قطعا لم ينتبه الكثيرين الى هذا الامر. وهو ان ثمة علاقة بين الاسلام كنظام للحكم وشكل النشاط الاقتصادي الاساسي المعتمد في دولنا الحديثة. اي اسباب رفض الاسلاميين المطلق للتوجه نحو التصنيع في اي بلد يحكمونه.
قبل البدء بالموضوع لابد من توضيح نقطة. إن ثمة علاقة وثيقة بين الاسلام والتجارة. فالاسلام دين التجار اساسا قد نشأ في بيئة تجارية، ورسول الاسلام كان يعمل هو ومن حواليه في التجارة او في خدمة التجار. وجل النشاط التجاري في مكة التي كانت تديرها حكومة محلية مؤلفة من كبار التجار، كان يدور حول التجارة التي كانت تزدهر في اوقات الحج.
لننظر الآن الى اشكال الانشطة السائدة. فالصناعة هي كما يعرف الجميع عملية تصنيع المواد الاولية وتحويلها الى بضائع وسلع مختلفة. واختيار الصناعة كنشاط اساسي في اي نظام اقتصادي يهدف الى تأمين الحاجيات المختلفة لاي بلد محليا. اما التجارة فهي نشاط يقوم على تأمين الحاجيات المحلية من خلال البضائع التي يأتي بها التجار عادة من خارج البلد. إن ما يقوم به التاجر يؤثر كثيرا على الصناعي. والعكس بالعكس. لذلك فإن تراجع الصناعة او تصفيتها يؤدي دائما الى انتعاش التجارة ونمو مصالح التجار وثرائهم. على هذا تكون اشكال النشاط الاقتصادي هذه متناقضة كونها متضاربة المصالح. فتقديم وتفضيل اي نشاط سيكون قطعا على حساب الآخر. وعدم اختفاء الصناعة في بعض البلدان على الرغم من النظام الاسلامي الذي يحكمها يعود الى وجود طبقة متجذرة من الصناعيين وارباب المصانع ممن يدافعون عن مصالحهم.
إن الاعتماد على التجارة فقط لتأمين حاجات المجتمع لن يأتي من دون اثمان. فلما تكون التجارة هي النقيض لاشكال النشاط اعلاه فهذا معناه ان من يريد القضاء على الاخيرة هو ممن تكمن مصلحته في دفع الاسلاميين الى استلام الحكم. وبما ان التجار الذين هم ايضا طبقة سيبحثون عن مصالحهم الخاصة فانهم سيقومون بكل ما في وسعهم لاجل تقويض اسس النشاطات الاخرى وصولا الى ازاحتها من المشهد الاقتصادي نهائيا. هكذا نرى تطبيق هذا في بلدنا حيث العمل المتواصل للقضاء على كل الانشطة الصناعية التي كانت قائمة منذ اوقات سابقة لصالح إخلاء المجال لكل ما يرتبط بالنشاط التجاري حصرا. هكذا نرى اهمال المعامل والعمل المستمر الدؤوب لتدمير اسسها وتصفيتها بكل الطرق من ضمنها إهمالها وحرمانها من الدعم الحكومي والتطوير وفتح اسواقها امام المستورد. هذا المستورد الذي ينتفع منه التجار المرتبط جلهم بالطبقة التجارية الاسلامية الحاكمة. ونرى حدوث نفس الشيء بالنسبة للزراعة حيث التقاعس والبطء الشديد حد الجريمة في حل ازمة المياه من دول الجوار وكأن ثمة مخطط لتدميرها هي ايضا. ولا يعود ما نرى حصوله من توفر المحاصيل الزراعية المحلية إلا الى الضغط الشعبي الذي يجبر ممثلي طبقة التجار الحاكمة في بلدنا الى الانصياع اليه. وقد رأى الجميع في فترات ماضية تسيد المحاصيل الزراعية المستوردة بحيث صار العراق يعتمد عليها في توفير حتى الفجل والطماطم والتمر. وهي محاصيل معروف انها عادة مما ينتج محليا. كل هذا يعني انه بغياب كل ارادة لحماية الزراعة هو ليس إلا تركها للتلاشي والموت. بالنتيجة فكل تراجع فيها سيصب في صالح التجار المستوردين من قواعد الطبقة التجارية الاسلامية الحاكمة.
ثمة من سيعترض بالقول بجدية الحكومة الاسلامية في التوجه نحو القطاع الخاص. جوابنا هو اننا لسنا متأكدين من هذه الجدية الحكومية. فهي قطعا لن تريد رؤية ظهور اي قطاع خاص الصناعي على الاخص كونه سيهدد مصالح قواعدها من التجار، ولنفس الاسباب لا تريد التوجه للآخر الزراعي. وحتى التجاري لدينا شكوكا في جدية الحكومة حوله. فحكومة السوداني الاسلامية ككل من سبقها لا تريد رؤية ظهور ادنى منافسة لمصالحها في العراق. ودعوات رأس هذه الحكومة المتكررة للمستثمرين الاجانب في الخارج والتي لم يرى احد لحد الآن اية ترجمة عملية لها على ارض الواقع هي ليست إلا هواء في شبك الاستعراض الشخصي. وذلك بهدف بناء تاريخ شخصي لنفسه استعدادا للانتخابات القادمة. ويكفي لمن يريد معرفة المشاكل التي تعترض انطلاق القطاع الخاص في البلد وضع السؤال على الكوكل. ففيه سيجد الكثير من الاجابات التي ستعلمه مقدار جدية الحكومة الاسلامية في هذا الامر.
قبل الانتهاء من الموضوع لابد من ايراد الاضافة السريعة التالية بشأن الدعم الاجنبي للاسلاميين في بلدنا. إذ يمكن فهم استنادا الى ما ذكرناه اعلاه اسباب الافتتان الاجنبي بالاسلاميين والحرص على دعمهم باستمرار. فقد استخدم الاجانب الاسلام ودعموه كونه كنظام للحكم يمكن ان يؤمن مصالحهم. ففضلا عن امكانية استخدامه لفرض قراءة متخلفة ومتطرفة للاسلام معادية للديمقراطية والحكم الرشيد غير نشر الطائفية، فانه يمكن ايضا استخدامه كوسيلة للحصول على تراجع وتخلف اي مجتمع اقتصاديا. فانعدام الصناعة والزراعة من بين امور اخرى يؤديان دائما الى التخلف الاجتماعي. ولدينا دول الخليج كمثال. وقطعا فالاسلاميون هم سعداء بهذا التفضيل الاجنبي لهم. إذ انهم سيحققون احلامهم في السيطرة على البلدان وموارد الثراء دون ان يحتاجوا لاطلاق رصاصة واحدة. بهذا يمكن الحدس بان اي مجتمع فرض عليه النظام السياسي الاسلامي كوسيلة للحكم يهدف معه الى تأخير تقدمه اجتماعيا واقتصاديا. والتقدم الاجتماعي مرتبط دائما بالتقدم الاقتصادي.