وجهة نظر خاصّة من خلال تجارب سابقة وآنية لمشاركاتي ومتابعاتي للملف الفيلي في مؤتمرات وكونفرنسات فيلية، تناولته أي الملف الفيلي من وجهة نظر سياسية وليست تنظيمية أو انسانية . كون الملف الفيلي سياسي بحت، ويدخل في حسابات الربح والخسارة عند الأحزاب التي تتلاعب به، وبحسابات الخسارة فقط للأسف الشديد عندما يتعلق الأمر بنا نحن جمهور الفيليين. كما ولا أطرح المادة لتكون باباً للمناكفة أو المناقشة السلبية في الدفاع والدفاع المضاد، فقضيتنا إن كنّا فعلا مؤمنين بها، قضية عادلة علينا الدفاع عنها حتى تحقيق حلم الآلاف من أمهاتنا وآبائنا الذين رحلوا ليدفنوا في مقابر غريبة ووجوه أبنائهم كانت آخر شيء رأته عيونهم قبل موتهم التراجيدي.
لا أشك ولو للحظة من أنّ سهام النقد ستوجه لي وانا أكتب ما لا يقبله البعض علنا؛ لكنه وفي قرارة نفسه مقتنع به جدا بل ومؤمن به. وهذا البعض قد يكون مستقلّا الا أنّه يرى نفسه مشتتا بين القومية والطائفة، أو متحزّبا وهذا ما يدفعه ليأخذ منّي موقف سلبي. وهذا لا يعود الى حالة سيكولوجية أو مرضية عند هذا البعض مطلقا، بل يعود إلى اليأس من تحقيق الأفضل في صراعنا كمكوّن عانى ويعاني من التهميش والقمع طيلة تاريخنا في هذه البلاد.
ينقسم الفيليون الى قسمين، مستقلين ومتحزبين. والمستقلين بدورهم ينقسمون الى قسمين، الأول سلبي التوجه والتفكير ويائس نتيجة استخفاف الآخرين بقضيته ومنهم من هم أبناء جلدته الذين جعلوه جسرا لتحقيق مصالحهم الشخصية؛ ومنهم إيجابي التوجه ويسعى للبحث عن حلول لمشاكلنا متسلحا بتفاؤل وحلم في تحقيق العدالة للقضية التي لازالت في ثلاجة الموتى منتظرة أخراجها لدفنها.
اما القسم الثاني فهم الفيليون من أعضاء الاحزاب السياسية؛ وهؤلاء ينقسمون الى ثلاث مجاميع ومنها مجاميع فرعية. فاعضاء الأحزاب القومية الكوردية، ينقسمون بين الحزبين الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، اما أعضاء الأحزاب الإسلامية وهي شيعية بالمطلق، فانهم يتوزعون بين الأحزاب والتيارات والمجاميع المسلّحة المختلفة ، وهناك من الفيليين من يعمل في صفوف أحزاب أخرى كالشيوعي العراقي وغيره من الأحزاب.
بين فترات متباعدة تطفو على السطح أصوات تطالب بحسم الملف الفيلي بكل تداعياته وآلامه، لتصمت بعد فترة وجيزة عنوة، لماذا عنوة، وهل كانت هناك تجارب سابقة للحراك الفيلي الذي نشهده اليوم في وسائل التواصل الأجتماعي وفشلت في تحقيق أهدافها ولماذا..؟
علينا الأعتراف من أنّ الحراك الفيلي الذي نشهده اليوم قد تمّ حشد اكبر عدد من المستقلين حوله، ولم تكن هناك قوى حزبية قد بلورت هذا الحراك، على الأقل ظاهريا. وهذه حالة صحيّة وعلى الفيليين الأستمرار بتغذيتها لتمتد الى جمهور واسع ليشترك هو الآخر في هذا الحراك. والحراك اليوم ليس إمتدادا لحراك فيلي قد سبقه مطلقا كمؤتمر هامبورغ وليل واستوكهولم، كون تلك المؤتمرات كانت تحت تأثير وتدخلات القوى القومية الكوردية والأسلامية، وكانت من نتائج تلك التدخلات والضغوطات هو موت توصيات تلك المؤتمرات قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به.
شخصيا كانت لي تجربة (مضحكة مبكية) في مؤتمر ليل بفرنسا، سأتناولها من باب التعريف ليس الّا. ففي ذلك المؤتمر كنت مشاركا في الورشة السياسية المسؤولة عن كتابة البيان الختامي للمؤتمر، ومسؤولا عن لجنة فرز الأصوات وعدّها. وأثناء عملي في غرفة جانبية ومعي أعضاء اللجنة، تسرّب خبر من داخل الغرفة من أنّ العضو المرشّح ولنقل عنه (س) على سبيل المثال وهو من تنظيمات الحزب الديموقراطي الكوردستاني، لم يحصل على أصوات كافية تؤهله لمركز قيادي في هيكلية قيادة فيلية نتجت عن المؤتمر، في حين حصل العضوين (ب وج) وهما من تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني على أصوات تؤهلهم ليكونا ضمن هيكلية القيادة المنتخبة. وفجأة دخل الى غرفة العد والفرز شخصان أحدهما كان من الاتحاد الوطني الكوردستاني، طالبين مني منح أصوات أحد عضوي الاتحاد الوطني الكوردستاني الحاصلين على عدد أصوات تؤهلهم ليكونا ضمن القيادة، لعضو الحزب الديموقراطي الكوردستاني، وكانت أجابتي لهما مبدأية وعملية بحتة: لن افعل ما تطلبون، لأصعد المنصة والحضور يغادر القاعة لقرب أنتهاء الوقت معلنا النتائج الحقيقية لفرز الأصوات ومن دون مكبرات صوت.. !!!!
وهذا يدل وبلا أدنى شك من أنّ الحزبين الكورديين يتدخلان لتجيير أي حراك ونشاط فيلي لصالحهما و يبحثان عن اكثر من موقع قدم في أي حراك أو مشروع حراك فيلي، فهل هم الوحيدون الساعون الى هذا الأمر..!
منذ فترة وكما ذكرت بداية، بدأ حراك فيلي أستقطب بضع مئات من الناشطات والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، لبلورة موقف فيلي موحدّ والبدء في البحث عن سبل لتحقيق أمل فيلي طال انتظاره. وكتبت وقتها قائلا من أنني متشائل من هذا الحراك، ليس لعدم جديّة ونكران ذات الأخوات والأخوة أو لسوء ظنّ بهم، بل لمعرفتي من أنّ قوى حزبية ستدخل على الخط لأمتصاص الزخم الذي قد ينتج عن هذا الحراك. وفعلا بدأ الأنشطار الأميبي عمله مختبريا في مقرات الأحزاب الشيعية هذه المرّة وبالتحديد مختبر حزب الدعوة ودولة القانون والأطار التنسيقي، ليسابقوا الزمن في تأسيس كيان فيلي يتحرك على طريقة لعبة العرائس، الهدف منه وأد الحراك الفيلي الناشيء. فهل العاملين في هذا الكيان طارئين على الساحة السياسية بعد الأحتلال الأمريكي للبلاد، بالتأكيد لا مع كامل إحترامي لهم. لكن السؤال هو، ماذا قدّموا للفيليين ومشاكلهم، وأين كانوا لليوم من تفعيل قرار المحكمة الجنائية العليا بإعتبار جريمة إبادة وتهجير الفيليين من جرائم الإبادة الجماعية، وهل فعلوا شيئا ملموسا وليس دعائيا للكشف عن مصير المغيّبين والتي تعتبر واحدة من أهم القضايا التي تهم آلاف العوائل التي فقدت أبنائها، وماذا فعلوا لتعديل قوانين الجنسية وعودة المهجرين، ومشاكل التعويضات وغيرها الكثير ممّا يعجّ به الملف الفيلي. وأين كانوا لليوم من عدم تنفيذ الحكومات العراقية المتعاقبة ومنها حكومتي السيد المالكي ، لتعهد تنفيذ مجلس الوزراء في جلسته الثامنة والأربعين الأعتيادية والمنعقدة بتاريخ 8/12/2010 على : " إزالة كافة الآثار السيئة التي نتجت عن القرارات الجائرة التي أصدرها النظام البائد ضد أبناء الشعب العراقي من الكرد الفيليين (كأسقاط الجنسية العراقية ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق المغتصبة الأخرى)"!!!!؟
لنترك التشائل وننتقل الى التفاؤل، ففي الحياة دوما محطات مضيئة تقف على الضد من المحطّات المظلمة الباردة، والحراك الفيلي الحالي وعلى الرغم من عدم أمتلاكه الأموال ولا الأعلام والدعم السلطوي ، الا أنّه وبتوظيف علمي للأمكانيات المتاحة على قلّتها، ونكران ذات وإصرار على المضي بالمشوار حتى نهايته قادر على أن يقف تحت الشمس، لا في أقبية مظلمة يتعثّر روادها بأكياس المال المنهوب أصلا من فقراء العراق.
لينظّم الساعين في الحراك الفيلي أنفسهم وينتقدوا بجرأة فيلية جميع من يقف في خانة السلطة والسلطة نفسها، فشهدائنا وقضيتنا مقدسة على الأقل بالنسبة لنا، نحن المكتوين بنار البعث وجحيم السلطة الحالية التي تتعامل مع قضيتنا بلا أبالية واضحة وهي تتنصل حتى من قرارات الزمت نفسها بها...
لتستمر أجتماعاتكم أخواتي أخوتي الأفاضل، للوصول الى قاسم مشترك يجمعنا كلنا، وما أكثر قواسمنا المشتركة.
4/10/2024
(*) مقالة كتبت لصفحة التجمع الكوردي الفيلي العراقي على موقع من مواقع التواصل الأجتماعي