هذه الايام ماليزيا مشغولة بأخبار مرض باني نهضتها الحديثة مهاتير محمد بعد أن ادخل الى المستشفى ، الرجل الذي يقترب من المئة عام كان قد خسر قبل سنوات مقعده في البرلمان وتعرض لهجمة من المعارضة ، لكنه لم يخرج على جماهير بلاده ليعلن أن هناك مؤامرة عالمية ضده ، وانه احق بالكرسي ، ولم يحاول ان يحرض انصاره ، بل قرر ان يعتزل العمل السياسي وقال للمقربين منه : "لا أرى نفسي ناشطاً في العمل السياسي حتى أبلغ من العمر مئة عام، أهم شيء هو نقل خبرتي إلى القادة الشباب ".
لا تزال صورة الطبيب مهاتير محمد وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم سياسيي بلاده، ولا يزال اسمه يشعر كل الماليزيين بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم بالاطمئنان للمستقبل ، سحر العالم بتواضعه، وصلابته، عندما قرر ذات يوم، أن ينهي التخلف في بلاده، ويضع ماليزيا في ركب البلدان الصناعية، بعد أن كانت تستورد كل شيء تقريباً، وقبل أن يرحل عن كرسي رئاسة الوزراء كان قد وضع خططاً تنموية استمرت حتى عام 2020، تاركاً وراءه إرثاً اقتصادياً وسياسياً .
السياسي الذي أصدر عام 1970 كتاباً بعنوان "معضلة المالايو" انتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، فوصفته الحكومة آنذاك بالرجل الساذج، لم يتوقف عن الحلم بالتغيير ، بائع الموز الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، عشق السياسة، وأتقن أصولها، وقرر أن يبدأ رحلته معها عام 1964، وليصبح عام 1981 رئيساً للوزراء في بلد كان يبلغ سكانه ثلاثين مليوناً، 70 بالمئة منهم يعيشون في فقر دائم، كل ما فعله وهو ينقل شعبه من الفقر إلى الرفاهية ان يذكرهم بالعمل الجاد ، يسخر من المعجزات فيكتب: "ما حدث أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار ".
سيقول البعض لماذا تستشهد بتجارب الشعوب الاخرى ، السنا نموذجا حياً للديمقراطية ، بدليل ان السيد نوري المالكي رغم مغادرته منصب رئيس الوزراء منذ عشر سنوات ، لا يزال يتحكم في مؤسسات الدولة ، هل تريد ديمقراطية اكثر من اصرار التحالف التنسيقي على التحكم في كرسي رئاسة البرلمان رغم ان المحاصصة البغيضة منحته للسنة ، لكن الاطار التنسيقي " مشكورا" مصر على ان لا بديل عن محمود المشهداني .
يعاني كاتب مثل جنابي من مشكلة عميقة مع البيانات التي تصدر في الغرف المغلقة ، ولا أعرف ما إذا كنا نعيش عصر الأفذاذ كما قال المشهداني، فما معنى ان نعيد الى المنصب رجل ظل يصر على ان لا علاقة له بما يجري من فشل سياسي ما دام " يقبض المالات "