الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كنت عدادا في التعداد السكاني في العراق سنة ١٩٧٧

قبل حوالي نصف قرن انتدبت من معمل تصليح الدبابات في معسكر التاجي، الى وزارة الإسكان والتعمير، ثم المؤسسة العامة للطرق والجسور …. وصولاً الى مشروع طريق (ام الشبابيط- سنوني- بارا- ام الذيبان) في قضاء سنجار. باشرت العمل في شهر اب ١٩٧٧، وبعد حوالي شهرين أبلغت من قبل الدائرة بالمشاركة في عملية التعداد السكاني، حيث دخلت دورة تدريبة لمدة أسبوع وكان معي المهندس حازم سعيد (من بعشيقة) وعند التحاقي بالدورة في الجانب الايسر من الموصل التقيت بصديق يعمل موظفا في البنك اسمه صباح نونا الصفار. تدربنا جيدا حتى انتهاء الدورة ثم وزعونا للتطبيق التجريبي في داخل الموصل وضواحيها، كان نصيبي قرية (كوكجلي) شرق الموصل حيث شرعت بتدوين المعلومات عن سكانها، وانتابني استغراب بأنهم يتكلمون التركية والفارسية والكردية الى جانب العربية وأيضا وجود حالات الزواج من أكثر من واحدة، ذلك ما لم ألِفَه في بلدتي.

اما داخل الموصل فقد اخترت بيت أحد اقربائي في شارع الفاروق وهو المرحوم سلمان صادق اودو، فأحسنوا استقبالي وشرعت بجمع المعلومات، وتشاء الصدف بعد حوالي السنتين من ذلك التاريخ ان اخطب ابنته كفاح التي هي حالياً زوجتي وام اولادي. اقتربت أيام التعداد، أبلغت بان أكون ضمن قاطع القوش، وهكذا حضرت اجتماعا هناك في مبنى قريب من بيت مدير الناحية وكان المسؤول إبراهيم الدباغ (أبو يعرب).

نُسبت للعمل تحت امرة المرحوم حميد ميخا تيزي، وكلفنا بتعداد الديرين شرق البلدة، ثم أصبح التعداد قاب قوسين او أدنى، عندما دعينا لاجتماع ليلة التعداد يوم الاثنين ١٧- ١٠- ١٩٧٧، هناك قرأ نص البرقية من الرئيس الأعلى للتعداد وزير التخطيط عدنان حسين الحمداني (اعدم في اب ١٩٧٩) وكان مكان الاجتماع في مدرسة القوش الأولى في بيادر محلة قاشا. طبعا تدربنا بان يكتب المعني في حقل القومية كما هو كردي او عربي او ارمني …. الخ، ولكن نص البرقية التي تليت علينا تامر بتسجيل الكلداني والآثوري والأيزيدي عرباً، وإذا سجلها المواطن كما يريد تشطب وتكتب فوقها القومية العربية، في داخلي استهجنت الامر، ولكن ماذا بودي ان افعل في ظل حكم دولة بوليسية بالغة القسوة.

في صبيحة اليوم التالي ذهبنا انا وحميد بالسيارة الى دير الربان هرمزد، حتى بداية الوادي، من هناك صعدنا مشياً على الاقدام والمطر ينهمر والجو بارداً، حتى وصلنا ديوان رئيس الدير الانبا منصور مامو (من كرمليس) ومعه عدد قليل من الرهبان فسجلناهم ونزلنا الى دير السيدة حافظة الزروع وهناك شرعنا بتسجيل الرهبان وكان العدد لابأس به (بالعشرات) وسجلناهم والذي بقي عالقا في ذاكرتي الأكبر سنّا الذي لا يعرف مواليده، ومن التدريب تعلمنا ان نسأل عن حوادث في التاريخ فقلنا له : هل تتذكر سنة الثلج الكبير والسفر برلك فقال كنت رجلاً انذاك أي فوق العشرين واسئلة أخرى لنخرج باستنتاج تقريبي ان يكون مواليده في سنة ١٨٨٧ أي في حدود التسعين. اعتقد كان اسم ذلك الراهب الأخ أيرميا، وعند الظهيرة قفلنا راجعين الى القوش وحالة منع التجول سارية فيها.

ذهبنا الى المبنى الذي فيه المسؤول وسلمناه دفاتر تعداد الديرين، في تلك الأثناء وصل معلم اسمه فرنسي (من تلسقف) وكان مكلفا بإدارة التعداد في قرية دوغات وهو يلهث من التعب والارهاق، فقال لم يدعونا نسجلهم عرباً وقسم منهم مزقوا دفاتر التعداد، فانسحبنا الى هنا لتلقي التعليمات، فقال لهم أبو يعرب ارجعوا اجمعوا ما سجلوه على عجل، وعندما تغادروا القرية اشطبوا كلمة القومية المسجلة لتصبح عربا.

بالنسبة لي كلفني أبو يعرب بالذهاب الى محلة سينا، ومساعدة مسؤولة التعداد هناك المدرسة يازي يونس قيا حتى انقضاء النهار، ذهبت ويا للمصادفة ان تكون الست يازي تروم دخول بيت المرحوم توما توماس، كانت التعليمات كما اسلفنا شطب اية قومية غير العربية، اخذنا دفتر التعداد بعد ترحيبهم بنا، فتحت الست الدفتر لترى في حقل القومية مسجلين كلدان، فشطبت الكلمة من الاسم الأول، فأوقفها أبو جوزيف وقال نحن ادلينا بمعلوماتنا ولا نسمح بتغيير ما كتبنا داخل هذا البيت، طُلب منا ان ندلي بمعلومات صحيحة اما الخاطئة فلا نقبل بها، عندما تغادرون غيروا ما تشاؤوا لكن ليس امام انظارنا.

هكذا استمر عملنا في جمع الاستمارات المسجلة من البيوت المتبقية في محلة سينا حتى اتينا الى اخرها، ونحن نصحح المعلومات (الخاطئة) المسجلة كما نصت عليها برقية اللجنة العليا للتعداد السكاني عام ١٩٧٧.

nabeeldamman@hotmail.com

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-11-2024     عدد القراء :  60       عدد التعليقات : 0