الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
غزو العراق.. دلالات الصورة وتأثيرها لكشف الحقيقة

مع مرور أكثر من عقدين على غزوه، لا زالت صورة المشهد الدرامي عالقة في أذهان العراقيين. ولم ينس أي مواطن عراقي عاش لحظة دخول القوات الأمريكية لاحتلال عاصمة بلاده "بغداد" بدعم دولي وتواطؤ عربي. ولن ينسى أيضا، لحظة ما قامت به قوات الاحتلال الأمريكي البربرية من أساليب همجية بحق العراقيين. وعلى من يتجاهل تلك الأحداث والانتهاكات والظروف الدامية، عليه فقط، أن يمر عبر الإنترنيت على أبشع الجرائم الموثقة بالتقارير والصور.

تلك المأىساة وما نتج عنها من مظالم إنسانية وأخلاقية وقانونية، لعل من المناسب التذكير بها، لنحمل الضمير الإنساني مسؤولياته لمتابعة وملاحقة مرتكبي تلك الجرائم لقوات الاحتلال ومن قام بمساعدتهم من العراقيين والأجانب قانونيا. وهو رد فعل طبيعي عندما تركن الذاكرة خلال البحث عن الحقيقة بمحاذاة تلك الشواهد البشعة. والصورة الأكثر وجعا، تموضع سياسيون ومثقفون وإعلاميون مع دائرة الاحتلال معتبرين الغزو "تحرير" وقدرا وطنيا على بلادهم، لكن فيما يتعلق الأمر ومصير العراق وأهله لم يبقوا من الانتهازية والنفاق شيئا لدق مسمار في مشروع الدولة وصناعة الفساد.

في ظرف حرج كالذي يمر به العراق اليوم، يتوجب المقاربة بين ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم لإنصاف الحقيقة والتعاطي مع الوقائع المتعلقة بمصير الإنسان العراقي وإحقاق حقه. والاهم، مواجهة "الهروب من المسؤولية" التي يكرسها بعض المثقفين ومن بينهم الإعلاميين. لتكن خلجات تحد ومراجعة صريحة لما أصاب العراقيين من مظالم وقهر، وليس سجالا يبدأ من حيث انتهى الاحتلال كما يزعم. بل ترشيد محنة الذاكرة لإزاحة الستار عما يتعرض العراق من طمس للحقيقة تحت وطأة النفاق والظلامية، فيما يتراكم الغبار في أروقة الحالمين بالحرية والديمقراطية وفق رؤى وطنية عقلانية المواقف والسلوكيات السياسية.

في العام 2008 تم توقيع اتفاقية أمنية بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة تتضمن "الأحكام الرئيسة لوجود قوات الاحتلال في العراق وأنشطتها". بعد سبعة عشر عاما نكتشف واحدا من أهم الأسرار فيها: عدم المساس بالمصالح المشتركة لكل من الجانبين. المحتل من جهة ومجموعة القوى والأحزاب الطائفية والعرقية التي أتت لسدة الحكم في لحظة غير محسوبة. مع سوء الأوضاع السياسية في المنطقة مؤخرا، اشتد بشكل مباشر تضارب المصالح ما بين الأمريكان وقوى "الدولة العميقة" للعملية السياسية التي تمتلك قدرة جس النبض لتحقيق مآرب سياسية لمصلحة أطراف خارجية مرتبطة بها، لكن وإن تباينت أشكال الصراع بين الطرفين، إلا أن الأجندة ستبقى "ثابتة" ومشتركة الخطورة على مصالح العراق وشعبه. وكلا الخصمين، ليسا، على استعداد لمناطحة أحدهم الآخر، لكنهما مستعدان، لحرق العراق وإعادة الأحداث الدموية التي خلفتها الحروب والاحتلال إلى الواجهة. ولم يكتشف المثقفون والسياسيون الطامعون بدولة المواطنة، اللعبة، وبعضهم لا زال يحسن الظن ويغازل أصحاب السلطة ولربما يوافقهم الرأي بأن كل حراك جماهيري لأجل التغيير ونيل الحقوق المدنية والسياسية ورائه أياد خارجية، وبالطبع - أمريكية صهيونية؟.

ومع أن الصورة الجيوسياسية منذ غزو العراق واضحة، ولكن، ليس هناك من السياسيين من يعلم ما الذي يجب عمله إذا ما استمرت التهديدات الأمريكية بحق العراق ونهب خيراته؟. ولنفترض، أن ما يهم كل مواطن عراقي إنهاء احتلال بلده، كما يهمه إنهاء الأزمات التي خلفتها ظروف الحروب وجشع المحتكرين. لكن لماذا، عند مطالبة الشعب حقه المشروع بأن يعيش كريم في ظل وطن حر يملك كامل السيادة، وبدونه لا يمكنه حل المشاكل العالقة ومنها شكل نظام الحكم والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تشكك الطبقة السياسية الماسكة بالسلطة بوطنية الناس وعراقيتهم لمجرد إنهم اختلفوا معهم في موقف أو رأي؟. ولماذا يتنكرون للحقيقة التي أتت بهم للحكم وكيف؟.

في تقرير صادر عن منظمة في مجال حقوق الإنسان حول العراق، وهو واحد من تقارير عدة أصدرتها منظمات دولية، إنسانية وحكومية وخاصة. جاء فيه إلى جانب الكثير من الحقائق: بأن أكثر من مليون ونصف إنسان عراقي قد قتل منذ غزو العراق وإن أكثر من 900 ألف منهم راحوا على يد منظمات وعناصر إرهابية، أو عراقيين منتسبين للجيش والشرطة والأمن وميليشيات الأحزاب الحاكمة، نتيجة التعذيب وسوء المعاملة وفقدان الرعاية الصحية. إلى ذلك فقد أشار التقرير أيضا إلى ممارسة اضطهاد السجناء العراقيين وتعذيبهم وإذلالهم حد الاغتصاب وممارسة الجنس بالقوة تحت الترهيب دون أي رادع يذكر. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على الغزو لاتزال عنجهيات السياسة بحق العراقيين ترتكب بأيد عراقية، تعيد إلى الذاكرة على نطاق واسع، سيناريو ما فعلته القوات الأمريكية من جرائم خلال حروبها في العراق.

المشهد اليوم واقع الحال لم يكتمل بعد، وأننا لا نزال أمام استحداث أو بمعنى آخر، إعادة منتجة، فيلم تشكل عناصره علامات سيميائية حاملة لمعلومات كثيفة كما يقول الفيلسوف والمفكر "يوري لتومان". فالوسط الانتهازي الثقافي والسياسي العراقي همه استجداء رضى أصحاب السلطة على حساب القضية الوطنية والمصالح العامة للمواطنين. والاعتقاد أن الديمقراطية في العراق سائرة نحو الكمال، شعارا في حد ذاته فضفاض، لا قيمة له... وإذا ما افترضنا جدلا، بأنه حقيقة قائمة!. دعونا نسأل من باب الشفافية التي يزايد البعض: لماذا تغلب المصالح الفئوية والحزبية على النص الذي يراعي المصالح الوطنية العليا للدولة؟. في علم المنطق، يتأسس فلسفيا ومجتمعيا مفهوم الديمقراطية باشتراط تحقيق مبدأ المواطنة، وعلى المواطن أن يكون مخلصا لتأمين مصالح الوطن والحفاظ عليها. وبالضرورة، أيضا، تغيير النظام السائد بأكمله وإنهاء حالة احتكار السلطة وبناء الدولة المدنية الحديثة.

إن ما حدث ويحدث اليوم في ساحات الاحتجاج يثير القلق ويعيد إلى الذاكرة العراقية صور تلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها (القوات الأمريكية الصديقة؟، الديمقراطية؟) بحق العراقيين الأبرياء. الموقف الوطني له قدسيته، لا يقبل مهادنة النفاق والدجل والانتهازية السائدة في عقول من لم تستيقظ ضمائرهم. من هذه الزاوية حصرا ينبغي استعادة الصورة واستخلاص بلاغة الذاكرة لفهم طبيعة الأحداث ونتائجها المأساوية بعيدا عن التقييم الاستهلاكي المبسط.

خلاصة القول: إن الوطن الحر يشترط سعادة الشعب، على هذا الأساس، على الطليعة الواعية أن لا تقف موقف المتفرج المنتظر حتى السقوط النهائي... وما بعد الطوفان.. عنئذ نسأل، ما العمل؟...

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 22-04-2025     عدد القراء :  258       عدد التعليقات : 0