في نيسان العام الماضي علمنا من خبر على موقع الترا عراق عن نية العتبة العلوية تهديم مبنى تراثي في احد احياء مدينة النجف القديمة اسمه سوق الحويش عمره يقارب الخمسة قرون، بهدف توسعة مرقد الإمام علي. إذ باحتوائه على مصادر علمية وتاريخية وثقافية كبيرة ومتنوعة وجوامع وحسينيات يعتبر هذا المبنى مركز الثقافة في المدينة، وحيث يؤمه الكثيرون لشراء آخر الاصدارات الثقافية. ويعتبره البعض المرادف لشارع المتنبي الثقافي في بغداد.
وقد توصلت العتبة الى استملاك معظم المناطق الواقعة شرق وشمال المرقد حيث اكتملت التوسعة فيهما. وهذه المناطق تحتوي على بيوت ومباني النجف القديمة. ولم تبقى إلا الجهة الغربية التي تحتوي على سوق الحويش التراثي. فهذه قد بقي فيها ايضا من ما زال لسبب او لآخر من يرفض البيع. ويقول مسؤول اعلام العتبة ابو الحسن محيي الدين بان العتبة قادرة على استملاك أية قطعة أرض أو مكان تريده بالطرق القانونية والرضائية، كما تعمل بشكل متواصل ومتعاون مع الحكومة المحلية بقطاع المشاريع. ويقول رجل الدين اشرف محمد الساعدي بان "المجتمع لا يحتاج إلى السوق بمكانته التراثية لكنه يحتاج إلى توسعة الصحن الحيدري بشكل أكبر".
وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلًا واعتراضات واسعة ضد عزم العتبة العلوية هدم سوق الحويش التراثي في محافظة النجف. ورأى مدونون ومثقفون ان محاولة هدم سوق الحويش يأتي ضمن إهمال الأماكن التراثية والثقافية في العراق من قبل السلطات السياسية والدينية عمومًا.
وقد توصلنا الى معرفة بعض التفاصيل الاخرى حول الموضوع من خلال التواصل مع الناشط النجفي فارس حرّام. فهذا الناشط كان حسب اخبار العام الماضي يقوم بالتفاوض مع العتبة للابقاء على مبنى سوق الحويش الثقافي والاثري. وقد اوضح لنا الناشط بان العتبة العلوية قد أخبرت أصحاب المحال فيه انها ستبني لهم سوق كتب جديد خارج حدود المدينة القديمة، وإن الكثير منهم صدقوها. ويقول بانه يتمنى أن تكون العتبة في هذا الوعد صادقة. ولم نفهم منه سبب انعدام ثقته بالعتبة. واضاف الناشط بانه منذ اندلاع الأزمة كانت العتبة مصرة على هدم سوق الحويش. وقد اصبحت المالك الشرعي للدكاكين والبيوت الكائنة في الحي الذي يقع فيه المبنى بعدما استملكتها بمبالغ كبيرة دفعتها لأصحابها. فإذا تم الهدم فعلاً من دون إنشاء سوق كتب جديد في نفس مكان الحويش وليس خارج حدود المدينة القديمة كما تعد العتبة فسيكون ذلك خسارة فادحة لتراث الكتاب في النجف، وسيعني ذلك أن العتبة أخذت ضوءاً أخضر في حينها من المرجعية في الهدم وعدم بناء سوق جديد في نفس المكان.
من كلام الناشط يتبدى لنا من ان لا علم له بوجود قوانين تحكم البلد. لذلك نذكّر نحن من يكون قد حاول استغفال الجميع بان الآثار والمباني التراثية في العراق تقع كلها تحت طائلة قانون الآثار والتراث رقم (55) لسنة 2001. إذ تقول المادة (1/ اولا) منه في تعريف هذا القانون بانه يهدف الى (الحفاظ على الآثار والتراث في جمهورية العراق باعتبارهما من اهم الثروات الوطنية). والمادة (2/ ثالثا) تقول باعتماد السلطة الاثرية لتحقيق اهداف هذا القانون على (صيانة الآثار والتراث والمواقع التاريخية من التلف والضرر والاضمحلال). وتقول المادة (3/ اولا) بانه (يمنع التصرف بالآثار والتراث والمواقع التاريخية الا وفق احكام هذا القانون). والمادة (6/ اولا) تقول بان (للسلطة الاثرية ان تستملك العقارات التي تضم آثارا وفق احكام قانون الاستملاك المرقم بـ 12 لسنة 1981 بغض النظر عن قيمة الآثار الموجودة في العقار عند تقدير بدل الاستملاك). ونرى بوجوب قراءة القانون باكمله من قبل الجميع. ففيه الكثير مما يتوجب معرفته.
لذلك نسأل لماذا لم نرى من لدن العتبة العلوية اية اشارة الى القانون الآنف حيث تجاهلت ذكره تماما، وبدلا منه تتكلم بمنتهى الثقة بقدرتها على استملاك أية قطعة أرض أو مكان تريده !! ما هذا التجاوز الفج على القانون من قبل ادارة العتبة هذه ؟ كذلك فهي تذكر دائما بان عملها يجري وفق القانون دون ان تذكره بالاسم. ربما كانت تقصد قانون ادارة العتبات الذي صدر العام 2005. وهو قانون فوضوي واضح انه قد جرى تشريعه بعجالة ربما من قبل جهلاء بالتشريع او ربما كان الامر متعمدا حيث لم يذكر قانون الآثار والتراث اعلاه فيه ولو بكلمة ولم يشر اليه، وحيث ترى النتيجة في كون القانون الاول غامضا ومتضاربا مع الثاني. في هذا الاخير توجد المادة (3/ اولا) التي تقول بشكل سريع وشديد العمومية عن توسعة المراقد ولم توضح كيف حيث لم تذكر كلمة الاستملاك مطلقا، ولا إن وجدت مبان اثرية او إن ظهرت اعتراضات على اية توسعة مثلما نرى في الاخبار اعلاه. قطعا قد تصورت العتبة ومشرعيها وقتها بان المال الوفير كفيل بتسهيل اية اعتراضات او مشاكل، وهو ما اثبتته هذه الايام من كونه منتهى السذاجة. كذلك نسأل اين هم المسؤولون المذكورون في قانون الآثار الآنف ولماذا هم متوارون عن الانظار حيث تركوا الميدان تماما لادارة العتبة ؟ هؤلاء من ضمنهم دائرة آثار وتراث النجف والحكومة المحلية وعلى رأسهم وزير الثقافة يكونون بهذا متواطؤون مع العتبة في التجاوز على القانون ويكونون جميعا قد حنثوا هم ورئيس حكومة النظام باليمين الدستورية. ويكونون على هذا ممن يتوجب احالتهم جميعا الى القضاء لمحاسبتهم.
إن تصرف ادارة العتبة يشير الى انها لا تقيم وزنا للثقافة ولا لتاريخ مدينة النجف الثقافي وربما تتعمد محاربته. وبحجة توافرها على الاموال الطائلة لن يهمها تدمير مواقعا تراثية وثقافية بحجة خدمة زوارها. وما حصل حتى الآن في النجف من استملاك وهدم لاحيائها القديمة يدل الى ان مالكي دكاكينها وبيوتها الذين وافقوا على بيعها لا يعرفون قيمتها الثقافية بالنسبة لباقي سكان المدينة.
في الختام نقول باننا نتفق مع الناشط فارس حرّام في قوله بان تهديم وازالة مبنى اثري مرتبط بالنجف وبالثقافة النجفية هو خسارة فادحة لتراث الكتاب في النجف. ولهذا السبب نقول ايضا بوجوب الوقوف بوجه هذا التجاوز على القانون. ونرى ايضا بوجوب تعليق العمل بقانون ادارة العتبات الآنف ريثما تحل الاشكالات التي فيه وحيث لابد في اي قانون من تجنب اطلاق ايادي جهات غير منتخبة من كل العراقيين وتمثل هويات فرعية، في حرية التصرف بآثار وتاريخ البلد ومحاولات تغيير طابع وتاريخ مدنه.