لا أدري ماذا سيترك السيد بايدن وطاقمه من إرث لهذه البشرية؟ فسجله على الصعيد الداخلي طافح بالتراجع الاقتصادي وارتفاع مريع بالتضخم الذي أصبح يؤرق المواطن الأمريكي بسبب ارتفاع كبير بأسعار السلع الأساسية، كما أن شراء منزل أصبح حلما بعيدا عن متناول الكثيرين بسبب ارتفاع كبير بأسعار العقارات وانسحاب ذلك على الإيجارات بطبيعة الحال. أما على صعيد حرية التعبير فقد كشر النظام الرأسمالي عن أنيابه وحاول عند أول تحدي بسيط ضد دعاياته والأخبار الملفقة والكاذبة التي يديرها الإعلام التابع، التنكر لمبادئ الدستور التي تحمي حرية التعبير، والعمل على تحجيم التظاهرات المناهضة لسياسته الداعمة للإبادة الجماعية الدائرة في غزه ولبنان واعتقال وطرد أساتذة الجامعة والطلبة المشاركين فيها، كما حاول تصريف أزمته الاقتصادية بإطلاق يد المجمع الصناعي العسكري لضخ الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا وإسرائيل والتدخل السافر في الحرب الدائرة هناك.
فالعالم اليوم يقف على شفا حرب شرق أوسطية واسعة بسبب إستمرار آلة القتل الإسرائيلية – الأمريكية البشعة في فلسطين ولبنان وسوريا وضخ الأموال والأسلحة الفتاكة لتغذيتها بالدماء والمعاناة، كما يثقل كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين بتكاليفها العالية وسط سكوت وعدم مبالاة العالم (المتحضر). ومن جانب آخر وبعد تقهقر سمعة وأداء الإدارة الأمريكية الحالية ورئيسها السيد بايدن وخسارة مشينة للحزب الديمقراطي الأمريكي في الإنتخابات الرئاسية أمام الحزب الجمهوري بقيادة السيد ترامب وسيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ مما سيطلق يد الجمهوريين في إجراء تغييرات عميقة من سن القوانين والتحكم بالمناصب الحكومية المؤثرة، نجد أن الديمقراطيين وطاقم الرئيس بايدن يحاولون وضع العصي أمام مسار عربة الجمهوريين وخاصة على الصعيد السياسة الخارجية إذ فشلوا قبلها في تقديم السيد ترامب للمحاكمة وإفشال محاولته الوصول للبيت الأبيض. وكما هو معروف وعبر التصريحات الكثيرة التي عبر فيها السيد ترامب من إنه سيحاول وضع حد للحرب الروسية الأوكرانية ويضع كذلك حدا للحرب في الشرق الأوسط، هذا ما صرح به على أية حال في عدة مناسبات قبل الانتخابات.
وأصبح معلوما أيضا بأن الديمقراطيين سوف لن ينتظروا دخول ترامب إلى البيت الأبيض لكي يغرقوه بالمشاكل الداخلية والخارجية حيث بدأوا بالفعل بتحشيد قواهم من أجل تكبيله وطاقمه وإشغالهما بالقضايا القانونية التي تلاحق ترامب وعدد من أعضاء إدارته المرتقبة. اما فيما يخص وعود ترامب بإيقاف تمويل أوكرانيا بالمال والسلاح انتهاء بإيقاف الحرب الهجينة التي تدور بين روسيا والناتو على أرض أوكرانيا، فقد خطى السيد بايدن بتهور ورعونة استفزازية خطرة وسمح لأوكرانيا استخدام الأسلحة الأمريكية البعيدة المدىATACMS لضرب العمق الروسي مما قد يؤدي ليس فقط إلى توسع رقعة الحرب ولكن أيضا تهديد البشرية بحرب نووية لا تبقي ولا تذر كما صرح به القادة الروس حيث أجروا تعديلات على عقيدتهم النووية وتطلق يدهم لاستخدام الأسلحة النووية حال تهديد وجود روسيا وحلفائها، خاصة وأن الروس يعلمون جيدا بأن الذي يشرف على عمل هذه الأسلحة البعيدة المدى الأمريكية والفرنسية والبريطانية التي تدخل الخدمة قريبا جدا هم متخصصون في قوات حلف الناتو وهذا يعني أن حرب الاستنزاف سابقا ستصبح حربا مكشوفة بين حلف الناتو وروسيا.
هل يرغب السيد بايدن ان يخلده التأريخ بأنه الرجل الذي ألقى علبة الكبريت المشتعلة في خزان العالم المليء بالبنزين ويجهز على ما انتجته البشرية من علوم وحضارة؟ ما دور قوى السلم واليسار العالمي في درء مخاطر هذه الحرب الكارثية القادمة؟ فالدول الرأسمالية التي تعيش حالة استنفار وهلع من أن التغيير في العلاقات الدولية قادم لا محالة إثر الصعود الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري الجامح للصين وروسيا وتحالفهما الإستراتيجي بوجه المخاطر التي تهددهما، وبروز أقطاب اقتصادية وعسكرية جديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، حيث ستساهم كل تلك العوامل على ضمور حالة القطب الواحد المهيمن على الساحة الدولية لثلاثة عقود وحولها إلى ملعبه الخاص يعاقب ويهاجم مَن يشاء ويتدخل عسكريا في حروب عدوانية دون الإكتراث لاحتجاجات المنظمات الدولية ولا لقوى السلم العالمي والمنظمات الإنسانية. فالأنظار اليوم تتوجه إلى معسكر السلام واليسار العالمي من اجل العمل الجاد للجم صقور الرأسمال العسكري وشل اياديهم وإنقاذ البشرية من دمار شامل.