لا يخفى كيف ومتى أسس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وكيف أجيز رسميا بعد إقرار قانون الأحزاب والجمعيات عام 1959، وبعده بعام 1960 أجيزت جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين ، ومن حينها اخذ اتحاد الأدباء والكتاب الصبغة اليسارية وجمعية المؤلفين الصبغة القومية، والكثير يعرف من ترأس اتحاد الأدباء والكتاب بدءاً من التأسيس وليومنا هذا، وعدد من حصل على هوية الاتحاد آنذاك لا يتجاوز ال 100 شاعر واديب ان لم أبالغ في العدد المذكور ، ويشير الاستاذ علي الفواز رئيس الاتحاد الحالي في كلمة له ان عدد الأعضاء آنذاك 75 عضوا، ومن الجدير ذكره ان الاتحاد العام للأدباء والكتاب لم يفتتح له أي فرع في المحافظات العراقية ، وبدأ افتتاح الفروع منتصف ثمانينات القرن الماضي، والسؤال الذي يتبادر هو ماذا قدم الاتحاد لأعضائه حينها ؟، ربما سيقال ان رئيس الاتحاد الجواهري الكبير قدم الكثير للأدباء وطبع الكتب على نفقة الاتحاد ، والواقع غير ذلك، وربما يوردُ مثلا ان الاتحاد قدم مبلغا من المال لمعالجة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، والحقيقة غير ذلك، يروي الشقيق الأصغر للراحل السياب (مصطفى السياب) أن أخاه صديق لوزير الصحة آنذاك (عبد اللطيف الشواف) الذي تحدث مع طيب الذكر الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم ليساعد السياب ماليا لأنه في محنة المرض ، فقال له قاسم السياب يستحق المساعدة رغم ان رأيه بحذائه البالي افضل من عبدالكريم قاسم ، وكما تحدث السياب لصباغ الاحذية ، ومع ذلك أمر له ب 250 و برواية أخرى 500 دينار عراقي سلمها له في بيروت الملحق العسكري (الزعيم غانم إسماعيل) بإيعاز من مدير الاستخبارات العسكرية العقيد (محسن الرفيعي) معها باقة ورد ، ويزعَم أن سبب رفض الشهيد عبدالكريم قاسم هو قصيدة (قميص الدم) التي كتبها السياب منتقدا بل هاجيا الزعيم قاسم وسلوكه الشخصي ، وبعد أن استلم السياب المبلغ المالي كتب قصيدة يمدح فيها الزعيم قاسم، - القصيدتان موجودتان على الإنترنت لمن يرغب بذلك - ، واورد ذلك الكثير من الباحثين ومنهم (جاسم المطير)، وينفي نجل الشاعر الكبير السياب (غيلان بدر) هذه الرواية في مقال له نشر في جريدة الصباح ومواقع غيرها كثيرة.
بعد عام 1968 وحقبة الطاغية المقبور صدام حسين عُسكرت كل الدولة العراقية ووصلت عدوى ذلك النقابات والاتحادات والتجمعات الثقافية وغيرها ، ولا اخوض بذلك لأنه من المسلمات، فلا غرابة ان تجد رئيس الاتحاد وامينه العام والبعض من أعضاء المجلس المركزي والتنفيذي يرتدون الملابس الزيتونية ويحملون المسدسات، ولم تك النشاطات الثقافية إلا اماسي تقام في مقر الاتحاد حصرا.
عام 1971 وبإيعاز وتمويل من وزارة الثقافة والاعلام العراقية أقيم اول مهرجان للمربد، وغاية المهرجان هي التأسيس لتمجيد الطاغية المقبور وحزبه المجتث، وفعلا أخذ مهرجان المربد صداه ومداه الواسع عربيا ناهيك عن فرحة العراقيين والمثقفين بقدوم قامات ثقافية عربية بارزة ، واوكلت مهمة اختيار الشعراء العرب لوزارة الثقافة وربما يستأنس برأي الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لاختيار المدعوين العرب ، واغدقت الحكومة العراقية حينها على ضيوف المهرجان وحجزت لهم أفخم الفنادق في بغداد، ويلاحظ في المرابد التي أقيمت فترة الحرب القاسية مع أيران تكريس غالبية القصائد لتأجيج نيران الفتنة التي كان وقودها الشباب العراقي والإيراني على حد سواء ، والمدح والثناء لقائد الحرب الضرورة كما يرون .
عام 2003 سقط نظام الطاغية المقبور واحتُل العراق من قبل الغزاة الأمريكان، وكانت بناية الاتحاد وعلى تواضعها مطمع الكثير من أحزاب السلطة وغيرهم من الناس الذين وجدوا انهم بالإمكان ان يحولوه لمجمع سكني يستغله ضعاف النفوس، طالما ان السلطة العراقية مغيبة، وموقع الاتحاد له خصوصية مائزة ، ولا ننسى الإرادة الأمريكية التي تسعى لخلق الفوضى. بنفس العام 2003 تطوع نفر من المثقفين للحفاظ على مبنى الاتحاد، بل ويفكرون إعادة النشاط الثقافي وديمومته، وشكلت هيئة تحضيرية لذلك، - لاحقا اتناول هذه الحيثيات وبالدليل والوثائق واللقاء مع شخوص تلك الثلة الخيرة -، ولا ننسى الظرف في تلك الأيام والقوات الأمريكية تشيع الخراب في البلاد، وفرض حظر التجوال ، وصعوبة التنقل داخل المدينة الواحدة، بل داخل الحي السكني الواحد. ما حدث في بغداد حدث ما يشبهه في فروع الاتحاد من ناحية الفوضى ودخول الطارئين، والفارق بين المركز والفروع هو استطاعت الفروع لملمة الأمر وانتخاب هيئات إدارية جديدة لممارسة النشاط الثقافي ، يستثنى من ذلك إقليم كردستان .
عام 2004 انتخبت هيئة إدارية جديدة ، وبدأت نشاطات الاتحاد التي تقام على قاعته داخل الاتحاد ، ومهرجان الجواهري ، ومهرجان المتنبي ، ومهرجان المربد الذي نقلت فعالياته من بغداد إلى البصرة واقيم اول مهرجان للمربد البصري عام 2004، بإمكانيات تعد متواضعة نسبيا قياسا مع المرابد السابقة.
لا انهي موضوعتي قبل أن أتوجه بسؤال بريء واقول، هل كان بإمكان اي مثقف يجد في نفسه الأهلية الحقيقية لرئاسة الاتحاد ان يرشح نفسه دون أن يُرشح من قبل الحزب المجتث؟، وهل كان عضو الاتحاد آنذاك ومهما كانت صفته الثقافية، ودرجته العلمية ان يعترض على (لؤي حقي) مثلا ويخطئه فيما يتصرف؟، سقط صنم الدكتاتورية وتنعم العراقيون بالديمقراطية ، حتى وإن كانت غير الطموح الذي رسمناه بمخيلنا في حياتنا العامة ، ولكن في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق يختلف الأمر كثيرا، المثقفون الطليعة الحضارية للوطن، ويعرفون كيف يمارسون ديمقراطيتهم ومن هذا الباب أعلن عن فتح باب الترشيح لقيادة الاتحاد وأعني بعد التغيير تحديدا، ولو رجعنا لأول انتخابات أقيمت في العام 2004 ودققنا بأسماء المرشحين لوجدنا التيار الإسلامي وكذلك التيار القومي وتيار اليسار، وهكذا افرزت الانتخابات اسماء كبيرة راكزه في الثقافة العراقية، فاضل ثامر، المرحوم الفريد سمعان، وعلينا طالما جاء ذكر الفريد سمعان ان نذكره بكل خير لأنه استطاع الحفاظ على ممتلكات الاتحاد، وعمل دون كلل في توحيد كلمة المثقفين بصرامته المعهودة. وحين ننظر ما كان من عمل ثقافي نجده لا يتعدى عن اقامة الاماسي وبعض المهرجانات داخل حدود الوطن، ولا ننسى كيف تعاملت اتحادات الكتاب العرب مع اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، بل وجمدت عضويته وكأنهم يريدون من اتحاد العراق ان يرفع سيفه ليقاتل المحتل، وهذا ما فعله الاتحاد من خلال شعراءه وكتابه بقصائدهم وكتاباتهم الرافضة والمنددة بالمحتل وسلوك بعض أحزاب السلطة ، في هذا الحين برز اسم الراحل الشاعر إبراهيم الخياط كناطق اعلامي وعضو في المكتب التنفيذي الذي استطاع بدماثة خلقه ، وتأريخه السياسي المناهض للدكتاتورية ان يحظى بصداقة جميع المثقفين، بل وتعالى الراحل عن المنصب الذي شغله كمدير عام في وزارة الثقافة وقدم استقالته بعد أن انيط استيزارها لضابط شرطة حسب الاستحقاقات الحزبية الطائفية المقيتة، وبوجوده تلك الحقبة وأعني الخياط رحمه الله بدأ الاتحاد بتغيير سيرته ومسيرته، شغل الراحل الخياط الأمانة العامة للاتحاد دورتين انتخابيتين ، بعد أن حصد من الأصوات الكثير الكثير فاق جميع المرشحين أهلته لمنصبه بجدارة مطلقة، وبرز معه أيضا اسماء مثقفين لم يشغلوا مناصب إدارية سابقا، ومثلا لذلك الدكتور عارف الساعدي، الدكتور عمر السراي، القاص حنون مجيد، الشاعر جبار الكواز، الشاعر عبد السادة البصري ، الباحث ناجح المعموري ، الأستاذ جمال الهاشمي ، الناقد فاضل ثامر ، الناقد علي الفواز ، الدكتور عمران الخياط وغيرهم .
اب عام 2019 رحل الشاعر الخياط لرب رحيم بحادث مؤسف وهو يؤدي واجبا ثقافيا، لم تتوقف مسيرة الاتحاد بل أجزم ان المكتب التنفيذي سار متلمسا الطريق الذي سلكه الراحل الخياط.
ماذا نريد من الهيئة الإدارية للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق؟ هل من صلب واجباته الثقافية ان يتفقد ويتابع ويزور أعضاءه في بغداد وكذلك في المحافظات العراقية؟، وهل من واجب الاتحاد مراجعة وزارة الثقافة من أجل ما يسمى منحة الإبداع؟ وهل من الواجب الثقافي للاتحاد المراجعة للوزارات المعنية للحصول على قطع الأراضي لأعضائه؟ وهل من الواجب الثقافي للاتحاد الحصول على المنح لتطبيب أعضاء الاتحاد، او الحصول على بطاقات السفر بسعر مخفض؟ وهل على الاتحاد ان يكون الند السياسي لنهج الدولة؟ ، او يكون ابنها المدلل؟ ، او لا هذا ولا ذاك بل يكون في موقع معتدل دون المساس بحرية التعبير، وحرية المواقف؟ وهل على رئيس الاتحاد وامينه العام وأعضاء التنفيذي والمركزي ترك تربية أولادهم ، ومتابعة أمور عوائلهم من أجل الحصول على المكاسب التي ذكرت أعلاه؟ ، شخصيا اترأس (جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي) المجازة من قبل منظمات المجتمع المدني ومنذ العام 2009 واجد ان واجباتي تنحصر في الشأن الثقافي لا غير، ووجدت هناك من يعيب على المثقفين شغل المناصب الإدارية والثقافية وغيرها داخل المؤسسة الحكومية، اقول له ولغيره ان المثقف حين يوضع في مكانه الطبيعي يكون أكثر انتاجا للثقافة، ناهيك من انه يكون الدريئة والعون في وقت نحن بأمس الحاجة لذلك، ونأخذ مثلا لذلك وجود الشاعر الدكتور (عارف الساعدي) المستشار الثقافي لدولة رئيس الوزراء المهندس (محمد شياع السوداني) ، الحديث بهذا المجال يحتاج للوقوف عنده طويلا لدراسة المعطيات التي تفرز لصالح الاتحاد.
ربما يتصور البعض ان موضوعتي هي كيل من المديح مدفوع الثمن لصالح الاتحاد، لا ليس الأمر كذلك نعم توجد ملاحظات على المكتب التنفيذي مراجعتها ، وأن ينظر بعين البصيرة لما يطرحه الأدباء من نقود غايتها البناء لا الهدم والتخريب ، وشخصيا اطمح ان نصل باتحادنا لدرجة الكمال في كل شيء، اداريا، ثقافيا، اجتماعيا، جماهيريا، وإن يكون اسم الاتحاد علامة بارزة في عمله الثقافي عربيا وعالميا، ويكون لكلمته الثقل الثقافي الفاعل عند الدولة العراقية وما ذلك ببعيد لو دعمنا اتحادنا ونقدم له النصح ليكون كما نشتهي ذلك جميعا وليس الأمر معقد وبعيد.