تحرير الأنسان "---- هذا ما قالهُ الروائي والكاتب الروسي نيكولاي وستروفيسكي وهو على فراش الموت بعمرٍ مبكروهو سعيد لايشعربندم ولسع الذات طالما شارك الجموع الغفيرة في تحقيق الأمنية الغالية (النضال في سبيل تحرير الأنسان) ، في موسكو تجد متحفاً وسط المدينة أسمهُ متحف نيكولاي ويستروفيسكي ، إن أول ما يلفت النظر في محتويات المتحف قولهُ نيكولاي على لسان بطل روايته الطفل بافل والذي نقش على قاعدة تمثاله " تعلم أن تعيش حتى ولو أصبحت حياتك لا تطاق " ويأتي أليه تلاميذ المدارس والجامعات ليتعلموا الصبر والشجاعة والصمود من روايته الشهيرة (كيف سقينا الفولاذ) فالرافعة المنقذة هنا الأدب الأشتراكي صاحب المدرسة الواقعية وقادة هذه الرافعة المنقذة هم نخبة اليسار التقدمي في أعادة بناء الطموحات الأسترأاتيجية المستقبلية في تحقيق آمال الجماهير ودحض النظريات الرأسمالية المتهالكة فتكون هذه النخب مؤهلة في تكوين كتلة قيادية لمواجهة الزحف الأستعماري المتلهف لمراكز الطاقة في وطننا العراق ، والذي نراهُ على صفحات الخارطة السياسية العراقية تثير ظاهرة الأستقطاب الحاد بين المعادلة السياسية وغياب وتشظي قوى اليسار التقدمي في العراق التي باتت تميزه في ظل أنحساره وتراجعه وأنشقاقاته وتشرذمه إلى ماركسية وماوية وتروتسكية وجيفارية وو، بعد أحداث غياب التجربة السوفيتية ، والواقع المخيف بأعتقادي : إن هذا المد السريع لأحزاب اليمين والمتطرف خاصة أصبح رقماً صعباً في المعادلة السوسيولوجية الجمعية الغربية أصبح بأمكانه ِ (أزاحة) التكوينات اليسارية بطرق شيطانية متاحة أخبثها الأنقلابات العسكرية كما حدثت في أمريكا اللاتينية أو اللجوء إلى عكازة الديمقراطية الأمريكية العرجاء وإلى صناديق الأقتراع بمقاس أمريكي ، وتطفح حينها على السطح نكوصات وخيبات ، وعبر الصراع الطبقي الغير حميد تبرز الحروب الأهلية كالحرب الأهلية اللبنانية في سبعينات القرن الماضي ، وأنقسام المجتمع حسب مصالحها الطبقية حيث العصبيات الأثنية والطائفية ، وتشظي اليسار العراقي بفعل تلك الفايروسات الهوياتية والشعبوية في سبعينيات القرن الماضي إلى يمين متطرف وثم إلى يسار متطرف بكفاح مسلح بتأثير المد القومي الناصري الذي أصبح عاملا فعالا في أنجاح أنقلاب 63 ضد ثورة 14 تموزوالأطاحة بقائدها الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم .
وللوصول إلى مفهوم دقيق لليسار يجب أن يقوم على اسس متينة نقية من الشوائب الطفيلية والنفعية والأنتهازية ، وأن يكون مستعداً ومشاركاً فعالاً في الصراع العالمي اليوم المتمثل في سطوة الأمبراطورية الأمريكية القائمة على الأحتلال والأستحواذ على خيرات الشعوب ، وهنا يحتم على اليساري أن يكون المدافع الأصيل على طبقته أي مصالح الطبقات الفقيرة والكادحة شغيلة اليد والفكر ، وأن يكون اليساري في قلب عاصفة الصراع الطبقي ليصيح حقاً (أيقونة) الشعوب المضطهدة وبالسعي الحثيث لتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية .
أسباب أنشقاق وتشظي اليسار العراقي
فهو حدث تأريخ مأساوي ذو شجون ومن الصعوبة لملمة ما قيل وقال في الأعلام المحلي والعربي والعالمي حول هذه الأنقسامات المزرية ، وأبرز وأهم سبب أجمع عليه المختصون في هذه الظاهرة المعيبة هو أنفراط عقد منظومة الأتحاد السوفييتي المدافع عن الشرعية والعدالة ودفاعها المستميت عن الديمقراطية والحرية وتبادل السلطة سلميا والوعي الأنتخابي وثقافة الناخب .
ونعود للبحث عن ثمة أسباب وأسباب متعددة أخرى فرضت نفسها في فوضى الرأي وخوائه منها : دكتاتوريات (بعض) الأحزاب الشيوعية على قواعد حزبها المؤدلجين خصوصا بدوافع أثنية ودينية ، ولاننسى دور العولمة في قطب الرحا الواحد وتغول الرأسمالية المتوحشة في زعزعة بوصلة الأعلام العالمي الموجه وهي تلك القوة الناعمة الخفية في تعميق الصراع الطبقي الذي أدى لأظهاربيئة خصبة بالفقر والجهل والتخلف وخاصة في الدول النامية وكان عاملا مساعدا في أنقسامات اليسارالتقدمي ، أضافة إلى تحالفات الأحزاب الشيوعية والقومية والدينية كانت لها آثار واضحة في أنقسامات وتشظي اليسار التقدمي .
ومن تداعيات غياب اليسار التقدمي في العراق
كان لأفول نجمه أثراً واضحاً في ظهور اليمين المتطرف في الغرب الأوربي وأمريكا وتطلعاتها السلبية المثيرة على الساحة السياسية الأوربية خصوصاً ، وهي أحدى أكبر الظواهر السياسية أهمية خلال العقدين الأخيرين حيث قلبت الأجواء السياسية بشكل مقلق ومثير ، حينها أصبحت أدارة الملفات الأمنية تحت تأثير ممثلين اليمين المتطرف من مؤسسات وأفراد ، وأن الخطاب الأمريكي بعد الألفية الثانية من هذا القرن قد مال نحو اليمين المتطرف فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط العربي وخاصة أنهيار مفاوضات كامب ديفيد للسلام الأولى عام 2000 (قبل الثانية ) بزعامة بيل كلنتون وياسرعرفات ، والواقع المخيف من هذا الطوفان السريع لأحزاب اليمين الغربي أصبح من الصعب في توازن المعادلة السوسيولوجية الجمعية لأزاحة اليسار بالطرق الديمقراطية ، وكانت أقوى ضربة قاصمة وجهت لليسار في العراق والشرق العربي كانت الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينات القرن الماضي بسبب الغلو في ألأثنية والقومية والطائفية ومع الأسف الشديد ظهر الفايروس الأثني والطائفي والهوياتي والشعبوي إلى العراق المجاور سنتي التعصب الفكري والطائفي المقيت وظهوره بنموذج شبه حرب أهلية 2006 - 2014 ولولا عناية الله في التهدئة في أنقسام الجماهير حسب مصالحها الطبقية وتشظي اليسار العراقي إلى اليمين المتطرف بتأثير المد القومي الناصري ، وإلى اليسار المتطرف برفع شعار الكفاح المسلح من قبل تيارات يسارية متطرفة منشقة من آيديولوجيات معتدلة ومسالمة ، وتوسعت الهوة بين التيارات والآيديولوجيات مما أدى إلى ظهور دكتاتوريات قمعية بوليسية قطعت العمل السياسي بشكل ممنهج وظهور التخندق الطائفي واضحاً جداً بعد 2003 .
العلاج
ليس هناك حسب النظام العالمي الجديد وصفة جاهزة لعلاج أنقسامات وتشظي اليسار التقدمي في العراق والأقليمي والدولي بل هنا وهناك مسؤوليات (طوعية) في تصور ورؤية اليساري التقدمي في أيمانه الوطني بالتغيير ببرنامج قريب للواقع وبديل لما نعيشه اليوم ، وهذا البرنامج - حسب أعتقادي - خطير يمس تأريخ اليساري بأفتقاده مبدأ الأختيار فهو يقف على فوهة بركان فأما أن يقف سداً مانعاً أمام الخطاب الطائفي والعرقي والشعبوي ليس هذا فقط بل القفز على الفكر السياسي المتكلس وأن يعي الوعي الأنتخابي وأدراك ثقافة الناخبين والرضوخ لمبدأ المساومة والأنتقائية وأزدواجية المواقف والوقوف على التل لمشاهدة أحتلال العراق وضرب الكرد بالكيمياوي وأحتلال أفغانستان وحرب تقسيم يوغسلافية وأطلاق يد اللوبي الصهيوني في أستباحة غزه (او) الرجوع إلى حزبه الشيوعي إن كان ماركسيا أو إلى حزبه الذي يمثل طبقته وكفى اللهُ المؤمنين شر القتال ، ولآن : كل ما طُلب من اليساري التقدمي من واجبات لحلحلة التفكك والقبول بالنظام العالمي الجديد هي حلول آنية ترقيعية ، ولآنها لم تعد اليوم وضوحا بين خطوط التماس في خارطة القطب الواحد بين اليمين العالمي بزعامة أمريكا واليسار (اليتيم) بعد أنهيار الأتحاد السوفييتي ، وأخيراً لا يصح إلا الصحيح وهو اللجوء إلى الحل الجذري الثورة (التغيير) للوضع المتخلف بالدولة المدنية الديمقراطية وهي كفيلة بتوحيد قوى اليسار التقدمي .