نشر الأستاذ مالك حسن مقالة بقلم د. جمال العتابي تحت عنوان "خاب ظني...وصدق فالح عبد الجبار"،
ومختصر ما تضمنته المقالة حسب فهمي ان الراحل فالح عبد الجبار والأديبة فاطمة المحسن قد قدما من غربتهما الى بغداد في حزيران 2003 فاستقبلهما الكاتب والروائي د. جمال العتابي بعد فراق دام بين ثلاثة وأربعة عقود. وكان الراحل فالح عبد الجبار يحمل مشروعه الفكري الثقافي ويحدث صديقه بشأنه وآليات تنفيذه في عراق ما بعد الدكتاتورية. إلا ان الدكتور العتابي وبعد أسبوعين امضاهما الراحل بادئاً خطواته الأولى بزيارات لعدد من الكليات والمعاهد، والتقى بأساتذتها وطلبتها، وتعرّف على بعض منظمات المجتمع المدني التي تشكلت تواً، تنقصها الخبرة والتجربة، والتقى بوقت قياسي، العديد من المثقفين والأدباء والإعلاميين، ونظّم ورش عمل لمستويات مجتمعية عديدة." ولكن وكما يقول الكاتب انه قد التقى صديقه بعد بضعة أسابيع فوجد: "أن ذلك البريق في عينيه قد اختفى وان الحقيبة التي يعلقها على كتفه تحولت الى ثقل ينوء بحمله، وهو يسحب ساقيه ببطء ليرتمي على كرسي قريب مستريحاً من عناء شديد، وعندما سأله بإلحاح أجابه قائلاً: العلّة ليست في جسدي، أنا لا أشكو من شيء في صحتي، إنما العلّة في العراق. وقد قررت العودة الى حيث المكان الذي جئت منه. لقد أيقنت ان مشروعي لم يحن زمانه بعد" !!. وودعني قائلاً: أنا مغادر ، في أمان الله .
وختم الكاتب مقالته قائلا: ها هي عشر مضت، وبعدها خمس، وكنت على أمل ان (تخيب) توقعات فالح ، لكن خاب ظني أنا ، وصدق فالح لأنه إختار الموت! ".
كتبت لصديقي ناشر المقالة الأستاذ مالك حسن التالي:
في المرة السابقة علقت على مقالة نشرها الصديق سلام إبراهيم كبه، وتبين لاحقاً أن المقالة لك انما استعارها سلام منك وأدخلتموني سلام وانت واصدقاءكما بإيراد ومصرف وبالشافعات خلصت نفسي، انت اليوم حسناً فعلت عندما كتبت في آخر المقال اسم الأستاذ د. جمال العتابي بوصفه الكاتب ووضعت نجمه قبل اسمه للدلالة وتلافي التوريط ..فشكراً لك.
ما رأيك أن أكتب ما يزعلك وعدد كبير من احبتنا، تحت نفس العنوان وبنفس المقدمة التي كتبها الدكتور العتابي ولكن من الجانب الآخر للصورة...؟
خاب ظني...
" كنا ننتظر عودة الأصدقاء والأحبّة الذين غادرونا ما يقرب ثلاثة أو أربعة عقود من الزمن، هرباً من سلطة الدكتاتورية والاستبداد، والنجاة من الموت والحروب، نترقب مقدمهم الى الوطن بعد نيسان 2003".
فقد نرى أن بهم وحدهم تستوي الأمور وينعدل الميزان. فمن ناحية كنا نرى: أن الشعب بأشد ما تكون الحاجة اليه لنظام حكم مستقر يحفظ حياة الناس وكرامتهم، ويضمن العدالة الاجتماعية لهم ، ومن ناحية نرى ان حال الشعب العراقي كان بالضبط مثل حال مريض في العناية المركزة من جراء ما ارتكبه صدام بحقه من جريمة فاقت في خطورتها جرائم الحروب والحصار والمقابر الجماعية كلها، تلك هي تجريده من الحد الأدنى من الوعي السياسي والإرادة السياسية بما إجترحه ضده من تفريغه للعراق من الوعي السياسي، واشاعة الخنوع والتخلف والانهزامية والاستسلام والطائفية التي كانت صلب "ثورته الايمانية"، ومن ناحية ثالثة كنا نرى بأن عودة المغتربين وجلهم عناصر تقدمية هو المنقذ لمستقبل العراق ، وكنا نحسب انهم يرون ان المعركة لم تنته بسقوط صدام بل بدأت الصفحة الأخطر، فأما أن تنتكس الأمور أو أن يخرج العراق معافى بنظام حكم صالح ومستقر يرتكز على المواطنة ويضمن حياة وكرامة الناس والعدالة الاجتماعية ، وهذا مرهون - وفق اعتقادنا بعودة المغتربين - والقيام بدورهم الفاعل في انتشال وعي الناس.
في الأسابيع الأولى صادفت واحد من اعز أصدقائي قادماً من لندن سألته: هل انت وحدك أم العائلة معك..؟ قال بل وحدي ، ومتى تُحضر العائلة..؟ قال: الأولاد بالمدارس و..و.. فأيقنت انهم لا ينوون العودة، فخاب ظني...وتوافد العديد لاحقاً لمراجعة الدوائر الرسمية للحصول على حقوقهم، وهذا من حقهم ولكن الذي صدمنا ان يتركز الباعث في قدوم الكثرة منهم لتأمين تلك الحقوق ومن ثم العودة الى ديارهم الجديدة فقد كنا نفرق بين من رحل لتحسين ظروفه وبين من أُجبر على الرحيل لأسباب سياسية فكانت أول خيبة ظن نواجهها، ومن ثم نشأت ظاهرة جديدة تحت مسمى عراقيو الداخل وعراقيو الخارج فخاب ظننا.
في الممارسات الانتخابية أول الأمر كان متاح للمغتربين المشاركة فيها ، لكن أحزاب المحاصصة قررت حجب هذا الحق تحت ذرائع شتى ..فحسبنا أن مغتربينا سيبرمجون زياراتهم للعراق وقت الانتخابات ليدعموا من يحبون ويعتبرونها ممارسة نضالية مكملة لما بدأوا به حياتهم لكنهم بدلاً من ذلك غرقوا في ذواتهم ولا أعمم وبات البعض منهم يقف على التل ويعير العراق والعراقيين بما ابتلوا به من فساد ومحاصصة وفوضى ولا أعمم في وقت كان فيه بعض البعض منهم يغرق برومانسيته وطراوة عيشه الحالي وفي نفس الوقت يكتب المعلقات عن مشاركته بحرب الأنصار...! ومن حقه ذلك على ان تكون حياته الحالية امتداد لتلك الحياة ومبنية على مرتكزاتها...ولكن ذلك لم يحصل وليس شعبهم فقط بل حزبهم أيضا يرونه في كل دورة انتخابية يرمي شباكه فلا تعود تلك الشباك بسمكة واحدة تسد الرمق...! فلا هو يجهر بما ينبغي أن يقال ولا هم يبادرون، قد يقول قائل: ان الظروف الموضوعية هي العله وان احتكار أحزاب المحاصصة لنتائج الانتخابات هي المشكلة ...؟ أقول: كل ما تقوله عن الظروف الموضوعية صحيح وحقيقي ولكن أنتم هل وقفتم بوقفة احتجاجية أمام السفارات العراقية في بلدانكم مطالبين بممارسة حقكم بالتصويت ...؟ هل افترش قادتكم السياسيين الشوارع للمطالبة بتطبيق احكام الدستور والقانون فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات...؟ هل رتبتم مواعيد زيارتكم للأهل والأصحاب في وقت الانتخابات لتجعلوا من الزيارة زيارة وتسياره ...؟
وفي هذه الحالة من خاب ظنه حقيقة: الراحل فالح عبد الجبار أم الدكتور العتابي أم كائن آخر لم يظهر في الصورة ...؟
أياً كانت ردود فعل بعض البعض فأنا ما زلت أحمل عبء عبارة كتبها قبل سنوات الأستاذ عبد الرضا الحميد رئيس تحرير مجلة العربية عني قائلا: هذا لا يخشى إن وقع على صخرة الحق أو وقعت صخرة الحق عليه...
لترطيب الأجواء:
ياس خضر يكَول: تعال بحلم احسبها الك جيه واكولن جيت ...يا ثلج اللي ما وجيت...
ويقول مفتي ديارنا: تعال بالانتخابات وألك أجر عمره ...لكن مو أجر حج موه الثخن...!
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).