الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة (4)

   في ذكراها الخامسة ، نستذكر إنتفاضة تشرين المجيدة بما حملته من قيم ورفعته من شعارات أشّرت المطالب الملحة لغالبية العراقيين في رفض منظومة المحاصصة والفساد، والمطالبة بوطن خال من الفساد والسلاح المنفلت، وفيه تحترم الحريات وتصان الحقوق ويتمتع المواطنون بالعدالة الاجتماعية.

   لقد استحقت إنتفاضة تشرين موقعها الطبيعي بين اكبر مآثر شعبنا النضالية في تاريخه الحديث، رغم أنها مثلت تمريناً شعبياً ثورياً،ولحظة تفجر للاحتقان،والاستعصاء السياسي والاجتماعي، وصراع اجتماعي وطبقي بين اقلية متحكمة مرفهة، وغالبية محرومة ومهمشة. وهي قد نقلت الوعي الاجتماعي خطوات متقدمة الى امام وانعكس ذلك في إقامة هذه العلاقة الوثيقة بين القضايا الخاصة والعامة. كما انها كسرت حواجز الخوف والتردد والتابوهات.

   وقد هزّت الانتفاضة المنظومة السلطوية وأحزاب المحاصصة والفساد، وعرت رموزها، وارعبت المتنفذين، وعززت ثقة الجماهير بنفسها وقدرتها على اجتراح المآثر ونيل حقوقها والدفاع عن مصالحها، وفرضت التغيير على جدول العمل. ان المنتفضين وهم يبدعون في الجمع بين مختلف اشكال وأساليب النضال والعمل السلمية، قد رسخوا روح التصدي والاقتحام والإصرار على تحقيق المطالب العادلة واسهموا على نحو جلي في إعادة الروح والحيوية الى المواطنة العراقية الجامعة. لقد بيّنت الانتفاضة ان المواطنين بعد سنين عجاف طويلة يرفضون العيش كما في السابق. وان من الوهم الاعتقاد بإمكان ان تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأول من تشرين الأول 2019".

   وأضاف الأستاذ مديح الصادق بحق ان الانتفاضة هزَّت كيان كلّ العراقيين الشرفاء، داخل الوطن وخارجه، وهبَّ في صفوفها الشباب من كلا الجنسين، يساندهم كبار السنّ، والأطفال، طلاباً، عمالاً، فلاحين، وكسبة، وموظفين، بكلِّ ما لديهم من إمكانات، وقد تحدّوا قنَّاصة "الطرف الثالث"، وقدموا الشهداء والجرحى والمُغيَّبين، وأسقطت الانتفاضة حكومة عادل عبد المهدي، لأول مرة في تاريخ العراق الحديث".

   وتحت عنوان:" تحت نصب جواد سليم: كتب الأستاذ علي حسين- رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة "المدى" عموده اليومي، الذي جاء فيه: "لقد كانت احتجاجات تشرين بداية قفزة في قطار التحضر والممارسة السياسية المحترمة ! واستطاع شباب العراق أن يجعلوا من احتجاجاتهم لوحة رائعة للمواطنة الحقيقية، والتعبير برقي عن مطالب باتت محل اتفاق جميع شرائح الشعب وأظن أن لجوء الشباب إلى التظاهر في الشارع أمر منطقي للغاية في بلد لديه برلمان صامت،وساسة أداروا ظهورهم للناس ناهيك عن أن سياسيين لا يمثلون الا أنفسهم وربما بعض أقاربهم من الدرجة الأولى، وبالتالي يصبح من حق الشعب أن يمثل نفسه بنفسه، وأزعم أنه لو كانت في العراق أحزاب معارضة حقيقية وفاعلة وموجودة فعلا، لما كان الناس في حاجة إلى نزول الشارع والتظاهر والهتاف ضد عديد من السياسات العمياء التي قادت البلاد إلى مصير مظلم وبائس وليس غريبا أو مفاجئا على الإطلاق أن تخرج أصوات تتهم المتظاهرين بتنفيذ أجندات خاصة.في الوقت الذي كانت فيه بعض القوى السياسية في العراق تتآكل، بعضها يعيش على ذكريات الماضي وبعضها الآخر يبحث عن فرص استثمارية، كانت أجيال جديدة تبحث عن بديل تستظل به للتخلص من ظلم الساسة،وسوء استخدام السلطة."

   وإختتم:" ايها الشباب لقد كنتم الضوء الذي اندلع من العتمة فخرجتم حاملين المصابيح . ايها الشباب يا من ظلمناكم واعتبرناكم يوما غائبين ومغيبين ومهاجرين بالروح عن الوطن.. نعتذر لكم جميعا ونحييكم، ونقول لكم ان عمنا جواد سليم سيظل ملجأ آمنا لاحلامكم الوطنية ".

   وفي الذكرى الأولى للإنتفاضة كتبت الأديبة الراحلة صبيحة شبر:" ثورة عراقية باسلة ، اثارت اعجاب العالم بشجاعة الثوار وإقدامهم، وجعلت الناس كلهم ،الأصدقاء والأعداء ايضاً، يدركون ان العراق فيه شعب لا يمكن ان يموت، ولا تستطيع قوى التسلط والعدوان القضاء على نضاله الدائب من اجل تحقيق ارادنه في تغيير الحياة الى افضل "..

   ووصف الكاتنب جمعة عبد الله الشبيبة المنتفضة،في مقال له بعنوان: " بمناسبة إنتفاضة تشرين المجيدة: الشهداء أكرم منا جميعاً" بحق: " انهم شموع العراق لطرد الظلام الذي خيم على العراق , ان الشهداء الأبرار هم رمز وطني أصيل , لقد ضحوا بحياتهم من اجل عراق الحق والعدل , عراق خالٍ من الظلم والطغيان والفساد , عراق بدون ذلة ومهانة , ضحوا بارواحهم الزكية من اجل ارجاع السيادة الوطنية المغتصبة , التي خطفتها المليشيات الولائية .. أنهم خالدون الى الابد , ولا يمكن إطفاء شُعلتهم , شعلة الحرية والتحرر , شعلة ارادة العراقيين في العزة والكرامة . ولا يمكن كسر ارادة العراقيين بالبطش والتنكيل "..

مجموعة رابعة تضم 68 شهيداً وشهيدة ومكان الإستشهاد

    الجدول يبين ان من مجموع 68 شهيدة وشهيد إستشهد منهم 27 في بغداد و10 في التاصرية و10 في النجف و 8 في البصرة و 6 في العمارة والـ 9 الباقين في الحلة والكوت والسماوى والأنبار.

   من جهته، كتب أستاذ علم النفس الإجتماعي السياسي د. فارس كمال نظمي مقال تحت عنوان:"هل إنتهت ثورة تشرين ؟ أم بدأت تأثيراتها للتو ..؟ "، جاء فيه: " إن شعار "استعادة الوطن" أصبح حاجة جمعية أساسية تتعلق بـدافع استعادة العدل واسترجاع الكبرياء الإنساني لجماعة بشرية عريقة إسمها "العراق"، وليس بحثاً عن إشباع هوياتي مؤقت فحسب. وهذه النزعة السلمية الحادة لاستعادة الوطن ستولّد ارتدادات لها بمرور الوقت حتى في المحافظات التي ظلت صامتة أو منعزلة عن الحراك الاحتجاجي"

   وأضاف:"للمرة الأولى منذ ستة عقود، ينبثق جيل سياسي شبابي معارض جديد، له تصوراته وأفكاره وأساليبه وخياراته التنظيمية القادمة، بمعزل عن العملية السياسية البريمرية القائمة على التفتيت الإثنوطائفي، وبقطيعة تامة مع التنظيمات السياسية التاريخية التقليدية (الإسلامية أو القومية أو اليسارية). وهذا يعني أن المجتمع السياسي العراقي قد امتلك أبعاداً نوعية عميقة –ستظهر تأثيراتها الحاسمة لاحقاً- على يد فئة عنفوانية كبرى تشكل أكثر من ثلثي سكان البلاد".

   وإختتم د. نظمي:" ما حدث في تشرين هو نهاية غير رسمية لحقبة وعي سياسي زائف وثقافة سياسية خضوعية، مثلما هو بداية التفكير الجمعي الجدي لدى فئات واسعة من العراقيين بأنهم لن يستطيعوا أن يعيشوا بالطريقة السابقة أبداً، وأن التغيير لم يعد وهماً أو مطلباً مستحيلاً بل هاجساً نفسياً عميقاً يقترب من كونه حقيقة مؤجلة ليس إلا، قد يقصر أو يطول الزمن المطلوب لإنجازه "..

   ما أوردناه هو جزء مما سطرته شبيبة العراق التي إنتفضت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 من ماَثر، متحدية سلطة القتلة والمليشيات الولائية لغير العراق بكل جبروتها وهمجيتها. وأثبتت الإنتفاضة المجيدة بأنها كانت وثبة وطنية، شعبية شبابية جماهيرية عامة مثّلت إرادة وتطلع غالبية العراقيين. وبذلك إستحقت أن تحتل مكانها الطبيعي كإحدى مآثر شعبنا في تاريخه الحديث.

   ان انتفاضة بهذه الرسالة الوطنية الواضحة، ودعوتها الى المواطنة الجامعة، العابرة للطوائف والتخندقات الفرعية والمناطقية، جديرة بأن يتم احياء ذكراها، وتمجيد شهدائها، والمطالبة بانصاف عوائل الضحايا، وتقديم قتلة المنتفضين الى القضاء العادل.

   والانتفاضة، وإن لم تحقق كامل أهدافها، فانها زعزعت منظومة المحاصصة المدججة بالسلاح وآلة القمع، وجعلت الرعب والهلع يسيطر على المتنفذين، وهم لم يفيقوا بعد من زلزالها المدوي حيث ما زالت ارتداداته تتفاعل في المجتمع.

   وبينت الإنتفاضة الباسلة بجلاء بأن شعبنا قادر على كسر احتكار السلطة، وإذا ما إستعد أكثر فبإمكانه ان يحقق طموحه بالخلاص من منظومة العار، وإقامة دولة المواطنة والحرية والديمقراطية الحقيقية والحياة الكريمة والعدالة الإجتماعية، دولة الرفاهية والأمن والإستقرار والمؤسسات الدستورية والقانونية.

   وان المواطنين يرفضون بعد هذه السنين العجاف من سلطة الفساد المالي والإداري والمحاصصة وتقاسم أموال الدولة المنهوبة،ونشر الفقر والجهل والتخلف، يرفضون العيش كما في السابق، ويريدون حياة أفضل ومستقبل سعيد، ومن أجل كل ذلك ستندلع الثورة العارمة لا محال، وسيتحقق التغيير الجذري والشامل، طال أمده أم قصر.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 21-10-2024     عدد القراء :  495       عدد التعليقات : 0