بعد أن أصبح الحديث عن العميل والعمالة أمراً مستهجناً، حيث احتج البعض على استعمال هذا التعبير في الخطاب والتعامل السياسي بين الأطراف السياسية باعتباره غير لائقاً، ويجري اعتماد مصطلح جديد، مخفف سهل الهضم، يمكن ابتلاعه وهو التخابر مع جهات او دول أجنبية، رغم أن حدود مستوى التواصل المقبول به، لم ترسم، حتى وصل لدى مكونات سياسية شيعية مديات بعيدة بالتصريح والتباهي علناً بالتبعية، بل تقوم بتنفيذ أجندات دول خارجية، عينك عينك.
تعريف العمالة، كما جاء في الأدبيات السياسية، هي أن تتلقى أوامر من جهات خارجية لتنفيذ سياسات تراعي مصالحها وأهدافها على حساب الوطن.
عد البعض العمالة رديفة الخيانة، بيد أن آخرين اعتبروها مجرد وجهة نظر مختلفة !
العلة هي في هل تخدم هذه العلاقة، الخارج اطار الدولة ذات الأهواء الحزبية والفئوية، الوطن في شيْ ؟
التجربة تنفي ذلك.
وقد كان طيب الذكر المنولوجست عزيز علي في تقديره لسوء الوضع في زمانه عندما غنى : "الجاسوس صورة بوسط چرچوبة". بينما نرى اليوم انخراط جماعي في العمالة، أحزاب وميليشيات وشخصيات في أرفع المواقع الحكومية في الدولة ومجلس النواب تتباهي في خدمتها وتبعيتها وولائها للأجنبي و يعلنوها جهاراً نهاراً، دون حياء، ودون أن يندى لهم جبين أو يرف لهم جفن.
وبينما كان العميل، فرداً، يتخوتل، طالباً السرية، فإنهم اليوم مجاميع وجحافل يجاهرون بذلك من على فضائياتهم الحزبية.
مفهوم الوطن لديهم غائب بل مرفوض، أما الشعب فإنما، حسب وجهة نظرهم، هو مجموعة طوائف وشيع وشراذم تلهث وراء هذا الشيخ أو ذاك السيد، مسبّحة بحمده.
كل الجدال يدور حول احتلالين, الأول أمريكي معلن واضح حتى أن الأمم المتحدة اعترفت به لفترة، وقواعد عسكرية بأماكن معلومة، أخذت استحقاق وجودها من دورها في إسقاط الدكتاتور السابق أولاً، ثم بمعاهدة اتفاق استراتيجي بين عساكر المحتل الأمريكي وورثة نظام الدكتاتور السابق، المتلفعة بعباءة الدين والمذهب.
الاحتلال الثاني ايراني مستتر، ولكن المواطن يلمسه في كل جوانب حياته وفي كل خطوة، من خلال إلحاق الاقتصاد العراقي لخدمة الجمهورية الإيرانية ثم إملاءات جنرالاتها على العراقيين من القوى السياسية الإسلامية في تنصيب رئاسات الوزراء والوزراء وحتى المراكز الأدنى منهم وكذلك الإمساك بالقرار العسكري والأمني.
حتى أضحى نفوذ ايران الاسلامية في العراق مؤسساتي !!!
يذهب البعض بوجود قواعد عسكرية للحرس الثوري الإيراني اسوة ما للامريكان، ولكن بدون اتفاقية رسمية على غرار الأمريكية، تتجحفل في جرف الصخر جنوب بغداد ومطار كربلاء ومعسكر أشرف في ديالى والقصور الرئاسية في البصرة… أحد ضيوف برنامج حواري الاستاذ سامان شالي أشار إلى وجود 3 آلاف مستشار عسكري إيراني. بينما المعروف، أن مجموع جنود الامريكان وحلفائهم لا تتعدى 2500 عنصر.
ومن الجدير بالملاحظة أن قرارات الإدارة الأمريكية، لا تمضي، حيث تبذل الأحزاب الحاكمة محاولات التملص منها، مثل نافذة صرف الدولار، بينما تنفذ الأوامر الإيرانية بالتمام، وبإشراف من مسؤولين إيرانيين.
التحاصص السياسي كان لابد وان ينسحب على مجال العمالة ورهان الأطراف الطائفية والعرقية السياسية الأخرى على ولاءاتها، ولم تقتصر فقط على ماما إيران (حاضنة العملية السياسية) ولا على بابا أمريكا (منشئ العملية السياسية)، بل إلى من هم أقل تأثيراً مثل تركيا ودول الخليج وإسرائيل، فهذه الأطراف أيضاً ملزمة، بالضرورة، بخدمة مصالح أسيادها في نهب خيرات البلاد وتجيير الاقتصاد وسيادة العراق وأمنه، لخدمتها.
الانقلاب على المرجع الديني السيد علي السيستاني
الذي دعم وجودهم إعلامياً وسياسياً وفقهياً ايام الانتخابات الأولى 2005، وتحدثوا عن قدسية وحكمة السيد علي السيستاني، لينقلبوا عليه لاحقاً. فقد رفضوا بيانه الأخير للقوى السياسية الشيعية وبنوده الخمسة ومنها نزع سلاح الميليشيات، واعتبروه مجرد نصائح ليست ملزمة لهم لأنهم يقلدون مرجعاً آخر، وينبذوها لصالح السيد علي خامنئي، مرجعاً لهم، يقلدوه فقهياً، ويخضعون لأوامره، هو الذي يجمع السلطتين الدينية والسياسية باعتباره رئيساً لدولة اجنبية - إيران… وهذا ما دفع السيد السيستاني إلى غلق بابه أمام شيعة السياسة والايرانيين.
ليس من عراقي وطني يقبل أن يستبدل عفريت بآخر, كما يُقال، أو باجترار التجربة الفاشلة، وإنما يعمل على تبني نسق عمل وتفكير متجرد منهما الاثنين، له نهجه المستقل المتحرر من التبعية والتوازن في التعامل مع الدول في إطار تقديم معادلة مصالح الوطن والشعب، والمعاملة بالمثل.
وبينما نحن نراقب أفول نجمهم، نتذكر المثل الإسباني القائل :
"إذا رأيت للأقزام ظلاً طويلاً، فاعلم أن الشمس في طريقها للمغيب".