الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
بروتوكولات مقهى ريش

حين اقرر ان ازور بلد ما استحضر نصيحة الكاتب البرازيلي باولو كويللو عندما قال ذات مرة إن المقاهي مرايا المجتمع والتاريخ. قبل زيارتي الاولى لمقهى ريش ارتبط اسمه عندي بقصيدة عظيم مصر احمد فؤاد نجم والتي غناها عظيم آخر اسمه الشيخ أمام عندما صدح صوته يصف حال المثقفين :

يعيش المثقّف على مقهى ريش.. يعيش يعيش يعيش.. كثير الكلام.. عديم الممارسة عدوّ الزحام.

وعندما دخلت المقهى اول مرة تخيلت المكان الذي كان يجلس فيه نجيب محفوظ يتسامر مع أصحابه، وحكاية امل دنقل مع قصيدته زرقاء اليمامة ومقتل كليب. وحواديت اسامة أنور عكاشة من ليالي الحلمية إلى المصراوية.. كنت أنظر إلى الصور التي امتلأت بها الجدران. هذا عبد الوهاب البياتي يكتب الحروف الاولى من قصيدته "أغنية من العراق إلى جمال عبد الناصر":

باسمك في قريتنا النائية الخضراء

في العراق

في وطن المشانق السوداء

والليل والسجون

والموت والضياع

سمعت أبناء أخي باسمك يلهجون

وفي واحد اركان المقهى كان نجيب سرور يواصل سخصه على الظلم ليكتب "بروتوكولات حكماء ريش":

"نحن الحكماء المجتمعون بمقهى ريش .. من شعراء وقصاصين ورسَّامين .. ومن النقاد سحالى "الجبانات" .. حَملة مُفتاح الجنة

نحن الحكماء المجتمعون بمقهى ريش ..قررنا ما هو آت:

البرتوكول الأول:

لا تقرأ شيئًا

كُن حمَّال حَطب

واحمل طنّ كتب

ضعه بجانب قنينة بيرة

أو فوق المقعد

واشرب وانتظر الفرسان،

سوف يجيء الواحد منهم تلو الآخر

يحمل طن كتب..

استمد مقهى ريش اسمه من اسم المقهى الباريسي الشهير في ذلك العصر "غراند کافیه ریش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس والذي احتضن أشهر شخصيات الثقافة والفكر الفرنسيين على غرار ألكسندر دوما وإميل زولا. وقد نجح ريش المصري في الحفاظ على سمات المقاهي بطابعها الأوروبي الغربي الفرنسي. وساعده على الرواج الذي حظي به وقوعُه في قلب المنطقة الحيوية في وسط القاهرة، التي تضمّ مباني فخمة ومهمة أنشئت في بداية القرن العشرين بخبرات معمارية أوروبية .

يروي الروائي جمال الغيطاني في كتابه "المجالس المحفوظة" ان ندوة نجيب محفوظ كانت تقام كل خميس في مقهى ريش حيث يجتمع حوله الادباء، وصار المقهى المقرّ الأول لمحفوظ، حتى أنّ المثقفين والكتّاب الأجانب كانوا يرسلون الخطابات إلى محفوظ على مقهى "ريش" وليس على عنوان بيته. وفي مقهى "ريش" وُلدت العديد من المشروعات الأدبية مثل مجلة "الكاتب المصري" التي صدرت عام ١٩٤٥ ورأس تحريرها طه حسين. وخرجت إبداعاتٌ كثيرة كَتبت عن "ريش" منها رواية "الكرنك" لنجيب محفوظ، في بغداد كانت هناك البرازيلية ملتقى كبار مثقفي العراق، لكن السلطة قررت اجتثاثها، خوفا من ان يكتب أحد الادباء بروتوكولات حكماء بغداد.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 29-01-2025     عدد القراء :  66       عدد التعليقات : 0