الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يطالب الشعب بالتغيير .. ويسعى البرلمان للتبديل التعسفي

   هنالك مثل شعبي يقول (العافية بالتداريج) ويعني بمراحل .. هكذا درج الساعون على ايقاف بناء الدولة الديمقراطية، وتأسيس دولة دينية بديلة، سالكون طريقهم برسم خارطة الوصول الى هدفهم عبر قضم القوانين التي تنطوي على قواعد ديمقراطية. بالتزامن مع تصعيد المناخ " الروحاني " بزج عدد كبير من رجال معممين للتهجم على القوى المدنية، وللاسف الشديد تكلموا بلغة سوقية لاتليق بمن يرتدي العمامة. وصاروا يمارسون تاجيج الكراهية الصادمة منذ اغتيال انتفاضة تشرين الباسلة على وجه التحديد، فحواها طرح قوانين لها اثر كبير على حياة الناس الاجتماعية، مثلاً وليس حصراً " القانون الجعفري " الذي كان مولوداً من رحم مفهوم المكونات المفتت للوحدة المجتمعية. فهو كان ولا زال يشكل الممهد والفاعل الطائفي لتمزيق وحدة الشعب العراقي. مما انتج صراعاً طائفياً ساخناً راح ضحيته الالاف من القتلى على الهوية. مستغرقاً ردحاً من الزمن، قبل ان يسقطه وعي الناس والاخوة الرصينة بين مختلف فئات الشعب العراقي.

   وتواصل هذا السياق بعجرفة مسلحة بالغة الخطورة من قبل القلة الحاكمة، على نمط المماحكة المذهبية، متجاوزاً وعابراً للحدود الدستورية، يصاحبه الازدراء بارادة الاغلبية من المواطنين، متمخضاً عن هدم متواصل لجرف ما سميت بالديمقراطية وتهديم السد الوطني، على غرار ذلك الفأر الصغير الذي هدم سد مأرب الكبير.. بادئاً بثقب صغير.. وهنا يلاحظ بالعودة الى التعسف بقانون الاحوال الشخصية، هذه المرتبة الاجتماعية الاكثر حساسية وخطورة، علماً لم يشتك منها احد من العراقيين منذ خمسة وستين عاماً لعمر القانون ، والمتعلقة اساساً برصف الناس على رصيف المواطنة الرصين. وذلك سعياً اصحاب التعديل لغاية اظهار ملامح "المشروع الاسلامي" طغياً بالحكم وبغفلة ضياع التوازن البرلماني الحاصل، الذي برز على اثر انسحاب التيارالصدري .

   تلزمنا المخاطر المتوقعة جراء ما اقدم عليه البرلمان ذو الطبعة الفريدة، اذ عجز عن انتخاب رئيساً له منذ عشرة اشهر، علماً انه يخلو من المعارضة، بيد انه سرع بتعديل جائر على قانون 188 لسنة 1959 ، ولا غرابة اليوم ازاء ما طرح من ذات الجهة الحاكمة بشبه بلاغ وعلى لسان السيد " المالكي " بقوله (ان الاحزاب هي السلطة الرابعة) ويقصد احزابهم الحاكمة، اذ انه كان يوحي قطعاً باعلانه الزحف حتى على الاعراف التي ارست تعريفة اقدم من زمن اباحة التجاوزات على القوانين والاعراف المرعية، بكون الصحافة وبمعنى اوسع الرأي العام هي " السلطة الرابعة " ليغتصبها قولاً اذا جاز هذا التعبير، و يمنحها بما لايملك المتحدث شرعاً الى الاحزاب الحاكمة .!! وخلاصة القول انه يريد التقليل من شأن الرأي العام الذي تساهم الصحاف في صنعه وتفعيل دوره. فهو سلاح جدير باسقاط حكومات وانظمة وقد حصل مثل ذلك عبر التاريخ السياسي العام. والان يقظ مضاجعهم من خلال حملة (تحالف 188)

   بمعنى من المعاني، لا مناص من ان يبدل البرلمان جميع المفاهيم السياسية لخدمة المتنفذين حصراً، وبها الاستحواذ ليس على القوانين فحسب وانما حتى على الاعراف ولي اعناقها. الامر الذي يومئ الى ان السعي متواصل بـ " التداريج " على حد المثل الشعبي، وهو لا يخلو من اظهار التصميم على منهج قطع اي نفس ديمقراطي، كمغالبة مع مطلب الاغلبية بالتغييرالضروري للنظام الذي من ابرز انبثاقاته التعسة، توطين منابر الفساد التي امست لاتعد ولا تحصى، هذا وناهيك عن الفقرالمتقع والبطالة المبددة لعزم الشباب، وتبذيرالكفاءات العلمية وابعادها عن مفاصل الدولة عموماً، فضلاً عن غزو المخدرات الفتّاكة، وهدر السيادة وتعويمها، والتهديد بافلاس الدولة بسبب انخفاض اسعار النفط المخيم شبحه على الابواب.

   وعودة على بدء فان ما طرح في البرلمان حول قانون الاحوال الشخصية كان مغلفاً بمغالطات مدعين اصحاب التعديل بانه من وحي " الشريعة " بغية ان يمرر. ولكنهم اول من تجاوز عليه، حينما حاصرهم الرأي العام المعارض الغاضب، حيث قاموا بتغيير عمر الزواج للقاصرات من تسع سنوات الى اربع عشرسنة، وتعديلات اخرى لا تمت للشريعة بشيء .. حسناً فعلوا من تبديل في مفاهيهم رغم بساطته وهامشيته.. ولكن اين هذا من ادعائهم الالتزام بالشريعة. هل يجوز لهم التلاعب بالشرائع بهذه الصور الجاهلة ؟ . الا يكشف ذلك تخبط وجهل وخداع وتعسف بالقوانين الوضعية والشرائع الموضوعية ؟؟.. متى يرعوي هؤلاء المدعون ؟؟.

  كتب بتأريخ :  الأحد 15-09-2024     عدد القراء :  345       عدد التعليقات : 0