كان ولازال العدوان الإسرائيلي الامريكي على شعوبنا المسالمة قائماً، ومنذ امد بعيد. وهو يسيروفق منهج القضم والهضم على طريقة الافاعي الاستوائية ،التي تقتنص فريستها وتلوذ بصمت لحين ان تستدعيها ضرورة افتراس اخرى. وكما ذكرنا ان العدوان ليس بالجديد، انما دخل في دائرة التحديث ومختلف عن انماطه السابقة. حيث الغيت جحافل الجيوش وطوابير المرتزقة، وغدت السماء هي ميادين الحرب ومن ثمة تمطر ناراً. و يترافق كل هذا مع الحرب النفسية والكذب المنمق على الشعوب اذ له حيّز متقدم. وتبقى قواعد الاشتباك لها حق الذكر فالكل يدعي وصلاً بها، ولا احد يعطيها شيئاً من المصداقية .
تدعونا ضرورة المتابعة والذهاب الى ماوراء الحدث، كي نربط قوساً من الخيوط لغاية الحاق الماضي بالحاضر، ووضع حساب للمستقبل، وفي طريقنا نؤشر بالتفريق ما بين جهة مقمطة بلحاف السلام، وهي في ذات الوقت صانعة بل ومبدعة لاساليب الحرب، ومرغمة شعبها ومجندته لذات الغاية الشريرة، ومن جهة اخرى نرى من هو رافع راية السلام حقاً مسنوداً من ابناء شعبه.. وتزودنا طبيعة الاشتباك بقدرة التفريق بين من هو الذاهب الى الحرب ومن هو المتلقي بشرعية الدفاع عن النفس. كانت الاسلحة الاسرائيلية موجهة وساعية الى اهداف محددة، بمعنى موجهة لتخوض حرباً ضروساً، زد على ذلك كانت هي البادئة، في حين كانت الاسلحة الايرانية وقد واخذها البعض لعدم دقة اهدافها، متناسياً انها اسلحة دفاعية، مع انها كانت قد انهكت العدو الى حد ما، وهي بامكانيات منفردة في مواجهة قدرات عالم غربي امبريالي متعجرف عنصري متعاطف مع اسرائيل.
كان الفصل الاخير من الحرب مبهماً ومحيّراً حقاً.. فعندما تصاعدت حدة التوتر واسفرت الادارة الامريكية عن مشاركتها بالحرب، وبعد ان كانت تحاول تمويه ذلك التماهي مع عدوان اسرائيل بنفي المشاركة بالحرب، وبادعاء ان اسرائيل هي فقط التي تخوض المعركة، لكي تحيّد النار الايرانية عن مصالحها في المنطقة. وللاسف كان مغلساً عنها . الا ان الضربة القاسية على مواقع ـ فوردوـ الايرانية بأسلحة فتاكة وبواسطة قاذفات امريكية، لم تدمر الاسلحة النووية الايرانية، انما وكما يبدو قد اضعفت العزم المقاوم للعدوان. وتم اللوذ بتعويذة ـ قواعد الاشتباك ـ المحرّفة، فلا يمكن لمحارب ان يقول لعدوه ان ناره ستكون ناراً شبه خافتة.. وستذهب الى ناحية مفرّغة من لوجستيات وافراد العدو، وكأنه يقدم بادرة حسن نية !! . ولم يكن هذا السيناريو مجرداً من رغبة اعلان الكفاية وتجرع الكأس المر، بهدف الخروج باقل الخسائر التي اعلن ترامب بانه قاصدها وهي تغيير النظام الايراني.
نرى المشاهد الاخيرة تشابه الى حد كبير ـ مسرح اللا معقول ـ بعد ان كان من المتوقع والمعول عليه ان يتعاظم التحدّي الايراني، ويلقن الاستهتار الامريكي الصهيوني درساً لم يتلقاه من دول الشرق الاوسط، كما كان قد تلقاه من دول الشرق الاقصى" فيتنام ولاووس وكوريا " الباسلة.. وتحديداً لم نلمسه من الدول العربية صاحبة القضية المركزية قضية الشعب الفلسطيني، ويتم ذلك في ظلال تصريحات ترامب : ( ايران اما دولة عظيمة واما تغيير النظام !! ) فهل اُخذت هذه التصريحات الشيطانية على محمل الجد ؟! . وبالتالي اختيار ان تكون ايران " دولة عظيمة " ؟! ، تحت خيمة سلام ترامبوي مفخخ لحين ان تاتي الفرصة المناسبة للقضاء على كل من يواجه اسرائيل، وفي المقدمة النظام الايراني. الذي اما ان يتم احتوائه دفعة واحدة وهذا من المستبعد الان، واما على طريقة الافاعي الاستوائية اي طريقة الهضم الساكن لحين انهائه تماماً.
ترك هذا الوضع الاخير لنهاية الحرب الايرانية الامريكية الصهيونية الملتبسة، سؤالاً كبيراً، لم يجب عليه أحد بل أصبح في عداد الذهاب نحو طريق السلام وانهاء مساوئ الحرب، غير ان الامر لم ينفصل عن ملف الاحتلال الاسرائيلي واضطهاد الشعب الفلسطيني، فهل السير على طريق السلام يشمل معالجة حل الدولتين، ام يبقى الفلسطينيون وقوداً دائماً في محرقة اسرائيل...؟؟