نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى الخلف، مسؤولون يعتقدون أن الشعارات تعطيهم فرصة ليخدعوا الناس.
المواطن صار بسبب كثرة الخطابات يميّز بين المسؤول الحقيقي والمسؤول الساعي إلى النجومية، الأول هو الذي يعمل من أجل الناس بصمت، والثاني مصاب بهوس الخطابات والصراخ .
كلما أنظر إلى وجوه مسؤوليناأتذكر التجارب التي خاضتها الشعوب للتخلص من ثقافة الشعارات، وأتساءل، كيف استطاعت هذه البلدان أن تحقق كل هذا التطور؟ وان تحتل المراتب الاولى على قائمة البلدان الاكثر سعادة.
في التقرير الاخير الذي اصدره مركز ابحاث الرفاهية في جامعة اكسفورد البريطانية، نجد دولة الامارات العربية تتقدم في قائمة الدول، التي تتمتع شعوبها بالسعادة لعام 2025، بل تحصل على المركز الاول عربيا مثل كل عام، لكنها هذا العام تفوقت على دول مثل: الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وفرنسا.
تخبرنا كتب الفلسفة أن السعادة نتاج لمجتمعات متطورة تحترم الإنسان وحقوقه، واذا عدنا الى الوراء سنجد سقراط يقول لتلميذه افلاطون: أتعرف ما هي السعادة؟.. إنها خير آخر، وحين يسأل أفلاطون عن الأرض التي تزدهر فيها السعادة يقول سقراط: تخضر السعادة وتزدهر في أرض تشيع العدالة الاجتماعية. وأنا أقرأ هذه الجملة تساءلت: هل نحن في بلاد الرافدين مجتمع سعيد؟، كيف.. وحولنا مظاهر الفشل التي يحاول مسؤولينا إحياءها وتعميمها .
عندما نتمعن في تجربة الامارات العربية التي ارساها المرحوم الشيخ زايد بن نهيان قبل ما يقارب النصف قرن سنجد اجابة على اسئلتنا الحائرة، فقد تلخصت حكمة الراحل الشيخ زايد بـ: أولاً: الواقعية قبل الشعارات.. أي الإيمان بقدرة حقائق الواقع على أن تشكل التغيير ومبرراته، بديلاً عن إيهام الناس بخطب غير واقعية.. ومن ثم فإن تلك الواقعية هي التي حددت طرق التنمية اعتماداً على التحديث والمتابعة الدقيقة .. ثانياً: المهم هو الشعب، وتلبية احتياجاته بأي طريقة.. وبكل السبل.. ثالثاً: الإدارة الجيدة.. رابعاً: تطبيق معايير الأداء على النخبة السياسية.. والتحقق من أنها تقوم بدورها في تحقيق النمو والازدهار.
نقرأ تجارب الشعوب ونتحسر لأننا نعيش في ظل مسؤولين لا يريدون لنا أن نخرج إلى المجتمع المعافى، تمضي الامارات في سباقها مع نفسها، مرة تزاحم الدول الكبرى في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، ومرة وتوسع استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ومرات في اقامة المدن الحديثة ، وفي كل مرة يكون المواطن هدفها الاول والاخير.. كان الراحل الشيخ زايد يقول إن التقدم لا يقاس ببنايات من الإسمنت والحديد، وإنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة.