثمة خلل في العملية الانتخابية في العراق لافتقارها للعدالة، بل وان ثمة من يتستر على هذا الخلل ربما حتى في تزوير النتائج ويرفض معها المساءلة الشعبية والتحقيق القضائي. على ضوء هذه العراقيل يتوجب الاعلان للجميع وباسم الشعب عن مقاطعة المفوضية والنظام السياسي القائم وإبلاغ العالم الخارجي بان هناك من لا يريد ضمان المشاركة الشعبية الحقيقية وان الشعب غير راض عما يجري في بلده وهو مما لا يمكن ان يستمر هكذا. بهذه الطريقة كان يجب ان يكون ضمان مصالح الشعب. اما الطريقة التي نراها الآن من عدم اكتراث واضح وصمت وبل اعلان البعض عن التهيئة للمشاركة بالانتخابات القادمة وكان شيئا لم يكن فهذا ليس إلا خداع للنفس مع الدوران في نفس الحلقة المفرغة مع نفس النتائج المتوقعة كما في السابق والتي هي التوقيع مقدما على بياض للاحزاب الحاكمة. إن هذه الاحزاب تتوافر دائما على الادوات التي تضمن لها السيطرة على كل العملية الانتخابية وحتى تزويرها. لقد كانت اعترافات المدعو وضاح الصديد قبل سنوات التي ذكر فيها اثنين متورطين في التزوير الانتخابي وهما قيس الخزعلي وهادي العامري فضيحة هائلة كشفت مستوى التزوير في الانتخابات. لكنها مرت وقتها مرور الكرام حيث ما زال هذان يمارسان السياسة تحت طائلة ابتزاز ميليشياتهما المسلحة التي توفر لهما الحصانة. ولم يتحرك احد من المدنيين ولا من الديمقراطيين لمساءلة المفوضية حول هذه الاعترافات بالتزوير والكيفية التي جرى اختراقها بهذه الطريقة واحالتها كلها الى التحقيق القضائي. وكنا قد نشرنا حول هذه الاعترافات مقالة قبل سنوات. كذلك فقد نشرنا اخرى قبل سنتين اوضحنا فيها اكاذيب ارقام المفوضية الحالية حول نسب المشاركة والتي كانت اقل بمقدار ست نقاط عما تم اعلانه رسميا. وكنا قد اعتمدنا في المقالة على ارقاما منشورة في الاعلام اعتمدنا على مصداقيتها ان مصدرها هو المفوضية نفسها. ولم يفت عن بالنا طبعا لحظة كتابة ومن ثم نشر المقالة عن تناقض المفوضية الواضح مع نفسها لدى نشرها نسب مشاركة تتناقض مع ارقاما اخرى لها تعطي بحسابها نسبا اخرى مختلفة ! إلا اننا لم نرى تصريحا لاحقا من المفوضية حول ما نشرناه ولا من المنظمات والاحزاب المتابعة للانتخابات وهو ما نراه خللا كبيرا. إن استمرار هذا الخلل ومعه استعادة نفس مجالس المحافظات السابقة ولاحقا ستكون استعادة نفس مجالس النواب هو ما سيضمن لنا تكرار المقاطعة الشعبية الهائلة لكل انتخابات قادمة. وهو امر غير مقبول بالمطلق.
لو كان الديمقراطيون والمدنيون قد قاموا بأمر التحرك من البداية، لما كنا قد وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من فوضى وتغييب لصوت الشعب.
لا ننسى طبعا في السياق امر الحلبوسي رئيس مجلس النواب. فهذا قد تلاعب حسب مزاجه بجلسة المجلس في آذار الماضي المخصصة لقانون الانتخابات الجديد. إذ انه قد طرد النواب المعترضين من قاعة المجلس في خرق للنظام الداخلي وسمح بدخول نوابا اصلا متغيبين عن جلسات المجلس اي فضائيين. ولم يمنعهم او يحاسبهم على غياباتهم المتكررة. والمعلوم بان النائب المتكرر الغياب بعتبر مفصولا من المجلس حسب المادة (18) من النظام الداخلي لمجلس النواب. فهذه قد نصت على ان الغياب والحضور ينشر في موقع البرلمان وإحدى الصحف، وأن يتم تنبيه المتغيبين للحضور دون عذر. فإن وصل الغياب إلى 5 مرات متتالية أو 10 مرات متفرقة في الفصل التشريعي الواحد فبإمكان المجلس أن يصوت على إقالة الغائب بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء ويكون البديل من ذات القائمة. إن النائب الذي لا يحضر بعد أداء اليمين الوارد في المادة (50) من الدستور الذي أكد على مراعاة مصالح الشعب والعمل بإخلاص وتطبيق القانون، يعني حنثا به مما يخالف المادة (258) من قانون العقوبات. نسترعي الانتباه الى ان امر هؤلاء المتغيبين كان يجب ان يكون ايضا من ضمن مسؤوليات نواب تشرين في المجلس لاجل الحصول على مجلس نواب نظيف بعيدا عن الفساد. فكان عليهم مطالبة الحلبوسي بتطبيق النظام الداخلي والاعلان عن اسماء اولئك المتغيبين تمهيدا لطردهم او ان يقوموا بالبحث عن اسمائهم بانفسهم لاعلانها على الملأ. وحتى في حالة عجزهم عن القيام بهذا العمل كان عليهم الاعلان امام الصحافة عنها واسباب عدم استطاعتهم القيام بمسؤولياتهم. وهم بتقاعسهم هذا يكونون قد ساهموا بارتفاع منسوب عدم الثقة الشعبية في الانتخابات وكل النظام الديمقراطي المعمول به في العراق. وتكرار هذا التقاعس مع انسداد اية آفاق اخرى امام الشعب يمكن ان يؤدي إن لم يستجب لها الى تشرين جديدة.
اننا نرى ضرورة القيام بهذا التحرك على المفوضية لضمان عدم تكرار المقاطعة الشعبية مستقبلا. ونرى ايضا بان الوقت لم يفت بعد لاجل القيام بهذا التحرك.