عندما قرر أن يجمع حواراته التلفزيونية في كتاب، اختار له اسم " حوارات القرن "، وإلا أي اسم يمكن أن نضعه لمائدة ثقافية اجتمع حولها " 150 " من اعلام الثقافة والفكر والأدب في بلادنا العربية، وستصاب بالدهشة وانت تتنقل بين صفحات هذه الموسوعة كيف استطاع محمد رضا نصر الله أن يجمع بين نجيب محفوظ ونزار قباني، وتوفيق الحكيم وحمد الجاسر، ومحمد مهدي الجواهري وبنت الشاطئ، والطاهر وطار، وأدونيس، وعبد السلام المسدي وعلي جواد الطاهر، وعبد الله البردوني وفدوى طوقان ومحمد الفيتوري وغازي القصيبي، وسعدي يوسف وسعيد عقل، وعبد الرحمن بدوي وعبد الله العروي، وطيب تيزيني وزكي نجيب محمود، والشيخ محمد مهدي شمس الدين ومحمد عابد الجابري، وفهمي جدعان ويوسف ادريس، ومحمد أركون وأمل دنقل، وعبد الله الغذامي وحنان شعراوي، وهشام جعيط والشاذلي القليبي، وعلي حرب وصاحب صدام الحضارات صموئيل هنتنغتون.
عندما قرأت موسوعة محمد رضا نصر الله تذكرت على الفور السندباد المصري حسين فوزي عندما كان يأخذ القراء في رحلات بين المتاحف وكتب السيرة والجغرافية والتاريخ والفنون، وقلت لنفسي هاهو سندباد سعودي يطوف بنا في عوالم وحكايات. يُقيِم صداقات حقيقية مع عمالقة الأدب، لا تهمه الجغرافيا ولا خلافات البلدان، تسحره الصحافة فيمضي اجمل سنوات عمره في دهاليزها. يكتب بحرفية زاويته المشوقة " اصوات " ليجلس وبجدارة الى جوار كبار الصحفيين ، مستنير مثل عشرات المستنيرين في المملكة العربية السعودية الذين صمموا ان يضعوا بلادهم على قائمة الرقي الثقافي.
سندباد سعودي يتجول بين البلدان، من مدينته القطيف شرقي السعودية يقرر الشاب البلغ من العمر سبعة عشر عاما ان يخترق العالم يبحر صوب البحرين هناك يلتقي ابراهيم العريض وعلوي العاشمي وقاسم حداد ومحمد جابر الانصاري، تسحره مكتبات المنامة لتلتقط يداه دواوين السياب وبلند الحيدري وصلاح عبد الصبور.. كان هذا موسم الشعر والشعراء، والنافذة التي ستقوده الى دراسة الادب في العاصمة الرياض، ليحط بعدها الرحال في قاهرة المعز، الشاب الذي يبلغ من العمر عشرين عاما يبحث في المنتديات الثقافية عن عكاز توفيق الحكيم وحرافيش نجيب محفوظ.
مدهشة حكايات السندباد السعودي وهو يدون ادق التفاصيل التي تتعلق بضيوف مائدته الحوارية. ومدهش أسلوبه في الجمع بين الحكاية الشخصية والالتماعات الفكرية. والأكثر إثارة للإعجاب هو ما سجله في كتابه الاخير " اصوات في الادب والفكر والاجتماع " من دقة عجيبة لذاكرة نصف قرن من الحوارت الشيقة والتجوال بين البلدان، فتعجب كيف رأى وشهد وشاهد، ووثق، ورصد لتحولات مرت بها الثقافة العربية، وقد حرص الاديب والإعلامي المتفرد، والحكاء النادر محمد رضا نصر الله، على أن تكون كتاباته سجلاً فائق المتعة.