الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في ذكرى عالم \"عصور ما قبل التاريخ\" الدكتور غانم وحيدة
بقلم : د حسين الهنداوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مرت مؤخرا الذكرى الرابعة لوفاة عالم الآثار العراقي الدكتور غانم وحيدة احد كبار الخبراء المتخصصين بدراسة عصور ما قبل التاريخ في العالم العربي والعالم والأستاذ سابقا في معهد الدراسات الاثرية بجامعة كامبرج البريطانية، والذي ربطتني به علاقة صداقة وتلمذة خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي حيث كان يطل علينا بطلعته الوديعة السمحة حاملا مسودة مقاله العلمي الرائع دائما للنشر في وكالة انباء يونايتد بريس العالمية وحيث كنت رئيس تحرير القسم العربي بلندن لسنوات تسع.

كما عمل الدكتور غانم وحيدة أستاذا في قسم الآثار بجامعة الملك سعود في الرياض، ورئيسا للفريق الدولي المكلف باكتشاف الآثار العائدة إلى العصر الحجري القديم الأوسط في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي، وهي عبارة عن"لباب وشظايا" من حجر الصوان تم تشذيبها وتهذيبها لتكون مصدرا لتصنيع آلات أكثر دقة، واللباب هي من نوع الصناعة "الليفولوازية" التي بدأ الإنسان القديم يمارسها منذ أيام العصر الحجري القديم.

وذكر الدكتور غانم وحيدة في دراسة قام بها وفريق من جامعة كامبرج البريطانية فإن هذه الآلات ترجع إلى العصر الحجري القديم الأوسط ويقدر عمرها ما بين 35 الى 150 الف عام. خبير متخص بعصور ما قبل التاريخ مشيرا الى انه تم العثور على فأس يدوية من الحجر تشير طريقة صناعتها إلى فترة أقدم مما كان يعتقد ما قد تدفع بتاريخ المنطقة القديم إلى أكثر من 150 ألف عام.

من جانبه اعلن مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث محمد خلف المزروعي في حينه عن اكتشاف موقعين أثريين جديدين في المنطقة الغربية من منطقة أبوظبي يرجع تاريخهما إلى العصر الحجري القديم الأوسط مشيرا الى أن الفريق الذي يفوده الدكتور وحيدة قام بجمع عدد كبير من الادوات من هذين الموقعين منها أدوات قرصية الشكل مصنوعة من حجر الصوان المحلي من نوع الصناعة " الليفولوازية " التي بدأ الإنسان القديم يمارسها منذ العصر الحجري القديم.. وإحدى استخدامات هذه الأدوات تكسير عظام الحيوانات التي كان الإنسان القديم يصطادها ويعتمد في غذائه عليها قبل عشرات الآلاف من السنين من اهتدائه للزراعة.

ووفقا للدراسة التي قدمها الفريق، فقد تميز الموقع بوجود صناعة حجرية متقدمة اشتملت على الفؤوس الحجرية والشظايا الكبيرة، كما هو معروف في قارة أفريقيا، وفي ظل ظروف مناخية معتدلة. كما كشفت النتائج تنوعاً في سلوك الإنسان في العالم القديم وما واجه أسلافه من عوائق في الطبيعة أثناء هجرتهم من إفريقيا وانتشارهم خارجها، كما أن بعض الدراسات الحديثة التي تعتمد على المكتشفات الأثرية ترجح أن بداية الإنسان كانت في جنوب غرب آسيا.

وكان التعرف على مثل تلك اللباب تم منذ في القرن التاسع عشر في منطقة "ليفولوا" قرب باريس في فرنسا ولذا أطلق عليها تلك التسمية، ومنذ ذلك الحين تم اكتشاف آثار تلك الصناعة في أماكن كثيرة من أوروبا وأفريقيا وآسيا حيث تأكد أنها تغطي حقبة طويلة من عمر البشرية ولكنها ترتبط في منطقتنا بإنسان النياندرتال.

وفي عام 2018 نشرت مجلة التقارير العلمية (وهي أحد مطبوعات مجلة الطبيعة Nature Scientific Reports) دراسة تناولت انتشار الجماعات الآشولية في الجزيرة العربية، أشارت فيها إلى أن الحضارة الآشولية تعتبر أطول الفترات الحضارية التي عرفتها الجماعات البشرية. وركزت الدراسة التي بدأت في سنة 2014 على إعادة تقييم للمواقع المدروسة وطبقاتها الأثرية باستخدام تقنيات حديثة من قبل خبراء في دراسات ما قبل التاريخ والبيئة القديمة، وقد أثبتت الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها لتأريخ موقع يعود للحضارة الآشولية باستخدام طرق التأريخ العلمية، أهمية موقع صفاقة الأثري بمحافظة الدوادمي ووجود دلالات للجماعات الآشولية قبل حوالي 200 ألف سنة مضت؛ وهو ما يعد دليلاً على ان أحدث المواقع الآشولية يقع في جنوب غرب آسيا.

وكانت أولى الدراسات العلمية التي تمت في موقع صفاقة، في الثمانينات الميلادية بإشراف ادارة الآثار والمتاحف آنذاك، وقام بها البروفيسور نورمان ويلن من جامعة ولاية تكساس الأميركية وعدد من الباحثين العراقيين والعرب، وبمشاركة علمية من قسم الآثار بجامعة الملك سعود، ممثلة بالدكتور غانم وحيدة، وتم خلالها تحديد عمر الأدوات الحجرية بالموقع لحدود 200 ألف سنة مضت، من خلال التاريخ بواسطة اليورانيوم-ثوريوم، التي لم تكن دقيقة بشكل كافٍ، تبعاً للإمكانات العلمية المتوفرة آنذاك.

وعمل الدكتور وحيدة لسنوات طويلة في اعمال التنقيب عن الآثار في العراق ومنها مشاركته عام 1967 في التنقيبات الكبيرة التي جرت في تل الصون، وهو موقع أثري على الضفة الشرقية لنهر دجلة، جنوب سامراء، بدأت اعمال التنقيب فيه من قبل بعثات عراقية منذ ستينات القرن العشرين، وكشفت عن قرية متطورة من العصر الحجري الحديث، وهي عبارة عن مستوطنة محميّة بخندق مزدوج، يليه سور دفاعي مزود ببوابات، مداخلها منحنية ليسهل الدفاع عنها، وهذه التحصينات هي الأقدم من نوعها في الشرق القديم، فيما أظهرت الدراسات المناخية للجزيرة العربية التي اشرف عليها الدكتور غنيمة وجود مناخ مطير في منطقة وسط الجزيرة العربية من 240 إلى 190 ألف سنة مضت، وكذلك من 130 إلى 75 ألف سنة مضت، وهذا أدى بدوره إلى وجود شبكات متعددة من الأنهار والأودية وكثافة نباتية ساهمت في تحسين الظروف المعيشية للجماعات البشرية، وقد أسهم ذلك في أن يصبح موقع صفاقة أكبر موقع آشولي في الجزيرة العربية، خاصة وأنه يقع في نقطة اتصال بين روافد وادي الباطن ووادي السهباء.

كما أظهرت احتواء موقع صفاقة على سبع طبقات أثرية، احتوى بعضها على أدوات حجرية آشولية مصنوعة من أحجار الاندسايت والرايوليت، واحتوت إحدى الطبقات على أدوات حجرية موجودة في مكانها الأصلي، ولم تتأثر بعوامل التعرية الطبيعية.

وأكدت الدراسة أن التشابه في صفات الأدوات الحجرية بين موقع صفاقة وعدد من المواقع الآشولية غير المؤرخة في الجزيرة العربية يشير إلى وجودها في فترة زمنية متقاربة، وتحديداً موقعي وادي فاطمة وجبة فيما أظهرت الدراسة المقارنة وجود تشابه كبير بين الصناعة الحجرية في موقع صفاقة مع مواقع آشولية متأخرة في اثيوبيا بشرق أفريقيا، على عكس المواقع الآشولية في منطقة بلاد الشام

وأظهرت الدراسات المناخية للجزيرة العربية التي ساهم فيها الدكتور غنيمة وجود مناخ مطير في منطقة وسط الجزيرة العربية من 240 إلى 190 ألف سنة مضت، وكذلك من 130 إلى 75 ألف سنة مضت، وهذا أدى بدوره إلى وجود شبكات متعددة من الأنهار والأودية وكثافة نباتية ساهمت في تحسين الظروف المعيشية للجماعات البشرية، وقد أسهم ذلك في أن يصبح موقع صفاقة أكبر موقع آشولي في الجزيرة العربية، خاصة وأنه يقع في نقطة اتصال بين روافد وادي الباطن ووادي السهباء.

كما كشفت عن احتواء الموقع على سبع طبقات أثرية، احتوى بعضها على أدوات حجرية آشولية مصنوعة من أحجار الاندسايت والرايوليت، واحتوت إحدى الطبقات على أدوات حجرية موجودة في مكانها الأصلي، ولم تتأثر بعوامل التعرية الطبيعية.

وأكدت الدراسة أن التشابه في صفات الأدوات الحجرية بين موقع صفاقة وعدد من المواقع الآشولية غير المؤرخة في الجزيرة العربية يشير إلى وجودها في فترة زمنية متقاربة، وتحديداً موقعي وادي فاطمة وجبة فيما أظهرت الدراسة المقارنة وجود تشابه كبير بين الصناعة الحجرية في موقع صفاقة مع مواقع آشولية متأخرة في اثيوبيا بشرق أفريقيا، على عكس المواقع الآشولية في منطقة بلاد الشام.

وإذ ندعو الى حفظ وتجميع وإعادة نشر الدراسات الكثيرة التي انجزها للدكتور غانم وحيدة نشير الى عدة دراسات كثيرة متوفرة احداها بالانكليزية بعنوان "الأحافير في العصر الحجري الأوسط في جبل براكة قرب امارة أبو ظبي" وعموم بيئة شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة. واخرى بالعربية حول "التقنية الحجرية في عصور ما قبل التاريخ" تتناول الأساليب الرئيسية التي استخدمها الاسلاف في تشظية آلاتهم الحجرية منذ أن بدأت عملية التشظية حتى تحويلها إلى آلات متنوعة بحسب وظائفها المطلوبة والتي تطورت نحو الأحسن والأمثل كلما تقدمنا في الزمن. كما تكشف أن بشر ما قبل التاريخ صنعوا أدوات حجرية مرات عدة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 09-09-2024     عدد القراء :  525       عدد التعليقات : 0