جرت في اوروبا منذ سنوات طويلة عملية تعديل لسن التقاعد وذلك بتأخيره لعدة سنوات. ولم يعطي المبادرون الى هذه العملية اي توضيح عدا ان التكاليف المالية تزداد بفعل شيخوخة السكان وتزيد بالنتيجة من احتمال استحالة دفع تكاليف التقاعد من قبل الدولة الى آخره. ومع هذه التبريرات غير الواضحة جرى اللجوء الى تعديل سن التقاعد رغم معارضة النقابات والمنظمات المهنية الذين لم يبد مع ذلك انهم قد انتبهوا للتلاعب. ولا يبدو على الناس العاديين ولا سياسيي اليسار انهم فهموا ما يحاك على الرغم من مشاركتهم المعارضة للتعديل. نحن نعتقد ان الامر ابعد واكبر من هذا حيث لا يكون إلا مؤامرة موجهة ضد كل العاملين لدى الشركات سواء كانوا عمالا ام موظفي الادارة لتحطيم وإلغاء دولة الرفاه.
وتنفرد باتخاذ مثل هذه القرارات احزاب اليمين فقط. وهذه الاحزاب كما هو معروف هي احزاب الشركات الكبيرة خصوصا.
يهدف تأخير سن التقاعد في ما نعتقد الى كبس الاجور. فمع توقف الشخص عن العمل لدى وصوله الى هذا السن سيكون بتركه لعمله شاغرا قد فسح المجال لشخص آخر للحلول محله. وهذا الاخير لدى انتقاله الى عمله الجديد سيفسح بدوره المجال لشخص آخر ليحل محله، وهكذا دواليك. بذلك تكون نتيجة تأخير سن التقاعد هو ايقاف خلق الشواغر ومعها عملية الاستبدال والتجديد هذه. وفرض تجميد عملية الاستبدال هذه سواء في قمة هرم العمل او تحته سيؤدي الى توقف كل العملية في باقي اماكن العمل حتى مستوى قاعدة الهرم. وهكذا فعند عدم شغور اي موقع عمل في الاخير لن تتوفر بالنتيجة اية فرص عمل جديدة وسيبقى الباحثون عن العمل عاطلين. بمرور الوقت ومع استمرار هذه الاوضاع ستزداد اعدادهم بشكل كبير وهو الهدف المراد. والمعروف بان وجود كثرة من الباحثين عن العمل مقابل قلة المعروض من فرصه يمكن ان يستغل لضغط الاجور نحو الاسفل. هكذا كانت الفكرة بخلق الاوضاع لارباب العمل والشركات لفرض تقليل اجور العمل او تكاليف التشغيل في شركاتهم. وتقليل هذه التكاليف للحفاظ على الارباح هو حلم وهدف كل شركة ورب عمل.
وتوازيا مع هذا يجري استقدام عمالة من الخارج لكبس اجور العمل اكثر. إذ تستقدم دول اوروبا الغربية عمالا من بولندا، والاخيرة من اوكرانيا ودول اخرى، واوكرانيا من رومانيا او المجر الى آخره. بهذه الطريقة يتم الحفاظ على ارباح الشركات لدى تمكنها من فرض كبس الاجور. ولدى نجاح هذه الاساليب في مكان ما يجري تطبيقها في كل مكان مع اصناف العمل الاخرى.
ونتيجة جانبية لسياسة خدمة الشركات وحماية الدولة لمصالحها هو ان الاولى ستشعر بالثقة المفرطة فتبدأ بالتغول على الباحثين عن فرص العمل مع ممارسة التمييز ضدهم. وهو ما ادى الى ظهور ممارسات عنصرية من لدنها ضد كل من هو غير اوروبي ابيض.
هكذا نرى هذه الطريقة المبتكرة للقضاء على دولة الرفاه والعودة الى ما قبل فترتها.