ظاهرة التلاعب بالمفاهيم السياسية ليست جديدة، بل تمتد لعدة عقود، بل قرون، وقد تطورت عبر الزمن نتيجة لعوامل تاريخية واجتماعية وثقافية متعددة ـ وبالطبع ـ الأنظمة الشعبوية الشمولية تمثل نمطا معقدا في السياسة الحديثة، حيث تبرز التوترات بين دعاة الدولة المدنية والشعبويين.: في العصور القديمة، كان القادة يستخدمون اللغة بشكل استراتيجي لتشكيل آراء العامة لتبرير إخفاقهم السياسي. وفي العصور الوسطى، استخدم الدين مفهوم مثل "الحق الإلهي" لتبرير الحكم المطلق، مما أسهم في التلاعب بالمفاهيم السياسية لتعزيز السيطرة. مع ظهور الأنظمة الشمولية مثل الفاشية والنازية، بدأ قادة هذه الأنظمة في استخدام مفاهيم مثل "الوطنية" و "الثورة" بشكل متلاعب. لتحقيق أهدافهم السياسية هذه استخدموا وسائل الإعلام والدعاية للتأثير على الرأي العام. خلال الحرب الباردة، تم استخدام مفاهيم مثل "الديمقراطية" و "الحرية" من قبل القوى الغربية و "العدالة الاجتماعية" و "التحرير" من قبل الأنظمة الاشتراكية. كان كل طرف يحاول تبرير سياساته بعبارات ديمقراطية.
مع ظهور العولمة وتقنية المعلومات، أصبح التلاعب بالمفاهيم أكثر انتشارا. تستخدم الحكومات الشمولية وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحكومي أو الخاص لنشر المعلومات المضللة أو تحريف الحقائق لترويج روايات معينة، مما يعزز من السيطرة على المفاهيم السياسية التي تتيح لهم استقطاب الرأي العام بطرق جديدة. ولتوجيه المشاعر العامة يتم تصوير السياسات المثيرة للجدل على أنها "ضرورية لحماية العملية السياسية أو" الأمن القومي من وجهة نظر زائفة.
شهد العراق في العقود الستة الأخيرة صعود حركات وأحزاب شمولية، تستخدم لغة شعبوية تظهرهم كمدافعين عن الشعب من خطر النخب التنويرية، المدنية، رغم أن سياساتهم قد تعزز من استبدادهم.
إن ظاهرة التلاعب بالمفاهيم السياسية تمثل نمطا معقدا تمارسه الأنظمة الشعبوية الشمولية في السياسة الحديثة، إلى درجة يمكنها استكشاف كيف يتم استخدام اللغة والسيطرة على المعلومات للتأثير على المجتمعات من قبيل الترويج لفكرة أن الشعب يجب أن يكون له صوت في اتخاذ القرارات السياسية، لكنهم في واقع الحال يتحدثون عن الصراع بين "النخبة السياسية الحاكمة" و "الشعب" لبقاء السلطة مفرزة بأيديهم لحماية أهدافهم الأيديولوجية هذا السلوك تتبناه كل من الأحزاب الشعبوية والقومية والإسلام السياسي.
تشير الوقائع والأحداث إلى أن الأنظمة التي تسعى للسيطرة على جميع جوانب الحياة العامة والخاصة، وغالبا ما تشمل قمع المعارضين والتحكم في الإعلام والمعلومات. يتبنى زعماؤها أسلوبا قويا للسيطرة على المؤسسات، مما يؤدي إلى تآكل الديمقراطية أن صدق وجودها في بلد كالعراق. وغالبا ما يقدم القادة الشعبويون أنفسهم كمنقذين، ما يعزز من سلطتهم ويقوض مؤسسات الدولة المستقلة وتآكل السلطة المركزية والحد من استقلالية القضاء والإعلام وفقدان الشفافية والمساءلة. وقد يؤدي من حيث تصوير الخصوم السياسيين كأعداء إلى استبعاد الفئات الأخرى أو الأقليات وتأجيج المشاعر الوطنية وخلق انقسامات مجتمعية.
فهم ديناميكيات الأنظمة الشعبوية الشمولية مهم لتقييم التحديات التي تواجه مبدأ الدولة المدنية المعاصرة. الأمر يتطلب مراقبة مستمرة وتوعية مجتمعية لحماية القيم المدنية وضمان حقوق الإنسان. فالديمقراطية يمكن أن تستخدم كأداة للتلاعب، ويمكن ممارسة السياسة باسم الديمقراطية بشكل مضلل. والديمقراطية موضوع معقد: فإذا كانت تعني حقا حكم الشعب، حيث يتمتع المواطنون بالحق في المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية من خلال الانتخابات والتعبير عن آرائهم. فيجب أن تشمل الديمقراطية مبادئ الشفافية، والمساءلة، واحترام حقوق الإنسان. مثل هذه الأمور في بلد كالعراق غير متوفرة. إنما منظمة بطريقة تضمن بقاء السلطة في يد مجموعة أحزاب معينة يمكنها استخدام وسائل الإعلام الحكومية لترويج سياساتها بما في ذلك فكرة أن الانتخابات نزيهة، رغم أن النتائج تكون محسومة سلفا. وقد تروج إلى مظاهر ديمقراطية، لكنها تمارس في الواقع سياسات استبدادية مثل استخدام القوانين لتجريم النشاطات المعارضة أو قوانين تقييد حرية التعبير والتجمع، مما يمنع أي انتقادات أو معارضة حقيقية. هذه الأدوات تستخدم في الكثير من الأحيان تحت مظلة الحفاظ على "النظام العام" أو حماية "العملية السياسية" أو تحت ذريعة حماية الديمقراطية "المفقودة أصلا" في حين يتم خلق حالة من الخوف والتوتر المجتمعي…
الخاتمة:. تظهر الأنظمة الديكتاتورية الشمولية خطابا كيف يمكن أن تستخدم الديمقراطية كواجهة لتبرير القمع والعنف. لكن، من المهم أن يكون المواطنون على دراية بالأساليب التي تستخدم للتلاعب بالمفاهيم، وأن يسعوا إلى تعزيز المساءلة والوعي النقدي والمشاركة الفعالة لحماية حق المواطنة والقيم المدنية من الاستغلال والتلاعب لإقصاء المنافسين السياسيين الذين يريدون الإصلاح والتغيير.