هذه مقالة حول المواقف من الاحتلال الصهيوني لفلسطين نعيد بها التذكير بما هو معروف سابقا خصوصا مع عودة الموضوع الى الواجهة بقوة الاحداث في غزة هذه الايام. ومعه عودة موضوع الدولة الفلسطينية مقرونا بما يردده الاعلام الغربي مع ما صار يسمى باحداث السابع من تشرين الماضي وتصويره على انه عمل ارهابي.
لنبدأ من البداية ونطرح سؤالا يتجنب الكثيرين التذكير به وحيث يعتبره بعض الغربيين سخيفا. وهو ما علاقة الفلسطينيين بجريمة المحرقة ؟ إذ انه كلما تجري اثارة امر القضية الفلسطينية يجري التشويش عليه بتقديم موضوع المحرقة مع وصم الفلسطينيين بالارهاب وبمعاداة اليهود (او السامية جزافا) هكذا ببساطة. الآن يجري ربط هذه المحرقة باحداث السابع من الشهر الماضي مثلما فعلته فيمكة هالسِما رئيسة بلدية امستردام في احد البرامج المتلفزة مؤخرا وهي تتصنع الحزن والتأثر على اليهود المساكين !!
لقد قامت رئيسة البلدية هذه في معرض حزنها بربط بلدها هولندا ومواطنيها بالمسؤولية عن تلك المحرقة، وذلك لتبرير حزنها المفتعل. ولا ندري كيف غاب عن بالها ان بلدها وغيره من بلدان اوروبا لا دخل لهم بالمحرقة ولم يكونوا طرفا فيها. فخلال الحرب العالمية كان الجميع تحت احتلال اجنبي غاشم وشرس هو من قام بكل هذه الاعمال بالتعاون مع خونة ولم يكن يتساهل مع اية معارضة. فلماذا تصر هذه السيدة هي وغيرها على اعتبار الجميع في بلدها مسؤولا عما جرى وقتها مع هذه المحرقة ؟ ان السيدة هالسما كانت تغالط متعمدة وهي تعرف الحقيقة، او انها كانت بمنتهى الغباء ولا تعرف تاريخ بلدها، لكننا نشك في هذا. مهما يكن من امر، فإن فضلت رئيسة البلدية هذه وغيرها من الغربيين الاستمرار في اعتبار انفسهم مسؤولين بنفس المستوى مع محتليهم عن هذه المحرقة فيكون لزاما عليهم ايضا الانتباه الى الابتعاد عن استخدامها كذريعة او حجة لمنح اراضي وبلدان الآخرين لمن لا يستحق. فكلام مثل هذا يعتبر غطاءاً سياسيا لمحاولات سرقة اراضي بلدان واستبدال اهاليها بآخرين. وهذه هي جرائم حرب تستحق ان يحال اصحابها الى المحاكم الدولية.
نعود الى السؤال ونسأل ما علاقة الفلسطينيين بجريمة المحرقة، ام انها تستخدم كذريعة للاستحواذ على اراضيهم ؟ إن الموضوع في وجهه الرئيسي هو موضوع استعمار غربي. فالناجون من تلك المحرقة قد قبلوا على انفسهم التحول الى ادوات استعمار لآخرين. وهم بهذا يكونون شركاء في عمل اجرامي يحاسب عليه القانون الدولي. فليعلموا بان زمن الاستعمار قد ولى. فهل يريدون ان يكون اسمهم مقرونا والى الابد بجرائم من هذا النوع ؟
إن طرد الفلسطينيين بل واي شعب آخر من اراضيه هو جريمة يعاقب عليها القانون الدولي. والرضى الغربي عن هذا لن يدوم خصوصا إن جُرجِروا الى المحاكم الدولية لدورهم في هذه الجرائم. ليعلم الغربيون بانهم إن كانوا يؤيدون هذه الاعمال غير القانونية دون الاعتراض عليها فانه لا ضمان من عدم تطبيقها عليهم هم ايضا اينما وجدوا. فلا يمكن تأييد حدوث مثل هذه الاعمال في مكان ما فقط دون الاماكن الاخرى. بهذا سيكون من حقنا بل ومن حق اي شخص ان يأتي لايّ منهم في بلده ويخرجه من بيته هو وعائلته بالقوة ويرميهم في الشارع والسكن في البيت محله. فإن لم يرغب الغربيون برؤية حدوث مثل هذا عندهم فعليهم عدم التغاضي عن محاولات تطبيقه في اية اماكن مثلما يجري في فلسطين المحتلة. فهذا يشكل جريمة ضد الانسانية يحاسب عليها القانون الدولي. ولا نعتقد انهم سيودون رؤية تطبيق هذا عليهم في بلدانهم.
منذ بدء العمليات الفلسطينية الشهر الماضي يقوم المتظاهرون المؤيدون للحق الفلسطيني وجلّهم من الشباب في هولندا بالترديد بالانكليزية لجملة (من النهر الى البحر ستكون فلسطين حرة). تشكل هذه الجملة مصدر إزعاج إن لم يكن رعبا حقيقيا للطبقة والاحزاب السياسية في هولندا باستثناء بعض الاحزاب اليسارية الصغيرة. نقول نحن لهؤلاء إنهم إن كانوا يريدون الابقاء على الاحتلال الاجنبي لفلسطين التاريخية دون محاولة بحث المشكلة وإهمال امر الحقوق الفلسطينية فانهم سيقابلون بهذه الترديدة. ليكن بعلمهم بان الاستحواذ على اراضي وبلدان الغير عنوة لن يدوم. إذ قد رأينا الذي جرى مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي سابقا قد قبل من ضمن اتفاقيات اوسلو التخلي عن المقاومة المسلحة مقابل مساحة ضئيلة في الضفة الغربية اراد عليها اقامة نواة الدولة الفلسطينية. النتيجة انه قد جرى وأد امر هذه الدولة قبل ان يجري اغتياله. الآن لكي يتم الحصول على هذه الدولة كاملة فيجب الضغط مع ترديدة الحد الادنى هذه التي بها لا يراد تكرار نفس الخطأ الذي وقع فيه الراحل. فإن لم يعجب الغربيون ترديدها فليضغطوا على الصهاينة لمنح الفلسطينيين دولتهم حسب ما يرغب فيه الاخيرين. وترديد هذه الجملة هو حقنا نحن في الحفاظ على الحق العربي الفلسطيني في اراضينا ومناطقنا. فنحن من خلال هذه الترديدة نطالب بالحد الاقصى لاستعادة هذا الحق.
في الختام نرجو من الغربيين ان يعتقونا مما يسمونه بالاعمال الارهابية لما قامت به حركة حماس في السابع من تشرين الاول الماضي وكل ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية ككل. فبغض النظر عما تكون حماس وبمن ترتبط اصلا فإن ما جرى في ذلك اليوم هو النتيجة الطبيعية لما جرى منذ وأد مبادرة اتفاقية اوسلو الآنفة. اي منذ ان جرى محو امر الدولة الفلسطينية وايضا على الاخص مما جرى قبل تلك الاتفاقية منذ عام النكبة. إن محاولات قهر الشعوب لن تأتي إلا بنتائج معاكسة. وما جرى في السابع من تشرين الاول الماضي هو أحدى هذه النتائج ولن تكون الاخيرة. اي ان اللوم هنا يجب ان يلقى على الصهاينة الغاصبين وحماتهم الغربيين مما يحاولون التغاضي عنه. ولن ينفع كل هؤلاء ما يحدث في غزة حاليا مع توالي ارتكاب جرائم الحرب من عمليات قصف المدن والمستشفيات والمدارس والجامعات مما يحاولون الالتفاف عليه والتملص من تبعاته.