الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
درس بارزاني

في كتابه الموسوعي "الآثار السياسية الكبرى" يكتب جاك شيفاليه: " لم يعش السياسة من لم يكابد من تكاليفها..أما من اتخذها مهنة مربحة فانه لا يكابد من تكاليفها شيئاً "، تذكرت هذه العبارة وانا اجلس مع مجموعة من ضيوف معرض اربيل الدولي للكتاب نستمع الى الرئيس مسعود بارزاني يروي لنا حكايته مع الثأر. الرجل الذي ينتمي الى عائلة قدمت عشرات الشهداء، وتعرضت مدنه الى تجارب للاسلحة المحرمة وغير المحرمة، وتكالبت عليه المحن، رفض أن يسلم مقادير النفس للثأر.. قال بصوت هادئ: " لم أفكر لحظة واحدة بالانتقام".

بارزاني الذي قفز مبكرا الى دائرة التحدي والمخاطر، قرر ان يضع الاولوية للسياسة الهادئة. أولاً في البناء ، وأولاً في نشر روح التسامح ، وأولاً في السعي الى تنمية قدرات مواطنيه.

اشتهر عن القادة السياسيين في بلاد الرافدين أن كلاً منهم يحمل ورقة للثأر من خصومه، ينقل لنا بارزاني ما جرى في مؤتمر لندن عام 2002 وكيف ان بعض الزعماء السياسيين كان همهم الاول بعد سقوط صدام، النيل من خصومهم. تحدثنا عن نموذج مانديلا وكيف خرج من سجنه الطويل فاتحا ذراعيه للجميع، ابتسم بارزاني، وهو يتحدث عن عشرات من نموذج مانديلا قضوا نحبهم تحت آلة التعذيب والقتل الوحشية في زمن النظام السابق. قال ان في العراق رموز كثيرة علينا ان نلتفت الى نا قدمته من تضحيات في سبيل هذا الوطن.

محطات كثيرة رسمت شخصية الرئيس مسعود بارزاني التي تفتح وعيها السياسي مبكرا، بعدما اختبرتجربة النضال وحمل السلاح وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، لكنه ما ان وضِعت البنادق جانبا، قرر ان ينتقل من الحالة الثورية الى الحالة الدستورية. يبتسم حين نسأله عن مشاكل العراق فيقول بصوت واضح: "للاسف البعض لا يزال يعيش في عقلية المعارض ، رغم انه يجلس على كرسي السلطة".

تحتضن كردستان عشرات الجنسيات، ويتطلع مسؤولوها لتأصيل مفاهيم التعايش والتسامح كركيزة من ركائز الاستقرار والأمن الداخلي، وتنشئة الأجيال الجديدة، والانفتاح على العالم الخارجي. لذلك يصر بارزاني على ان لا مكان للغة الثأر والضغينة في الاقليم، ويتمنى ان يمتد هذا المبدأ الى معظم أرجاء العراق.

"لا جمال في الكراهية" قال غوته، وآمن بها مسعود بارزاني. قال لنا ماذا سيحدث لو اننا فتحنا باب الثأر بدلا من بوابة التسامح. ويجيب بنفسه على هذا السؤال: " لكنا نعيش اليوم داخل جدران ظلماء".

في كل ازمة سياسية، يطلُّ مسعود بارزاني ومعه دبلوماسيته. وفي كل خلاف نجده يلعب دور لولب التوافق. مطالباً بالعودة إلى العقل. يساعده في ذلك دوماً الحجم المعنوي الذي اتخذته مسيرته النضالية وعفويته واستحقاقه السياسي الذي تجاوز فيه الحيز الجغرافي للإقليم، لكي يلعب دور الشقيق والشريك والحريص على جميع مكونات العراق.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 21-04-2025     عدد القراء :  288       عدد التعليقات : 0