في شهر ايلول الماضي ظهر في الاعلام خبر عن كشف امين بغداد عن آخر تطورات ملف النفايات في العاصمة بغداد. من بين ما قاله هو تلقي عروضا استثمارية لانشاء معامل لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق حرق النفايات ومشروع آخر لطمر النفايات. وقد وصف الامين هذا الاخير بكونه من المشاريع الصديقة للبيئة !
نقول نحن وقطعا لسنا الوحيدين بان فكرة التخلص من النفايات بحرقها هي فكرة غاية في السوء. إذ اننا لم نشر في مقالات لنا الى مساويء حرق الغاز الناتج عن استخراج النفط وضرورة ايقافه كي نستبدله لاحقا بحرق النفايات. فكلتي الطريقتين تتسببان بنواتج حرق ملوثة للبيئة ومضرة بالصحة. وتعد ظاهرة حرق النفايات حسب الاخبار من الظواهر المنتشرة بكثرة في بغداد والمحافظات الأخرى. إذ دائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة تستمر لساعات طوال، نتيجة حرق هذه النفايات. نتساءل نحن عن كمية الطاقة الكهربائية التي سيولدها هذا الحرق مقابل نتائجه واثمانه على الصحة العامة والتي ستكون كبيرة.
إن الافضل برأينا هو اعادة تدوير تلك النفايات بعيدا عن الحرق لانتاج مواد جديدة او اعادة استخدامها. فهذه الطريقة هي اقل كلفة. وهذا بدلا من اللجوء الى طمرها او تركها في مكبات مكشوفة كما هو الحال الآن. وان تقوم كل جهة صناعية في البلد بسحب النفايات من سلعها التي انتجتها سابقا او المماثلة لها المستوردة لتدويرها. والباقي من النفايات مما لا تتوافر طرق اعادة تدويرها حاليا يباع لدول الجوار بانتظار توفر تلك الطرق في البلد بشكل كامل. فمثلا تقوم شركة الصناعات الخفيفة باستعادة الاجهزة العاطلة او القديمة المرمية في المكبات مثل المجمدات والثلاجات واجهزة الطبخ والمبردات واجهزة التدفئة وما شابه سواء كانت من منتجاتها هي او المستوردة وتعيد تدويرها لانتاج اخرى جديدة. وتقوم شركات انتاج الالبسة بسحب نفايات الملابس المرمية في المكبات وتدوّرها لصنع مواد اولية تستخدم في صناعة مواد والبسة جديدة او تصدّر. وان تستعيد شركة الادوية العامة في سامراء ما رمي في المكبات من مستلزمات طبية وعبوات طبية مستهلكة وتعيد تدويرها او تتصرف بها باي شكل آخر مفيد بدلا من تركها تحرق مع التلوث الجوي الذي تتسبب به. وتسحب الشركة العامة للصناعات الميكانيكية مثلا عبوات زيوت التشحيم وتعيد تدويرها بدلا من تركها ترمى في المكبات والانهر وتسببها بالتلوث. فقد جرى تطوير تقنيات لاعادة تصفية الزيوت المستعملة والقديمة لاعادة استخدامها. وشركة انتاج الاثاث تستعيد كذلك قطع الاثاث القديم لاعادة تدويرها. ويمكن لشركة المنتجات الكهربائية استعادة منتجاتها وحتى المستوردة القديمة والعاطلة وتعيد تدويرها الى آخره. فكل هذه المخلفات تحتوي على الكثير من المعادن والبلاستك. واللجوء الى حرقها كما يقوم به البعض يتسبب بتلوث بيئي. اما المخلفات العضوية مثل بقايا الاطعمة فالافضل بداية توعية المواطنين سواء في بيوتهم او في المناسبات الدينية بضرورة عدم التبذير. وإن نتج مع ذلك من مثل هذه المخلفات فيمكن جمعها مباشرة من مناشئها في اكياس خاصة لمعالجتها وتحويلها الى اسمدة عضوية مثلا. ويمكن لكل من الجهات الصناعية الآنفة ان تنشيء اماكنا خارج المدن لتجميع النفايات والمخلفات الصناعية والمنزلية لتسهيل سحبها منها لاحقا لغرض تدويرها او تسحبها مباشرة من البيوت او اماكن المناسبات الدينية. وذلك بدلا من سحبها من المكبات لتجنب التسبب بانتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة وانعدام النظافة.
وقد بين خبر لموقع العالم الجديد لتشرين الثاني الماضي عن وزارة البيئة ان في العام 2021 خلّف يوميا كل شخص من 1 إلى 1.25 كغم من المخلفات في عموم العراق. بينما تنتج محافظة بغداد يوميا ما بين 8 إلى 10 آلاف طن منها، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا الطعام. وإن النفايات الاعتيادية التي تم رفعها خلال نفس العام تجاوزت 17 مليون طن، تم وضعها في 221 موقعا للطمر الصحي، منها 149 موقعا غير خاضعة للمحددات البيئية.
اعتمادا على هذه الارقام يجب دائما تجنب الميل نحو انشاء مواقع الطمر الصحي. فليس من العملي الاستمرار الى ما لا نهاية بإنشاء مثل هذه كلما تصل المتوفرة منها مثلا الى قدرتها القصوى. إذ نفضل كما اسلفنا سحب المخلفات مباشرة من قبل الجهات الصناعية المتطابقة وتدويرها بنفسها لتجنب النتائج الآنفة او حرقها. كذلك فمع هذه الفوضى وسوء الادارة اللتين نراهما يكون البديل الافضل من تشريع قانون للطمر الصحي، هو تشريع آخر محله لتنظيم سحب المخلفات الصناعية من قبل مؤسساتها المتطابقة لتدوّرها بنفسها. فهذا الاجراء هو ارخص بكثير من فوضى اماكن الطمر سواء المسمى بالصحي او الخاضع للمحددات البيئية، او خلافه. وتدوير المخلفات الصناعية والمنزلية هو ما بدأت بلدان العالم القيام به في سياق العمل على اتباع سياسات الاستدامة بدلا من الحرق للحفاظ على البيئة من التلوث وعلى الموارد الطبيعية من تبذيرها والتفريط بها.
ننتظر الاخذ بهذه الملاحظات والعمل بها.