منذ تفجر الانتفاضة الطالبية في الجامعات الأميركية ، ثمة مئات عشرات الشهادات الحية لطلبة وأساتذة وساسة يهود وثقتها القنوات الفضائية العالمية والعربية في أيام مختلفة من أيام الانتفاضة طلبة الجامعات، وكل تلك الشهادات-بلا استثناء- إذ تستنكر بشدة الإبادة الإسرائيلية بحق أهالي قطاع غزة، ترفض أن تحتكر الدولة العبرية التحدث باسم يهود العالم أجمع، وخصوصاً حينما يجري الحديث باسمهم لتبرير جرائم الإبادة بما لحق باليهود في "الهولوكوست" والتي ابتذلتها الدعايتان الإسرائيلية والأميركية والغربية أيما ابتذال، وما فتئت تجترهما منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، ومثلها إشهار الاتهام تجاه صاحب أي موقف مناوئ للجرائم الإسرائيلية بأنه "معاد للسامية"! وهنا بالضبط مكمن حالة الفزع والهستيريا التي تنتاب حالياً حكام إسرائيل والطبقة الحاكمة وكبار حلفائها من الدول الغربي، وذلك لما تنطوي عليه انتفاضتهم من يقظة في الوعي والضمير تقوّض احتكار الإعلام الإسرائيلي والغربي للسردية التي يُراد منها منه تضليل عقول الملايين من الشعوب الغربية وفرضها عليها لأطول أجل ممكن بلا منازع، بمعنى لا وجود للتعددية الثقافية والسياسية لليهود في العالم، وأن إسرائيل هي الناطق الوحيد باسم يهود العالم أجمع. ولا شك فيه أن هذه اليقظة غير المسبوقة تاريخياً لها أبعاد ونتائج في منتهى الخطورة على مستقبل دولة الكيان الصهيوني في فلسطين العربية.
سنكتفي هنا بثلاث شهادات لساسة وفنانين يهود وسنستبعد شهادات الطلبة اليهود الذين شاركوا في الانتفاضة الطالبية:
الأولى: وهي للمرشح الرئاسي الأميركي اليهودي السناتور بوني ساندرز الذي بالرغم من فقده معظم أفراد أسرته في" الهولوكوست" إلا أنه رفض بحزم وصف كل من يدين "الهولوكوست" الحالية التي ترتكبها إسرائيل بحق غزة بمعاداة السامية.
الثانية: وقد أدلت بها الناشطة الحقوقية اليهودية الأميركية سوزان بنجامين المعروفة بجرأتها وثباتها على مواقفها المبدئية في نصرة القضية الفلسطينية، وكان آخر موقف لها صرختها المدوية في وجه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أثناء كلمة له داخل الكونجرس، قائلة بصوت عال: إن ما تعرضت له من طريقة اعتقال مخزية لا شيء قياساً لدعمكم لجريمة الإبادة في غزة.
الشهادة الثالثة: وتتمثل في لقاء أُجري مع المخرج اليهودي الأميركي، إيرلين أكسلمان والذي عمل مع زميله وسام إيلرتسن على مدى سبع سنوات في صنع وإخراج واحداً من أخطر الأفلام الوثائقية داخل الولايات المتحدة لعام 2023، إن لم يكن الأخطر على الإطلاق، ويتناول الفيلم الذي جاء بعنوان" العقيدة الإسرائيلية" قصة ما تلقاه شابان يهوديان أميركيان من تلقين منهجي لرضع العقيدة الصهيونية منذ طفولتهما للولاء الأعمى المقدس للدولة الصهيونية، وصولاً لصحوتهما على الحقيقة التي زلزلت قناعاتهما حول تلك المسلمات التي كانت راسخة لديهم تجاه الدولة المقدسة، وجاء هذا التحول في ضوء المناقشات المتفجرة والدائرة في المجتمع الأميركي فيما يتعلق بجوهر الأيديولوجية العنصرية الصهيونية والتي أدانتها الأمم المتحدة 1975 بهذه الصفة، وما فتئت تمارسها الشعب الفلسطيني بزعم أنه شعب بلا أرض وبلا قضية. ويؤكد المخرج ِأكسلمان بأن " 40 بالمائة من اليهود دون سن الأربعين يصنفون إسرائيل بأنها ترتكب جرائم" وأن مئات الألوف من اليهود إنما تشكلت صحوتهم الجديدة على حقيقة مظلومية الشعب الفلسطيني وما ترتكبه إسرائيل بحقه من جرائم، وهذه الصحوة إنما جاءت بفضل "السوشيال ميدياً"، مضيفاً بأن "ما يحدث بحق الفلسطينيين مروع " ونرفض أن يُرتكب باسمنا.