مرة أخرى، يُجدّد الأميركيون انتخابهم دونالد ترامب. ومرّة أخرى تحظى الانتخابات الأميركية بمثل هذا الاهتمام العالمي، لأسباب عدّة، لعل في مقدّمتها انسحاب المنافس الرئيس لترامب، جو بايدن، والانسحاب كان لصالح نائبته كامالا هاريس، وهذه سابقة لم تحدث قبلاً على مدى تاريخ الانتخابات الأميركية.
إذن، عاد ترامب إلى سدّة الحكم في أميركا، وعادت التوقّعات والآراء بطبيعة حكمه المقبل، الذي سيستمر أربعة أعوام. هذه المرة، تُبنى التوقّعات والآراء على معرفة مسبقة بطبيعة هذا الحكم، انطلاقاً ممّا أفرزته الأعوام الأربعة التي انتزع فيها الرئاسة من منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، فصار طبيعياً أنْ يبني خبراء السياسة استشرافهم لفترته الجديدة على قراءة تقترب كثيراً من الواقع. لكنْ: هل تَصحّ مثل هذه القراءة؟ هذا ما ستنجلي عليه وتفرزه الأعوام الأربعة المقبلة.
لعلّ أكثر رؤساء أميركا، الذين تعاقبوا في الـ120 عاماً المنصرمة، الذي حظي باهتمام الفنانين في فترته الأولى هو ترامب، بسبب مواقفه من النساء والإجهاض والمهاجرين والأقليات وكوفيد-19. ربما كانت مواقف الفنانين أحد الأسباب التي أدّت إلى عدم فوزه في الانتخابات الأميركية السابقة، إذ انتخب بعضهم بايدن الديمقراطي نكاية به، فقط لا غير.
إذا وضعنا فيلم "المتدرّب" (The Apprentice) للدنماركي الإيراني علي عباسي، الذي تناول سيرة ترامب في سبعينيات القرن الـ20 وثمانينياته، جانباً بسبب الشُّبهة السياسية التي رافقت تنفيذه، ولتزامنه مع أوار حملته الانتخابية الشرسة، وبالتالي غضبه هو منه، منذ عرضه الأول في الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/أيار 2024) لمهرجان كانّ، إذْ أرسل محاميه خطاباً لوقف العرض، وهاجم ترامب نفسه الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً إياه بأنّه "عمل سياسي مثيرٌ للاشمئزاز والأحقاد".
إذا تجاوزنا هذا كلّه، علينا أنْ نتذكّر ما فعله الفنانون في فترة رئاسته الأولى. فنجمة تلفزيون الواقع كيم كاردشيان تتبوّأ قائمة الفنانين العالميين الذين عبّروا عن رفضهم قرار الرئيس ترامب بشأن منع دخول مواطني سبع دول عربية وإسلامية الولايات المتحدة الأميركية. كما اعتذر المخرج مايكل مور للمسلمين بعد إعلان ترامب هذا، لكنّ الأشدّ كان الممثل روبرت دي نيرو والمخرج أوليفر ستون: الأول لا يدخر فرصة إلا ويهاجمه فيها مباشرة أو غير مباشرة. ففي مقابلة صحافية بعد تكريمه بجائزة نقابة الممثلين، قال إنّه "ينتظر بفارغ الصبر أنْ يُعزل ترامب بعد مساءلته"، مُضيفاً: "لا أريده أن يموت. أريده أن يقبع في السجن". بعدها، ردّ ترامب عليه في تغريدة، واصفاً إياه بأنّه "فرد تافه".
ستون صرّح بأنّه يدرس مشروع فيلمٍ عنه، إذْ تنبع قوّته من كونه شخصية شعبية وله شطحاته. أطلق خياله الفني قائلاً: "لا يوجد شيءٌ يُمكن أنْ يأسر هذا الرفيق. إنّه زوبعة، وشخصية درامية رائعة".
هوس ترامب بالقرارات التي اتّخذها منذ توليه الرئاسة إلى الآن، والتي أثارت العالم، تركت ردات فعل مختلفة، وصل بعضها إلى القضاء ليردّها الأخير.
لم تسلم السينما والسينمائيون من شظايا هوسه، إذْ دخل، على غير عادة رؤساء أميركا، في سجالات تكاد تكون يومية معهم، آخرها رَدّه بقسوة على إحدى ألمع نجمات السينما ميريل ستريب. ولا نزال نتذكّر ردّ الفنانين الصفعة بأحسن منها، إذ انتظرت السينما أياماً لتهيئ له ردّاً أقوى عليه: انتظرت عرسها الأكبر، حفل توزيع جوائز أوسكار لتصفي معه حساباتها. كما اتّخذ الإعلامي والممثل جيمي كيمل منه مادة للسخرية في الحفلة تلك، متهكّماً على اضطراب المشهد السياسي في أميركا والعالم منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
لم يكتفِ السينمائيون في عرسهم بالثأر لأنفسهم منه، بل ثأروا أيضاً للإعلاميين الذين نال منهم هوس ترامب كثيراً، إذْ ألمح كيمل إلى المواجهات بين ترامب ووسائل الإعلام، فطالب أي صحافي من "سي أن أن" و"نيويورك تايمز" و"لوس أنجليس تايمز" بمغادرة المبنى، مُعلناً: "لا تهاون مع الأخبار الزائفة".