منذ ترسيخ مبدأ المحاصصة الطائفية القومية كوسيلة للحكم بالعراق، فأنّ المساومات بين مثلث الشيطان كانت حاضرة دوما في أروقة ما يسمى بالبرلمان العراقي، وفي غرفه المظلمة. وقد طالت المساومات ملفّات عدّة منها، ملفّ الأقليّات الدينية التي اختارت القوى المتنفذة الهيمنة على مقاعدها البرلمانية على قلّتها، وتوزيعها فيما بينها. وقد لعب ممثلو هذه الأقليّات الدينية دورا كبيرا في بيع مكوّناتهم لهذا الحزب وذاك، مما خلّف أضرارا كبيرة في نسيج هذه المكونات المجتمعي، ووضع أراضيها وقراها تحت رحمة الأحزاب الكبيرة التي ساومت ممثلي هذه الأحزاب الباحثين عن مصالحهم الشخصية، كما ودخلت في مساومات ثنائية فيما بينها لتوزيع الغنائم.
واقتصاديا فأنّ المساومات بين أضلاع مثلث الشيطان، كانت حاضرة دوما من خلال توزيع حصص مشاريع الدولة على أضلاع المثلث، بما يرضي قيادات هذا المثلث الفاسد ويفتح شهيتها لمزيد من المساومات لنهب ثروات البلاد. وقد تعرضّت ميزانية العراق الأخيرة لمساومات قبل إقرارها رغم الكثير من الجدل الذي دار حولها. وقد صرّح نوري المالكي قبل إقرار الميزانية مشيرا ضمنا الى وجود مساومات لإقرارها قائلا: “إذا رأينا هنالك قانوناً آخراً أو توقف في عملية التصويت لتمرير قانون مقابل قانون، فهذا يعني وجود المساومات”. وفي الحقيقة فأنّ إدارة الدولة العراقية ونتيجة تقاطع الرؤى السياسية بين أضلاع مثلث الشيطان ومصالح الأحزاب التي تنتمي لنفس أطراف المثلث، تخضع دوما لمبدأ المساومة والتفاهمات التي تجري بين رؤساء الكتل.
أن التحالف الكردستاني لا يصوّت على أي مشروع قانون يتقدّم به البيت الشيعي دون إجتماعات مكوكية بين أربيل وبغداد، من أجل صياغة تفاهمات ومساومات تحصل فيه أربيل على ما تريد مقابل تصويتها على قوانين تتقدم بها الكتلة الشيعية، والتي غالبا لا تأخذ مصالح شيعة العراق ناهيك عن مصالح شعبنا خارج الإقليم بنظر الاعتبار. والأمر ينطبق أيضا على التحالف الكردستاني. والتحالف السنّي هو الآخر، يحذو حذو الكرد في هذا السبيل. وهذا يعني أنّ هذه القوى الطائفية القومية تلعب بمقدرّات شعبنا ووطننا وفق قانون مساومة غير معلنة رسميا، الّا أنّ العمل به جار على قدم وساق وتحت أنظار شعبنا بأكمله.
المساومة الأخطر من جميع المساومات التي جرت لليوم، هي التي ستجري للتصويت على مشروع قرار تعديل قانون الاحوال الشخصية لعام 1959، هذا المشروع الذي سيكرّس الطائفيّة بالبلاد ويعمل على استعباد المرأة وضياع طفولة القاصرات وتفتيت الأسرة، بمنح أولياء أمورهنّ تزويجهنّ من ساعة ولادتهنّ! ففي هذه السنّ المبكرة وهي ليست وليّ نفسها، لا تستطيع رفض زواجها حينما تبلغ لأنّ وليّ أمرها هو من كانت له الوصاية عليها وهي طفلة ترضع، أو في سن التاسعة هلالية كما يقول الفقه الشيعي والسني! وهنا تنفجر أولى الألغام في المجتمع بعد أن تحاول التحرر من زواج لم تعلن موافقتها عليه، ناهيك عن انتشار الدعارة من خلال تعديل القانون، ومنح رجل الدين السلطة بعقد الزواج المنقطع (المتعة). وعلى الرغم من أنّ المتمتعة عليها أن تقضي عدّتها وهي حيضتين كاملتين وفق رأي السيستاني، فأنّ سبب توجهها لزواج المتعة وهو الفقر في أغلب الأحيان، سيجعلها أن تتجه لرجل دين آخر لإبرام عقد منقطع جديد حال انتهاء عقدها السابق. وهذا الزواج لا يترجم في هذه الحالة الا كونه شكل من أشكال الدعارة الشرعية والتي يراد لها أن تكون قانونية، فهل ستكون المتمتعة مومس ورجل الدين سمسار!؟
إطلاق سراح الدواعش والإرهابيين قاتلي أبناء شعبنا مقابل تفخيذ الرضيعة وتزويج البنت القاصر، هو اسوأ مساومة في تاريخ العراق الحديث، وهو وصمة عار في جبين البيت الشيعي وعمائمه. هؤلاء الذين يتاجرون بدماء شهداء سبايكر وشهداء الانفجارات التي كانت تهزّ مدن وشوارع ومدارس وساحات العراق. والأحزاب السنيّة التي ستصوّت لصالح تمرير القانون مقابل إطلاق سراح الإرهابيين، ستثبت من أنها راعية للإرهاب ومشاركة في كل الجرائم الإرهابية الي طالت حياة عشرات الالاف من أبناء شعبنا الأبرياء. أمّا تصويت التحالف الكردستاني لتمرير القانون فهو ليس بالمجّان وسيضاف الى مواقفه اللاأبالية تجاه ما يجري في وطننا. ولأنّ الاوضاع السياسية بالبلاد لن تبقى على ما هي عليه مستقبلا، فأنّ قيادات هذه الأحزاب ستحاسب أمام جماهيرها وجماهير شعبنا بعد أن تكون قد شاركت في اغتيال الطفولة وتحويل العراق الى بيت دعارة.
ليستمر الضغط الجماهيري وليتّسع أفقيا للحيلولة دون تمرير صفقة العار، وامل شعبنا كبير في عدم حضور البرلمانيين الوطنيين الى قبّة البرلمان وعدم اكتمال النصاب أثناء قراءة مشروع القانون.
كرامة المرأة العراقية وعفّتها في مهب الريح السوداء، فلنوقف هبوب هذه الريح من خلال التظاهرات والاعتصامات ومناشدة الهيئات الدولية وتذكيرهم بخطورة تعديل قانون الأحوال المدنية وأثره على الاطفال ومنهم الإناث الرضيعات وغير البالغات. خصوصا وأنّ العراق صادق على اتفاقية حقوق الطفل في حزيران 1994، متعهدا بإصلاح القوانين الخاصّة بحقوق وحماية الطفولة لتتماشى والمعايير الدولية.