قيادة جمهورية ايران الإسلامية لن تخوض حرباً وقودها الإيرانيين إلا إذا هوجمت، ولكن برد محدود ومدروس، كما عهدناها. بيد انها يمكن أن تزج بأتباعها من أذرعها المنتشرة بالمنطقة بصدام مع الولايات المتحدة، باعتبارهم خندقها الأخير، وفي جبهات قتال بعيدة عن أراضيها، فما يهمها اتقاء ما هو أسوأ، فهي تقدم مصالحها الوطنية على أية قضايا أخرى.
ولأنها ترقص على حافة الهاوية فإن النأي بالنفس هو ملجأها الأخير، وهو ما يمكن استنتاجه من تسريبات المحادثات الأمريكية - الإيرانية السبت الماضي في عُمان والغموض الذي ما زال سائداً على نتائج الجولة الثانية في إيطاليا. فالاغراءات المعلنة التي أعلنتها الجمهورية الاسلامية باستثمارات بليونية لشركات الشيطان الأكبر، تعبير عن خشية جدية من التهديدات الأمريكية بدفع إسرائيلي.. وهي تعبير عن استعداد الانحناء أمام عاصفة ترامب الهوجاء. ومن جانب آخر هي مساهمة ايرانية لتعويض ترامب عن تكاليف تحريك حاملات طائراته وبوارجه وطائراته وكل التكنولوجيا المتقدمة ونقل أكداس سلاحه. فهذا بمعنى آخر رهن النفط الإيراني لأجيال قادمة للامريكان بشرط استمرار نظام ولي الفقيه.. بالاستثمارات السخية التي يسيل لها لعاب الكارتيلات النفطية الأمريكية والمستثمرين في مجالات الاقتصاد الأخرى التي تخلفت بسبب الحصار الغربي للبلاد، وتليّن الفظاظة الأمريكية.
الرابح الأول من اية حرب هي إسرائيل، فهي توظف التفوق والقدرات الأمريكية جنوداً وسلاحاً وأموالا في حربها بالوكالة، لتجني ثمارها يانعة بأقل الخسائر، وهذا بالمناسبة نفس ما تفعله إيران في زج المليشيات في المعارك لتدرأ عن اراضيها تبعات الحرب.
أعتقد أن الرئيس الأمريكي ترامب يعي رغبة حكومة نتنياهو بتوريطه في حرب ضروس ضد إيران. كما فطن، سابقاً، لمحاولات الرئيس الأوكراني زيلينسكي توريط أمريكا في حرب عالمية ثالثة مع روسيا. لهذا فضّل تجربة المباحثات القصيرة الأمد مع إيران المنهكة أصلاً.
أما الخاسر الأكبر من أية حرب قادمة فهي الدول العربية والإسلامية ومن ضمنها إيران، التي طالما هددت الدول التي تستضيف قواعد امريكية على اراضيها، وهي كل الدول المحيطة بها عدا أفغانستان (50 قاعدة عسكرية)، وقد تبدأ بالعراق لهشاشة كيانه، بالتدمير !
استنجاد هذه الدول بالأمريكان، في حقيقة الأمر، كان خوفاً من تصدير الثورة الإسلامية إليها… وهذه التهديدات بضرب دول عربية واسلامية يتناقض مع جوهر ما جاءت به الثورة الاسلامية في ايران وقامت عليه ايديولوجيتها الرسمية، بطرح نفسها كحامي للإسلام والمسلمين. وبذلك تثلم مصداقيتها الدينية والمذهبية امام من سلّم بخطابها.
وقد قيل أن التاريخ يُعيد نفسه… وكان لنا في العراق مثيل مرادف. فقد كان أول من قوض الوحدة العربية هو حامل لوائها وشعاراتها صدام حسين عندما عادى سوريا ومزق وحدة منظمة التحرير الفلسطينية واحتل الكويت وصدّع التضامن العربي وتنمّر على الدول العربية وتآمر عليها.
ذهب بعض المحللين السياسيين الى أن قبول إيران بالشروط الأمريكية ستكون اقسى من خوض حرب !!!