تعتبر الانتخابات طريقاً للديمقراطية وبما أن العراق لم يمارس الديمقراطية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة إلا فترات قصيرة جداً فهو اليوم بعد الاحتلال والسقوط تسنت الأوضاع للممارسة الديمقراطية النسبية واعتبرها المختصين " ديمقراطية فتية " وفي هذا المضمار جرت دراسات كثيرة ومتنوعة لاختيار الأفضل لتحقيق العدالة والحرية وحسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومع شديد الأسف تم اختيار أنظمة انتخابية لها مثالب عديدة لم تكن بالمستوى المطلوب ولهذا شابَ جميع الانتخابات التي جرت الكثير من التجاوزات والممارسات بما فيها التزوير وتزييف إرادة الناخبين وغيرها من الممارسات التي لا تمت بأي صلة مع نظم الانتخابات التي تعتمد الحرية والديمقراطية وقامت اكثريتها وفق المحاصصة الطائفية والتوافقية الحزبية والعودة الى وقائع الانتخابات السابقة سنجد انها استغلت من قبل القوى المتنفذة وأَبعد العديد من الكتل بسبب نظام المحاصصة وقانون انتخابي غير عادل ووجود مفوضية عليا للانتخابات غير مستقلة ، ولعل خير مثال ما جرى قبل واثناء وبعد الانتخابات الأخيرة ( أكتوبر / تشرين الأول 2021 ) فقد اصبح البرلمان أداة بيد تحالف شيعي جديد قديم بخاصة بعد انسحاب الكتلة الصدرية " 73 " نائب حيث اصبح التشريع وفق نهج بعيد عن قواعد العمل الديمقراطية للبرلمان.
واليوم على الرغم من الدعوة التي اطلقت بضرورة نزاهة الانتخابات التشريعية القادمة في العراق فهي دعوة صريحة الاتهام بعدم نزاهة الانتخابات السابقة وايضاً بعيدة عن التحقيق في واقع الوضع العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقضايا اخرى لها أهمية قصوى في تحقيق الدعوة في مقدمتها، قضايا الفساد المالي والإداري وأسباب عزوف مئات الآلاف من المواطنين عن المشاركة او حتى دعم للانتخابات وعدم الثقة في التنظيمات والأحزاب الطائفية اضافة الى الميليشيات المسلحة التي تتدخل بشكل سافر في سير ونتائج الانتخابات، الكلام يطول عن نتائج الانتخابات السابقة وقانون الانتخابات غير العادل والذي يخدم المتنفذين والفاسدين وأصحاب المناصب الكبيرة في الدولة وغير ذلك من المثالب التي تسود قانون الانتخابات ومنها ضبابية مصادر الأموال التي تستخدم في العملية الانتخابية من قبل الأحزاب والتنظيمات التي تشارك في الانتخابات ولهذا طالبت أكثرية القوى الوطنية والديمقراطية بسن قانون انتخابي عادل وليس وسيلة تستغلها القوى المتنفذة لتمرير ما تهدف اليه من تحقيق مصالحها الضيقة وتكرار عمليات الفساد وتغطية مرتكبيها من اللصوص والفاسدين لكي تتم العملية الانتخابية بشفافية وديمقراطية وينتخب أعضاء للبرلمان يمثلون بحق مصالح مواطنيهم ويقوموا بتشريع القوانين الصالحة لإدارة الدولة والمصالح الوطنية بشكل مستقيم ومستقل واليوم بعد تشريع السلة الواحدة للقوانين بشكل عشوائي غير سليم يؤكد ما قلناه سابقاً بخصوص الخروقات التي تحدث لقواعد العمل البرلماني واعتماد نهج المحاصصة الطائفية والتوافقات على التقسيم الحزبي وفوائد الاستغلال للقوى المتنفذة وفي هذا الصدد نشير الى مئات الاعتراضات والمواقف المضادة للسلة الواحدة انطلقت من الحرص على المصالح الشعبية والمصلحة الوطنية وان يكون مجلس النواب يمثل بحق السلطة التشريعية في الاستقلالية واتخاذ القرارات النابعة من الضمير الوطني بدون الخضوع للقوى المتنفذة ونهج المحاصصة الطائفية البغيضة وقد أشارت بشرى أبو العيس القيادية في الحزب الشيوعي العراقي " إن الكتل المتنفذة في مجلس النواب تواصل نهجها في عدم الاستماع إلى موقف الشارع العراقي وقواه السياسية، وتمرير القوانين والقرارات وفق رغباتها ومصالحها الضيقة " نحن نتفق مع ما يطرح بخصوص المحاصصة والقوى المتنفذة ولكن هذه المحاصصة والقوى المتنفذة مررت خططها وسياستها بخصوص الانتخابات والمجلس النيابي بالاعتماد على قانون انتخابي سهل لها التزييف والتزوير والتلاعب ونحن على علم لماذا تصر القوى الطائفية المتنفذة على رفض سن قانون انتخابي عادل او تعديل مواد وفقرات القانون الحالي ليكون بمثابة قانون انتخابي يحظى بموافقة الجميع عليه؟ نعلم ان ذلك سيمنع التلاعب بالانتخابات او استخدام الأموال غير معروفة مصادرها، الانتخابات المتعارف عليها ثلاث، انتخابات تعتمد النسبية، انتخابات تعتمد الأكثرية أي الأغلبية وانتخابات تخلط بين النسبية والأكثرية ، وقبل أي شيء يجب المباشرة في اجراء إصلاحات حقيقية لكي تكون قاعدة موضوعية لأي تغييرات في البنية السياسية وان يكون الإصلاح السياسي معتمدا على قانون انتخابي يكون على أساس التمثيل النسبي بدون تشويهات حيث يعتبر البلاد دائرة انتخابية واحدة وبهذا يغلق الباب امام القوى التي تريد الاستئثار والاستيلاء على أصوات الناخبين بدون حق ، كما يحتاج التحول للديمقراطية الحقيقية لعدة شروط منها
1ــ تحقيق استقرار مؤسسات الدولة الوطنية والتخلص من المحاصصة الطائفية والحزبية واعتماد الوطنية كأساس للبناء والتقدم، وابعاد المؤسسات الأمنية، الجيش والشرطة الاتحادية عن المحاصصة الطائفية واعتماد الوطنية كأساس للبناء والاصلاح
2 ــ حيادية المؤسسات في قضايا الانتخابات وانتقال السلطة سلمياً وعدم المساس بالتعددية
3 ـــ أهمية استقلال السلطة التشريعية والقضائية وبسط سيادة القانون
4 ــ استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باعتبارها مؤسسة دستورية، وان تكون مهنية ومحايدة لها مسؤولية الاشراف على الانتخابات وكذلك الاستفتاء، وعدم التدخل في طريقة عملها او الهيمنة عليها
5 ــ وضوح السقف المالي بشكل صريح وشفاف للدعاية الانتخابية، إضافة الى مصادر التمويل للتنظيمات والأحزاب.
5 ــ حصر السلاح بيد الدولة المدنية وحل جميع الميليشيات والتنظيمات المسلحة
6 ــ العمل الجاد للتخلص من الفساد المالي والاداري واتخاذا إجراءات قانونية ضد الفاسدين مهما كانت مسؤولياتهم ووظائفهم في الدولة
ان الممارسات التي استخدمت في السابق مازالت باقية وهنا تنعكس رغبة القوى المتنفذة الطائفية من السيطرة والاستئثار والتفرد
وهنا يبرز سؤال يخص الانتخابات القادمة في تشرين الاول 2025 هل ستبقى القضايا المالية مموهة للدعاية الانتخابية؟ وهل هناك تدقيق في قضايا تمويل الكتل والأحزاب والتنظيمات مالياً؟ أم أن هناك تدابير جديدة تغطي السابقات التي استخدمت للتضليل؟ وهل ستجري بالقانون الانتخابي المتحيز؟
ان الانتخابات القادمة يجب ان تجري وفق معايير النزاهة والديمقراطية ومفهوم الوطنية والحرص على البلاد وتعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي والاهتمام بالوضع الامني والا سيبقى المثل الشعبي قيد التطبيق "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي" او " عادت حليمة...الخ" ولكل مسؤول ومواطن شريف ومدرك أن يفهم المعنى!