تنويه: يمكن اعتبار هذه المقالة بمثابة تكملة للمقالة السابقة حول المحكمة الاتحادية المنشورة قبل خمسة شهور.
منذ سنوات يحاول الفاسدون تمرير تفسيرهم لقانون المحكمة الاتحادية بالقول بان الدستور يسمح لخبراء الفقه الإسلامي كما سماهم الدستور بالجلوس جنب فقهاء القانون كقضاة للمحكمة ليحكموا في القضايا التي تطرح امامها. بيد ان هؤلاء الفاسدون قد نسوا امرا مهما وهو ان فرض هؤلاء الخبراء كقضاة في المحكمة سيؤدي الى التقاطع مع المادة (14) من الدستور القائلة بتساوي العراقيين جميعا.
لنأخذ مثال دين الغالبية في البلد. سيكون خبراء الفقه الاسلامي هم من ممثلي طائفتي هذا الدين الرئيسيتين في العراق، وسيحكمان بالتالي وفقا لشرائع كل منهما. وهي شرائع تختلف وفق كل طائفة وتتناقض مع بعضها ولن تضمن المساواة في المعاملة بين افراد الطائفتين. بالنتيجة ستسقط قرارات واحكام هؤلاء الخبراء تحت طائلة مخالفة المادة (14) الدستورية اعلاه. وهو ما سيدفع القضاة او سيجبرهم ربما الى محاولة التوفيق بين المادة الدستورية الواضحة هذه والاحكام المخالفة لها الصادرة عنهم مما سيطلق عنان الفوضى، وهو ما سيناقض الهدف من تشريع الدستور. إذ ان هدف هذا ككل دساتير العالم هو تنظيم البلد ووضع الحلول لمشاكله، لا تعقيدها واستخدامها لنشر عدم المساواة والتجاوز على حقوق الناس. إن إدراج خبراء الفقه الاسلامي الذين لم يتفقوا على لحظة رؤية هلال الشهر القمري، كقضاة في المحكمة الاتحادية سيحولها الى اداة لنشر الفوضى في البلد وتعزيز الانقسام بدلا من الاستقرار مع قضاة يتبعون قانون واحد معتمد يضمن حقوق افراد الشعب وفق معيار واحد. هذا القانون الواحد سيشرع في مكان واحد اعضاؤه منتخبون من قبل جميع الشعب وطوائفه هو مجلس النواب، لا وفق قوانين او فتاوى مختلفة مما سيريد هؤلاء الخبراء اتباعها. ولا ندري كيف سيوفق فقهاء الاسلام هؤلاء بين القوانين الوضعية وشرائع العصور الغابرة إن كانوا سيعتمدون القرآن والحديث كاساس للقرار والحكم. فهل سيركلون القوانين المشرعة في مجلس النواب جانبا لصالح الاخرى التي سيلجأون اليها ؟
إن اصرار البعض على فرض فقهاء الإسلام هؤلاء من ضمن قضاة المحكمة يشير الى قصر نظر واضح. وهو امر لا يظهر إلا مع غير الملمين بامور القوانين والعدالة حيث سيضع الجميع تحت طائلة مخالفة الدستور. وهو ما سينتج عنه فوضى ومظالم كثيرة نحن في غنى عنها.
لذلك نقول بانه من الافضل تجاوز امر فرض مسألة فقهاء الاسلام في المحكمة الاتحادية هذه حفاظا على وحدة المجتمع وتماسكه. فالدستور حدد الفقهاء كخبراء يُعينون القضاة حتى وإن لم يقل هذا صراحة. فهذا هو ما يجب ان يفهم من المادة (92) من الدستور. ونحن نسمي الفاسدين كذلك لانهم يريدون فرض آرائهم على المجتمع، وهذا بدلا من وضع المصلحة العليا للبلد كهدف لهم كما كان يتوجب عليهم القيام به.