الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حلقة مفصلية في تاريخ العراق الحديث
بقلم : د. محمـد كحط
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كيف يمكن إنكار ومحو أهم حدث في تاريخ العراق المعاصر ثورة أنهت الوجود الاستعماري وحررت الوطن من دسائس ومخططات بريطانيا العظمى حينها، ثورة أنهت الحكم الملكي المرتبط بالعربة البريطانية وبحضانة الإقطاع والقوى الرجعية في العراق والمنطقة، وحاولت بناء عراق جمهوري جديد، وقدمت أنجازات لصالح الطبقات المسحوقة والمعدمة وبنت المدارس والمستشفيات ووزعت الأراضي على المواطنين وأنهت ارتباط العراق بالأحلاف العسكرية، وحاربت الفقر والأمية والتخلف، وأنعشت الثقافة ونشرت الوعي، فتطورت الفنون بأنواعها وشجعت على الإبداع، وكانت فترة ذهبية لترسيخ المبادئ والروح الوطنية، وبدأت بخطوات من أجل تأسيس دولة المؤسسات لولا استمرار الدسائس من عدة جهات لإجهاض وتخريب مسيرة الثورة وحرفها عن مسارها وبرنامجها المرسوم، فخلقت العراقيل وحاكت المؤامرات، ولم تكن بريطانيا وحدها في هذا المضمار بل كانت جميع دول الجوار والحكام في المنطقة التي تضررت مصالحها، والقوى الاقطاعية والرجعية في الداخل، ولم تسلم الثورة من المندسين والمنحرفين والذين ساروا في صفوفها لمصالح ذاتية سرعان ما أدارت وجهها وتنكرت للثورة وعملت ضدها، بل كانت حجر عثرة في استمرار المنجزات، وحاولت بعضها اغتيال قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، وبعضها ضغطت عليه ليغير علاقاته مع القوى الوطنية التي تقف مع خط الثورة.

ان حدثا كبيرا في تاريخ العراق كثورة 14 تموز لا يمكن ان يمحا من الذاكرة مهما حاولت قوى الظلام، فقد حفرت تأثيرها بجدار التاريخ وستظل شعلتها مستدامة، خصوصا اليوم وقد عاد العراق بحضن الاحتلال والاستعمار وهيمنة طغمة الفساد التي ارتبطت مصالحها مع القوى الأجنبية، فنرى التزاحم على المناصب والصراع على مراكز الدولة المهمة لا من أجل خدمة البلد بل من أجل فرص أكبر للنهب والسرقة، فترى هذه القوى تغذي الميليشيات والروح الطائفية وتغرس التخلف والشقاق من أجل تشديد قبضتها على المجتمع وسهولة قيادته.

لكن مهما حاولت قوى الظلام لا يمكنها حجب الشمس بغربال التخلف، فمبادئ ثورة 14 تموز خالدة، فهي الثورة التي حولت العراق الى الحكم الجمهوري.

والغريب أنه منذ سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 تثار هنا وهناك جدالات ونقاشات ومقارنات بين النظام الملكي والنظام الجمهوري في العراق ويتم التبجيل بإيجابيات النظام الملكي دون ذكر سلبياته الكثيرة، وهذه النظرة من جانب واحد للأمور يعدم المصداقية، فالظروف السياسية خلال الحكم الملكي كانت أكثر من سيئة، والوضع الاجتماعي معروف فالشعب كان يعاني من الفقر المدقع وارتفاع نسب الأمية ، ورغم أن العراق كان بلدا زراعيا لكن الإقطاعيون المتحالفون مع الحكم الملكي كانوا هم من يستفاد من خيرات البلد.

أما من يدعي وجود نظام برلماني فالكل يعرف انه كان برلمانا شكليا، وكان مجلس النواب ضعيفا ولا يستطيع الوقوف أمام السلطة التنفيذية الطاغية، فمجلس النواب كان تحت هيمنة وسلطة الحكومة والحكومة تحت سلطة وهيمنة الملك، والملك تحت سلطة المخططات البريطانية، فكل قرارات الحكومة تخضع لمصادقة الملك الذي من حقه الغاء القرارات أو تعديلها، فلا استقلالية للسلطات ولا فصل بين السلطات.

وكان العراق مرتبط بالتحالفات والاحلاف العديدة في المنطقة منها تحالفات عسكرية عدوانية، من أجل حماية الأنظمة الرجعية من جانب ولحماية مصالح الاحتكارات الرأسمالية في المنطقة، خصوصا بعد اكتشاف البترول فيها.

ولم تتوقف بريطانيا من ربط العراق بالمعاهدات والاتفاقيات الاستعمارية، منها محاولة ربط العراق بمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط وهي مشاريع استعمارية، كما احتكرت العديد من شركات النفط الأجنبية التنقيب عن النفط مع أمتيازات كبيرة بالضد من مصالح الشعب، وتلاعبت بثروات البلد، بالإضافة الى تدخلها في شؤونه السياسية.

أما السجون فكانت مليئة بالسياسيين والمناضلين من كافة القوى والأحزاب العراقية، والوثائق البريطانية التي نشرت لاحقا كشفت كم كان التدخل السياسي في شؤون العراق، فلم يكن العهد الملكي يلبي مصالح الشعب العراقي.

أما ثورة 14 تموز فقد نجحت في تحقيق مصالح الشعب في جوانب عديدة، لكن الأعداء لم يسمحوا لها المضي في مشروعها الوطني الديمقراطي. وحاولت قوى عديدة ولا زالت الصاق العديد من التهم بها، ومحاولة تشويه نهجها، والتذكير ببعض الحوادث والجرائم، متناسية ان ردت فعل الشعب العراقي ضد ما تعرض له من ظلم وطغيان هو الذي كان سبب بعض السلوكيات الخاطئة.

ودائما ما تثار تلك المواضيع أما الجرائم التي ارتكبها أعداء الثورة التي تمكنت بالتنسيق مع قوى أجنبية بالقيام بانقلاب 8 شباط 1963، حيث تم خلالها ارتكاب جرائم بشعة يندى لها جبين البشرية دون سبب وراح ضحية ذلك المئات من المناضلين الوطنيين الشرفاء، فلا أحد يثيرها، مما يعني انهم يكيلون بمكيالين، وغرضهم النيل الثورة.

ان ثورة 14 تموز المجيدة تبقى خالدة فها هي جدارية الحرية لجواد سليم تحكي قصتها وتحتها كان ثوار تشرين يستمدون عزمهم لمواصلة النضال من أجل الشعب، وهل ينسى أهالي مدينة الثورة وغيرها فضل الثورة عليهم حيث وفرت لهم السكن اللائق بعد ان كانوا يعيشون في بيوت الطين والصرائف.

المجد كل المجد للثورة التي عبرت بصدق عن تلاحم الشعب والجيش العراقي مع القوى الوطنية المتحدة آنذاك.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 08-10-2024     عدد القراء :  474       عدد التعليقات : 0