اعلنت فضائية (الشرقية نيوز) في حصادها ليلة (27/26 اكتوبر 2021) ان حالات الأنتحار قد زادت في عام 2020. وفي(31 كانون الثاني 2024) اعلنت نفس الفضائية ووسائل اعلام اخرى ان (هناك خمس حالات انتحار يوميا في العراق).
هذا يعني ان الحكومات العراقية واحزاب السلطة لم تعالج الأسباب التي تؤدي الى الأنتحار برغم ان علماء النفس والاجتماع ومثقفين كتبوا عشرات المقالات فيها معالجات علمية للحد من هذه الظاهرة، باستثناء معالجة واحدة ابتكرتها امانة بغداد بأنها ستبنى اسيجة على الجسور لتمنع الشباب من الأنتحار!
شواهد وارقام صادمة
تفيد الاحصاءات بأن عدد حالات الانتحار في السنوات الأخيرة كانت كالآتي:(376، 383، 449، 519، 590، 375، 1073 حالة للسنوات من 2015 الى 2021)،هذا عدا حالات الانتحار في اقليم كوردستان والحالات غير المسجلة حيث يعتبر الانتحار وصمة في المجتمع العراقي.
ومن الشواهد نكتفي بالآتي:
• حصلت وزارة حقوق الإنسان على معلومات مؤكدة بزيادة حالات الانتحار بمحافظة كربلاء غالبيتها من الشباب والفتيات،وسجّل أحد الباحثين في دراسة لمدة 11 شهراً أكثر من 120 حالة انتحار أو محاولة انتحار،(الناطق باسم وزارة حقوق الانسان).
• كشفت قيادة شرطة محافظة ذي قار أن حصيلة حالات الانتحار المسجلة لدى الشرطة منذ مطلع العام 2013 ولنهاية آيار بلغت 17 حالة لأشخاص لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة (السومرية نيوز، ايار 2013).
• نشرت مفوضية حقوق الإنسان العراقية في مارس/آذار 2014، إحصائية،كشفت عن تصدر المحافظات الجنوبية النسب الأعلى في الانتحار،في مقدمتها ذي قار بـ(199) حالة في2013(القدس العربي).وفي تصريح أحدث للقضاء العراقي:تصدرت بغداد وكربلاء وذي قار حالات الانتحار للعام(2016) بواقع 22،23،38 حالة على التوالي(الحرة عراق،5/7/2017).
• اعلنت مفوضية حقوق الانسان ان عدد حالات الانتحار في الربع الاول من عام 2019 بلغ 132 حالة.
دوافع الأنتحار
في قراءتنا للادبيات والتحقيقات الصحفية،فان اسبابه تتلخص بثلاثة:
• البطالة في قطاع الشباب.
• تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
• عادات وتقاليد اجتماعية متخلفة.
تلك هي الاسباب التقليدية للانتحار،والذي حصل بعد التغيير،تزايد شدة وحدة الاسباب التقليدية هذه،اذ اشارت التقارير الى ان نسبة البطالة بمحافظة ذي قار بلغت (34%)،فيما تعدى عدد من هم دون مستوى خط الفقر سبعة ملايين عراقي عام 2015، وصلوا في 2020 الى 13 مليون بحسب وزارة التخطيط.
أسباب عراقية جديدةّ!
والذي حصل أن أسبابا عراقية جديدة ظهرت نوجزها بالآتي:
• توالي الخيبات
صبر العراقي خمس سنوات بعد (2003) ثم خمسا،ثم خمسا..ولأن للصبر حدود،وقدرة على التحمل،فان البعض من الذين نفد صبرهم عمد الى الانتحار بوصفه الحل الأخير لمشكلته.
• الشعور بالحيف والندم.
تجري لدى بعض الشباب مقارنة بين شخصه وقدراته وقيمه وبين آخرين يحتلون مناصب بمؤسسات الدولة يقلّون عنه خبرة وكفاءة وقيما،مصحوبا بشعور الندم على اضاعة الفرصة..فيعاقب نفسه بقتلها.
• الاكتئاب واليأس والوصول الى حالة العجز.
حين يجد الفرد أن الواقع لا يقدم له حلّا لمشكلته،ويصل مرحلة اليأس والعجز،فانه يلجأ لانهاء حياته.وهنالك اكثر من حادثة بينها انتحار ست نساء في النجف قبل عشرة أعوام جاءت بسبب وضع اطفالهن الصعب،ولأنهن لم يستطعن اعالتهم فإنهن اخترن الانتحار بشكل جماعي.
• فشل السلطة واستفرادها بالثروة.
تعرّف السياسة بأنها فن ادارة شؤون الناس،وما حصل في العراق ان الطبقة السياسية عزلت نفسها مكانيا ونفسيا في عشرة كيلومتر مربع لتعيش حياة مرفهة وتركت الناس يعيشون حياة الجحيم،ولم تستجب لمطالبهم وتظاهراتهم التي بدأت في شباط (2011).
• القتل هو الردّ.
تظاهر الملايين من الشباب مطالبين بشكل سلمي بمعالجة مشكلة البطالة على مستوى الخريجين وتأمين حياة كريمة، فتعاملت السلطة معهم وكأنهم أعداء غزاة،فقتلت منهم اكثر من ستمئة شابا وشابة في بغداد فقط.
• اشاعة الأحباط.
يعمد الأعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي الى اشاعة الاحباط، بمواصلة العدّ التنازلي للأمل،لاسيما في تغريدات عبر الفيسبوك من قبيل:
- شعب سلبي رافض لكل فعل باتجاه خلاصه.
- تغيير الحال بالعراق..حلم ابليس بالجنة.
- مع ان اغلب الفاسدين يعترفون بانهم سرقوا الشعب..فانه سيعيد انتخابهم.
من المسؤول؟
بوصفنا سيكولوجيين متخصصين في الانتحار فأننا كنا حذرنا ودعونا الحكومة والبرلمان لمعالجة تزايد حالات الانتحار في العراق عبر خمس مقالات ودراسات بينها (ما هكذا نقدم للعالم انتحار شباب العراق-8/1/2018) و (أربعة اسباب وراء ظاهرة الانتحار في العراق – 15/10/2020)..وعبر فضائيات (الشرقية،الحرة، روداو..). وكالعادة فان البرلمان والحكومات لم تستجب وكأن الأمر لا يعنيها،الا مجلس محافظ بغداد الذي عالج الآنتحار بحل مبتكر هو (بناء اسيجة على جسور بغداد لمنع الشباب من الانتحار!).
ومع ان مفوضية حقوق الانسان معنية بهذا الشأن،،وجهة رسمية تابعة للبرلمان،فانها اعلنت ان دوافعه اجتماعية نفسية واقتصادية دون ذكر من كان السبب في تضاعف حالات الانتحار.ولها وللبرلمان والحكومة نقول..ان احزاب السلطة هي المسؤولة..ليس فقط عن تزايدها،بل وعن الاستهانة بأرواح الناس في عدم معالجتها.وأنها لم تنفذ استراتيجية للحد من ظاهرة الأنتحار..هي وضعتها!، وهم يعلمون علم اليقين ان الفرد الذي يجد أن الواقع لا يقدّم له حلّا لمشكلته، وحين تكون السلطة مصدر شقاء له ويعجز عن تغييرها، وينفد صبره ولا يجد لحياته معنى،فانه ينهيها بطلقة او بالوسيلة التي يختارها.
اننا ندرك ان أحد اهم اهداف السيد محمد شياع السوداني هو القضاء على الفساد، لكنه غير قادر على تحقيقه.. ما يعني ان الأنتحار،بمعدلاته غير المسبوقة، سيبقى في العراق ما دام بقاء حيتان الفساد والدولة الخفية.