يبدو أن عدوى ثورات الربيع العربي ونسائمها وصلت تركيا، ولكن الاختلاف مع ما آلت إليه ثورات الربيع العربي عن بدايات الربيع التركي الواعد، هو نجاح أعدائها في تفريغها من جوهرها الوطني المدني العلماني بعد ركوب أحزاب الإسلام السياسي، في دول عربية عديدة، وبالخصوص الإخوان المسلمون موجتها وكذلك بالنسبة لما حدث في العراق من قبل الاحزاب الطائفية، وحرفها عن أهدافها السامية إلى حمأة الرجعية والتخلف، وحملتّها أوزارها القميئة. وهو ما يصعب فعله مع الثورة التركية.
يكمن اختلاف طبيعة الربيع التركي عن سابقاتها من ثورات، في أن مفجرّها، بالأغلب، جمهور مدني علماني ضد الإخوانجي أردوغان، يصعب اختراقها.
وكون اندلاع ثورات الربيع العربي سببها انسداد الآفاق لشعوبها وتفشي الفساد والدكتاتورية ومصادرة حرية الرأي وفشلها البنيوي، بينما ثورة الربيع التركية قامت في ظروف، تعتبر بالعموم، أفضل بما لا يقارن بالصعوبات والانسدادات التي عانت منها شعوبنا. ومع وجود أسباب اقتصادية، من بطالة وانحدار قيمة الليرة التركية… للاحتجاج الشعبي التركي، فإن ما يطفو على السطح، الصراع الأيديولوجي المحتدم بين محاولات أردوغان جرّ تركيا نحو العثمنة (من العثمانية) وبين تيار شعبي متجذر من أنصار الأتاتوركية والنزعات القومية الغير دينية، إضافة إلى قوى يسارية وديمقراطية ترفض العثمنة من جانب، وتدفع نحو حكم أكثر عدلاً ومساواة. ويهمها الخروج من ربقة أتاتوركية استبدادية تقليدية، لا تتحمل شيوع الحريات الديمقراطية، وتكريس دور العسكر في الحياة السياسية.
متنفذو الحكم في بلادنا من أحزاب الاسلام السياسي وبالأخص الشيعي خسرت مرتين، بالاحتجاجات العارمة ضد أردوغان: فهي بالأساس فقدت الشمّاعة التي كانت تعلق عليها كل خيباتها، بالتخويف من الإرهابيين السلفيين الذين يقفون على الحدود ينتظرون إشارة أردوغان للهجوم وسحق تجربتهم الإسلامية الفذة.
وهم من جانب آخر، سيفقدون تجربة أردوغان، رغم اختلاف مقدماتها الطائفية، فهي تجربة ناجحة ضمن التصنيفات الاقتصادية والاجتماعية المعروفة في البلدان الإسلامية، كان يمكن تبني جوانبها الإيجابية.
" رحمةً ايُّها الشعبُ، ضُجَّ بشكلٍ صحيح.. "
الكبير مظفر النواب