لقد ورثت جميع الأديان السماوية موروث الرموز المقدسة سواءً كانت أصناماً أو نصباً أو قبوراً أو شجراً، فكانت اغلب المجتمعات القديمة تقدم لها القرابين والنذور، وتقام لها الاحتفالات والذبائح، ويكون الدم رمزاً هاماً فيهان فضلاً عن الشموع ومسح الخرق بتلك الرموز، وكان لأختيار المكان والزمان احتراماً لأوقات تلك الطقوس، فغيرت تلك الطقوس بعض أسس ذلك الموروث وعدلّت البعض الآخر.
وقد شيدت تلك المجتمعات وفق بعض فلسفاتها المادية والروحية جدرانها المقدسة، ووضعت تعاليمها في الزيارة والحج والصلاة والاحتفالات السنوية التي ترافق شكل تلك الاحتفالات الدينية، فكتبوا النصوص والمواعظ والأحكام لتنظيم العلاقات بين الناس، فكانت معابدهم المقدسة تفوح منها روائح البخور وهو جزء من الثقافة الشرقية، ونظموا مراتبية رجالاتهم وفق البنية للمؤسسة الدينية.
لكن من رفض تلك الطقوس والرموز المقدسة هم أصحاب الدين أو المذهب الأصلي الذي انقسمت عنه بعض الديانات والمذاهب، فشكلّت توجيهات مميزة في تياراتها السياسية والفكرية، ولو تأخذ مثالاً على ذلك (الكعبة المقدسة) و(حائط المبكى)، وقد أشار فيليب حتي في كتابه (تاريخ العرب) ص72، قائلاً: “أن الكعبة بناها آدم وفقاً لنموذج سماوي، ثم جاء الطوفان فتهدمت أركانها وأعاد بنائها بعد الطوفان إبراهيم وإسماعيل). ويؤكد فيليب حتي أن الكعبة صارت مكاناً مقدساً لـ(360) صنماً، واحد لكل يوم من أيام السنة القمرية، بينما يشير الدكتور الزيتوني في كتابه (الوثنية في الأدب الجاهلي) ص30: (إن ابن مسعود كان بمكة، عند فتح الرسول “ص”، لها ثلاثمائة وستون نصباً).
إضافة إلى ما هو شائع من أن في كل بيت بمكة كان هناك صنم، وكانت كل القبائل العربية تصنع الأصنام التي تقدسها، وحسب بعض الرواة قد خلط بين مفهوم النصب والأصنام مثلما هو في حديث ابن مسعود. كما تتضارب حجم القبائل وحجم اعداد الأسماء التي عثرَ عليها والمعروفة في الأدب الجاهلي؛ والتي ذكر أهمها الدكتور زيتوني في مؤلفه (الوثنية في الأدب الجاهلي).
وكان بعض رجالات قبيلة قريش هم المشرفين عليها ومنهم خرج الرسول وأهل بيته، وهم امتداداً للنبي إبراهيم وأبنه إسماعيل، وإلى جانب (كعبة مكة) كانت هناك (كعبة سنداد ونجران). كما كان لمعظم الأصنام بيوت مقدسة كاللات والعزى ومناة وذي الخلصة وفلس.
ويذكر ابن الكلبي عن وثنية العرب بقوله: (منهم من اتخذ بيتاً ومنهم من أتخذ صنماً ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجراً أمام الحرم وأمام غيره مما استحسن. ثم طاف به كطوفانه بالبيت، وسماها الأنصاب)، فيليب حتي، تاريخ العرب، ص72.
وكان العرب القدماء يعتقدون أن (آساف ونائلة مسخا إلى حجرين لأنهما ارتكبا فاحشة في الكعبة). ويشير الجارم عن الزبير فأن بن بدر وهو من سادة العرب كان لهُ (بيت من عمائم وثياب وينضح بالزعفران والطيب، وكانت بنو تميم تحج ذلك البيت)، فيليب حتي، ص91.
وكان من طقوس الحج التعري، وهو طقس ديني مقدس يمارس في أمكنة مقدسة حيث الروح تنفصل عن الجسد في حظوة المكان المقدس بما في ذلك الفعل الجسدي، لذلك كان تجار قريش لهم الدور في تجارة الألبسة والقماش بعد أداء طقوس التعري. لذا كانت في بعض الديانات والمعابد تمارس الدعارة كونها نوعاً من الطقوس الدينية وتقديم القرابين للآلهة. لكن المفهوم العربي انقلب على الجسد والتعري بإعادة النظر في تلك الطقوس.