مقترحات
في 17/ايلول/ 2024 ، نشرت جريدة الصباح موضوعا بعنوان ( تعديل قانون “المخدرات” يقترب من صيغته النهائية ) جاء فيه: اوضح اعضاء بمجلس النواب انه ستتم المواءمة بين مشروع تعديل الحدّ من انتشار المخدرات الوارد من رئاسة الجمهورية ومشروع التعديل الآخر الوارد من الحكومة. واضافت ان لجنة الصحة والبيئة بمجلس النواب اوضحت ان مشروع تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنو 2017 ورد من رئاسة الجمهورية وتمت قراءته القراءة الاولى ، وانه تم عقد اجتماع لوضع الصيغة النهائية لتعديل القانون والامن والدفاع .واضافت الصباح اننا سنعتمد مشروع تعديل القانون المرسل من قبل رئاسة الجمهورية لكننا سنعتمد على ان يكون هناك نوع من المواءمة والتوازن بين مشروعي التعديل – رئاسة الجمهورية والحكومة. انتهى النص.
انتشار المخدرات اوسع من السيطرة عليها
هذا التصريح هو لضابط في مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية ( جريدة الصباح في (26/ 7/23) يعكس تشخيصا لحقيقة واقعة بعد أن أصبحت تجارة المخدرات تأتي بالمرتبة الثالثة بعد تجارة النفط والسلاح باعتراف نائب برلماني من البصرة، وبعد أن صارت مخاطر المخدرات في العراق توازي تهديدات الإرهاب، وفقا لمديرية مكافحة المخدرات.. وبعد أن استطاع المهربون تطوير طرائق تهريبهم للمخدرات باستخدام طائرات شراعية تسمى (درون) تحمل بين (20 إلى 30) كيلوغراما من المخدرات، تم اسقاط واحدة منها في البصرة تحمل مليون حبة (كبتاغون).
ومنذ العام 2012 كنا نبهنا في حينه الى خطر المخدرات ،واجرينا دراسة احتماعية – سياسية بعنوان ( المخدرات .. حرب استهداف القيم وتفكيك المجتمع؛ نشرت بتاريخ 29 كانون2/يناير 2012 ) خلصت الى أن ظاهرة تعاطي المخدرات حضيت باهتمام كبير في العقدين الاخيرين من قبل علماء النفس والاجتماع والقانون وصنّاع السياسة، لما تحدثه المخدرات من تحلل للقيم وتدمير للاخلاق، ولآن انتشارها بين سكان شعب ما يؤدي ليس فقط الى الاضرار بالصحة الجسدية والنفسية للمتعاطين لها، بل انها تؤخر او تعرقل منجزات الدولة وخططها التنموية وتضعف امنها الداخلي والخارجي ايضا حين توظّف المافيا الدولية للمخدرات في قضايا سياسية تكون الدولة منشغلة عنها بقضايا لم تكن هناك متابعة ولا اهتمام بمعالجات عملية اقترحتها منظمات ومؤسسات علمية.
بينها، أن كاتب هذا المقال.. حذر من مخاطرها عبر الفضائيات وعقد أكثر من عشر ندوات في بغداد وعدد من مراكز المحافظات، آخرها ندوة في منتدى الصيد الثقافي (15 تموز 2023) والمؤتمر الثاني الذي عقد في بغداد باليوم العالمي لمكافحة المخدرات ( 1 تموز 24).
نظرية عراقية في دافع التعاطي
هنالك أكثر من نظرية حاولت تفسير الدافع الذي يضطر الإنسان لتعاطي المخدرات بينها نظرية (انعدام المعايير- الانوميا) لعالم الاجتماع ميرتون.. ويعني بها التعبير عن الاحساس بانعدام المعايير التي اذا ما سادت في المجتمع فأنها تحرم مجموعات اجتماعية من تحقيق مصالحها.واشارته الذكية إلى أن المجتمعات التي تضع قيمة كبيرة على الأمور المادية ومسائل الترف أو لا تتمتع بها الا القلة، فأنها تبرز فيها حالة الانوميا أو فقدان العدالة الاجتماعية، فتظهر جماعات تتجاوز قيم المجتمع ونظامه، وتخرق محرماته ومنها تعاطي المخدرات والاتجار بها.
وترى نظرية (الانسحاب الاجتماعي) أن متعاطي المخدرات هو في حقيقته شخص حرم أو عجز عن تحقيق أهدافه بوسائل مشروعه فاضطر إلى الانسحاب عن المجتمع فتضطره عزلته إلى تعاطي المخدرات لتخلق له عالما بديلا ينسيه عالمه الذي هو فيه نابذ أو منبوذ.
اما نظريتنا العراقية فقد اسميناها (نظرية التيئيس الانتحاري)، وترى أن النظام السياسي حين يكون ولاّد أزمات فان الإنسان يمر بعملية نفسية دائرية بين: أزمة.. انفراج.. أزمة..، تفضي به إلى تيئيسه من أن (النظام) عاجز عن تأمين حاجاته. وحين يصل حالة الاقتناع بأن السلطة اصبحت مصدر شقاء له، وأن الواقع لا يقدم حلّا لمشاكله، فان من استنفد طاقته في تحمل الضغوط ووصل حالة الشعور بانعدام المعنى من الحياة.. يلجأ إلى تعاطي المخدرات لإنهاء حياته بعملية انتحار تدريجي لا شعورية.
استراتيجية علمية للحد من المخدرات
تتضمن هذه الاستراتيجية الخطوات الآتية:
إن معالجة اية ظاهرة اجتماعية سلبية تبدأ أولا بتشخيص أسبابها عبر دراسات ميدانية، وعليه ينبغي تكليف أقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات العراقية كافة بإجراء دراسات ميدانية لتشخيص عوامل انتشارها (سياسية، اجتماعية، نفسية اقتصادية…)، ومعرفة العلاقة بين انتشار تعاطيها وانتشار انحرافات أخرى، وما أحدثته من تأثير في القيم والاخلاق، واقتراح المعالجات.
يتم ذلك بإصدار توجيهات من مكتب دولة رئيس الوزراء إلى الجهات المعنية، واعتبار هذا المشروع (قضية وطنية ومسؤولية اخلاقية ودينية).
تبدأ الاستراتيجية خطوتها الأولى بتفعيل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (رقم 50 لسنة 2017)، وقيام الجهات المعنية بتطبيقه بحزم مسبوقا بتوعية واسعة بنوعيها الإعلامية والجوالة.
عقد مؤتمر وطني بعنوان (المخدرات في العراق- الاسباب والمعالجات) تناقش فيه الدراسات الميدانية التي أجرتها اقسام علم النفس والاجتماع في الجامعات العراقية، وتوحيد الأسباب والحلول المقترحة.
ترفع نتائج المؤتمر الوطني إلى هيئة تضم مديرية مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية وممثلين عن مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، (البرلمان، الحكومة، القضاء) ووزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والثقافة والجمعية النفسية العراقية وجمعية الأطباء النفسيين العراقية ومؤسسة شبكة الإعلام العراقي.. تقوم في ضوئها بإعداد استراتيجية تنفذ على مراحل زمنية يجري لها تقويم يحدد الايجابيات والمعوقات.
تكليف الجمعية النفسية العراقية بوصفها صاحبة المبادرة، بمتابعة التنفيذ وتشخيص ما تم تحقيقه واقتراح الحلول لمعالجة المعوقات بما يضمن تحقيق الاستراتيجية بسلاسة.
التعديلات
تضمنت التعديلات المقترحة تعديلين مهمين:
الأول: تحويل رئاسة (الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية) من وزارة الصحة الى وزارة الداخلية وتشكيل ( وكالة لمكافحة المخدرات) وهو تعديل موفق وصائب.
والثاني: التفريق بين المتعاطي والتاجر بحيث يجري التعامل مع المتعاطي كضحية ويجري اعفاء المتعاطي الذي يسلم نفسه للمؤسسة الصحية، فيما كان القانون السابق يعامل المتعاطي بوصفه مجرما ، وكنا لفتنا الأنتباه الى ذلك بمقالنا المنشور في الصباح..وهو تعديل علمي اقره الطب النفسي.
ولمعالجة الصعوبة في احتواء المتعاطين الذين يقدرون بالالاف ولعدم وجود مصحات نفسية كافية فقد وجه السيد محمد شياع السوداني بتخصيص ارض في كل محافظة لانشاء مراكز متطورة لتاهيل المدمنين ..وهو توجيه سديد ، ولكن المراكز تحتاج الى كوادر متخصصة في الطب النفس والصحة النفسية ومعالجة المدمنين على غرار ما كانت عليه في مستشفى ابن رشد ثمانينات القرن الماضي.